تماما على الطريقة التي وصفها جورج ارويل في روايته الشهيرة «مزرعة الحيوانات» تم اصدار قانون الصحافة. يروي ارويل كيف تتحول الدكتاتورية التي كان يمارسها صاحب المزرعة بعد طرده من قبل الحيوانات إلى دكتاتورية مجموعة من الحيوانات على بقية حيوانات المزرعة. فبعد ان تم طرد صاحب المزرعة الذي كان يظلم الحيوانات جميعها تسلّمت مجموعة من حيوانات المزرعة مهمة «صوغ الاسس» التي سيتم تسيير المزرعة عليها.
وبالفعل اجتمعت الحيوانات بمختلف اصنافها وقررت صوغ مواد دستورية كتبتها على حائط الاسطبل، وبدأت تلك الاسس بعبارة «كل الحيوانات سواسية». إلا ان مجموعة من الحيوانات التي اعطت لنفسها حق التفكير وصوغ الخطط (اعتقادا منها انها تفهم افضل من غيرها من الحيوانات) حولت كل شيء كان يقوم به صاحب المزرعة الظالم إلى نفسها. وبعد ان ارعبت عددا من الحيوانات وأعطت لنفسها هيبة مصطنعة، قامت بتغيير الاسس الدستورية التي اتفقت عليها حيوانات المزرعة جميعها. ولكن طريقة التغيير كانت بشعة جدا، وحدثت في الظلام بحيث لم يأت صباح احد الايام إلا والحيوانات تقرأ تغييرا في الاساس الاول يقول «كل الحيوانات سواسية، إلا ان بعضهم أكثر سواسية من البعض الآخر».
لم يستطع أحد مساءلة التغيير لأن الطريقة التي تمت بها كانت مفاجئة وخالية من كل تفاهم ومن كل ذوق حيواني (أو انساني بالنسبة إلينا). وما هي إلا فترة وجيزة وإذا بالظلم يصبح أضعافا مضاعفة وتمنت الحيوانات عودة الظالم الاول ليخلصها من ظلم مجموعة منها.
وهذا الشعور ادى في النهاية إلى ان يثور «الحمار»، وهو اقل الحيوانات فهما وأكثرها عملا، على المجموعة المستبدة التي غيرت دستور المزرعة واستبدت برأيها كثيرا.
وهكذا وبعد خمسة عقود من كتابة رواية «مزرعة الحيوانات» نجد كيف تصرف بعض منا وأصدر قانونا لارغامنا على الانضمام إلى جمعية لم يُستشر في تكوينها واسلوب عملها الاشخاص الذين سيقهرون بقوة القانون (تماما كما فعلت مجموعة من حيوانات ارويل بحيوانات اخرى) على الدخول في الجمعية ليتم «تأديبهم» ومعاقبتهم لأمرين: الاول يتعلق برفضهم الانتماء إلى الجمعية. والثاني يحتفظ به للمستقبل ويتم تدشينه عند الحاجة إلى قمع حرية الكلمة.
وهكذا يتم سوق الصحافيين بالطريقة الكارتونية نفسها التي وصفها ارويل في روايته، رغم انفهم، وبحكم القانون، على القبول بالاستبداد الذي كان يمارس من خلال القمع المباشر في الماضي، إلى ظلم على اساس قانوني (تماما كما ظلمت مجموعة من الحيوانات مجموعة اخرى بعد ان غيّرت اساسا دستوريا في ظلام الليل).
هدية رمضان هذا العام سيئة جدا، والصحافيون عليهم الاستعداد لتجريد انفسهم من اقلامهم وافراغ عقولهم والخوف على منع ارزاقهم من خلال منعهم من الحصول على معاشاتهم عندما تقرر جمعية الصحافيين (التي اصبحت جزءا من جهاز الدولة الرسمي بحكم القانون) ذلك. وعلى الصحافيين الاستعداد لمرحلة مبهمة بعد ان فرض عليهم قانون لم تتم استشارتهم فيه، بل بعد ان تم تغيير جوهره الذي قدم إلى لجنة تفعيل الميثاق. وعلى الصحافيين ان يعلموا من الان وصاعدا بأنه لا احترام لهم، وليسوا سوى مجموعة من الموظفين الذين ستسلط عليهم سلطة قاهرة باسم القانون الذي صدر في الظلام وسيطبق عليهم رغم أنفهم.
اذا كان الصحافيون يتم التعامل معهم بهذا الاسلوب فكيف سيتم التعامل مع غيرهم؟! فالمفترض من اصحاب القلم ان لهم احتراما وتقديرا كي يستطيعوا الدفاع عن ضمير الامة، ولكن ما قيمتهم الآن بعد ان تم غزوهم في عقر دارهم؟
لم نكن سنكتب ما كتبنا لو اننا شعرنا بذرة احترام، خصوصا بعد ان تم تقديم طلب بسيط وهو رؤية القانون لابداء الرأي فيه قبل اصداره وفرضه علينا. غير اننا واثقون بأن المشروع الاصلاحي الذي رفع اسم البحرين عاليا يمكن أن يتعرض لكبوة، وهذه الكبوة يمكن معالجتها عبر الاعتراف بالخطأ الذي حصل والمبادرة إلى إصلاح الأمر
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 63 - الخميس 07 نوفمبر 2002م الموافق 02 رمضان 1423هـ