اعتبرت زميل وباحث أول في الإعلام السياسي نيللي لحود، أن تنظيم «داعش»، أضفى طابعا مؤسسيا للاستعباد الجنسي، في حين أنه أبعد المرأة عن المشاركة في أعمال القتال، واهتم بتعليمها صناعة «البانكيك». أما الإعلامية بارعة علم الدين، فذكرت أن المرأة السعودية ضحية للإرهاب، وأن «داعش» بعيد عن طبيعة المجتمع السعودي.
جاء ذلك، خلال الندوة التي نظمها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية – الشرق الأوسط، بشأن «النساء والتطرف العنيف»، في مقره بالمرفأ المالي، مساء يوم الأحد الماضي (19 فبراير/ شباط2017).
وخلال الندوة، قالت لحود: «كان هناك الكثير من التركيز الإعلامي على الدور الذي تقوم به النساء في داعش، وهناك من يرى أن داعش يستخدم المرأة في طرق تختلف عن تلك التي تقوم بها الجماعات الجهادية الأخرى، وأنه يفتح أمامها الأبواب لتنضم إلى مقاتليه. ولكني أرى أن داعش غير مستعد بعد للسماح للمرأة بالقتال».
وأضافت «من خلال قراءاتي ما تكتبه الجماعات الجهادية على مدى أعوام، يتضح أنها ترى هؤلاء النساء كعامل مساعد على الجهاد، لا جزءا منه. وفي عبارة أخرى، فإنهم يرونهن كزوجات وأخوات وبنات، تقع عليهن مسئولية مساعدة اخوانهن وآبائهن وأبنائهن للقيام بدورهم في الجهاد».
وتابعت «كما أن النساء هناك قد يقمن بأدوار الكتابة لدعم الجهاد والحصول على تمويل، ولكن جماعات الجهاد دائما ما تتشدد لصالح فكرة عدم السماح لهن بالمشاركة في القتال».
وأشارت لحود إلى أن الدولة الإسلامية وهي في أوج صعودها، بدأت بعض المواقع الإلكترونية الداعمة لها، في نشر أشعار لأحلام النصر، والتي كانوا يصفونها بشاعرة الدولة الإسلامية، لافتة إلى أن والدة النصر، وهي إيمان مصطفى البغا، كانت منظرة ومفكرة داعش، ولديها تجربة في تدريب وتعليم عناصر داعش على دراسات التشريعات الإسلامية.
وأوضحت بأن البغا كانت تدرس في جامعة الدمام، وقررت بعدها أن تهاجر إلى «أرض الخلافة»، وكانت تكتب مقالات قوية تمجد الدولة الإسلامية، وكتبت في أحدها «أنا داعشية قبل أن توجد داعش».
وذكرت لحود، أن أحد الأمور التي لفتت انتباهها كانت عناوين المجلات الموجهة إلى المرأة، كـ»الصراط» أو «الخنساء»، بينما تتصدرها الآن عناوين من قبيل «خطوات جبارة لمن أرادت النفير» و»سلسلة الإعداد للمسلمة: استعدي للنفير».
وعادت لحود لتقول: «لم يسمح لأحلام أو والدتها إيمان بالقتال، وأكدت إيمان في مقالاتها بوضوح، أن دور المرأة محدود بالعمل في الخرز والقماش، وأن الأعمال الصعبة خاصة بالرجال. وفي حين أني اعتقدت أن المجلات النسائية ستطالب بدور ملموس للمرأة في القتال، فوجئت بأنها تقدم طرق إعداد الطعام بين صفحاتها».
وأضافت «إحدى المجلات قدمت وصفة إعداد (البانكيك)، والتي اعتبرت أنها وصفة سريعة وسهلة الإعداد، ويمكن إعدادها للمجاهدين قبل توجههم للقتال. وبمشيئة الله ستمدهم بالطاقة والقوة!».
وعلقت لحود ساخرة «أُصبت بالإحباط لأن (المناقيش) لم تكن جزءا من قائمة الطعام المفضلة لدى داعش!».
وواصلت «من يعتقد أن داعش قد تنتج نساء محاربات، قد يصاب بالإحباط حين يقرأ ما يرد في المطبوعات التي يصدرها التنظيم، والواضح أنه لن يخلق امرأة كمريم المنصوري (وهي أول إماراتية تقود مقاتلة جوية)».
واعتبرت لحود أن استثناء النساء من المشاركة في القتال، يمثل تنافرا ايديولوجيا حقيقيا، على حد تعبيرها، وقالت: «المبدأ القانوني للدولة الإسلامية الذي تبرر به الجهاد في الوقت الحاضر، ينطبق على المرأة أيضا، وهو جهاد الدفع، والذي يعتبر جزءا من قانون الحرب في علاقة العالم الإسلامي مع غير الإسلامي خلال مرحلة ما قبل العصر الحديث، وهو الجهاد الذي يقود إلى النفير العام، والذي يلزم جميع المسلمين بالجهاد -باعتباره فرض عين- بما في ذلك النساء».
وتابعت «على الرغم من أن الجهاديين يعتبرون أنفسهم بأنهم يعيشون في مرحلة جهاد الدفع، في تبرير لأعمال القتال التي يقومون بها في الوقت الحالي، إلا أنهم أثناء مناقشاتهم دور المرأة في ظل هذا الوضع، يعودون للنظرة الكلاسيكية للتقاليد التي تقيد حركة المرأة في أوضاع السلم».
وأضافت «الحديث يتحول حينها إلى عدم تمكن المرأة من السفر من دون محرم، وهو ما يجدونه أمرا غير عملي، وذلك في تبريرهم لاستثناء المرأة من القتال في المعارك».
وذكرت لحود أن هذا المبدأ لم يمنع داعش من استخدام النساء كانتحاريات، مؤكدة أنه حتى أثناء استغلالهن للقيام بالمهمات الانتحارية، فإنه يتم الالتزام بمبدأ مصاحبة المرأة بمحرم، إذ يتم تزويجها بمن يهيئها للقيام بالمهمة الانتحارية قبل أيام من القيام بعمليتها الانتحارية.
وأشارت لحود إلى أن داعش يرى أن الفصل بين الجنسين أمر محسوم، بل ووضع قواعد مشددة تحكم النقاش بين الرجل والمرأة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المعنية بالجهاد، من منطلق أن الفحشاء قد تبدأ بالحديث بين الرجل والمرأة، لافتة إلى أن حتى تبادل أيقونات الوجوه الباسمة بين الرجال والنساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هو أمر ممنوع.
وتطرقت لحود خلال حديثها إلى ما وصفته بـ»الاستعباد الجنسي» في داعش، مشيرة إلى أن داعش أضفى طابعا مؤسسيا على ممارسات الاستعباد الجنسي بين عناصره، لافتة إلى أن الفتاة اليزيدية نادية مراد، والتي هربت من داعش، تحدثت عن تفاصيل تتعلق بمعاملتها كعبدة لإرضاء الرغبات الجنسية لمقاتلي داعش، منوهة في الوقت نفسه باللقاء الذي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» مع فتيات تم استغلالهن جنسيا من قبل داعش.
وقالت: «المطبوعات الرسمية التي تصدر عن داعش، تتحدث بصراحة عن حق المقاتلين في الحصول على السبايا والجاريات، ومن أجل ذلك، فإن التنظيم أعاد إحياء المبدأ السائد في مرحلة ما قبل العصر الحديث، باعتبار النساء والأطفال غنائم حرب».
وتابعت «الرجال في داعش، يزودون الرقيق اللواتي يستغلونهن جنسيا، بحبوب منع الحمل، من دون حتى انتظار انتهاء عدتهن، وهو ما يمكنهم لاحقا من بيعهن بسهولة حين يفقدون رغبتهم الجنسية معهن».
وفي ردها على سؤال لرئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري بشأن أعلى دور قيادي تقلدته المرأة في داعش، ذكرت لحود أن النساء في داعش لا يسمح لهن بالانضمام إلى صفوف المقاتلين، وإنما يمكنهن الكتابة في المطبوعات التي يصدرها التنظيم وعبر مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك.
وتطرقت إلى دور إيمان البغا، التي تعلم جيدا أن لديها دورا يجب أن تلعبه، وفقا للحود، التي أشارت أيضا إلى أن داعش يقوض دور المرأة في صفوفه، وأنه ما دام غير مستعد لإشراك المرأة في القتال، فإن ذلك يخرجها من معادلة تولي مناصب قيادية.
وفي ردها على من يقلل من شأن الأشخاص المنتمين إلى داعش، ذكرت لحود أن الجماعات الإرهابية لا يؤسسها الأغبياء، وإنما أي تنظيم إرهابي يحتاج إلى الأطباء والمهندسين والمتخصصين في مجالات أخرى، بمن فيهم صانعي القنابل.
وقالت: «إن أقل شخص يمكن أن يعنيني هو من يقوم بالعملية الانتحارية، بينما من يهمني هو من يصنع القنبلة... والواقع أني لا أصدق أن هناك من لا يزال يقلل من شأن داعش أو الجماعات الإرهابية الأخرى».
وأضافت «هناك من النساء من ينضممن إلى صفوف داعش بغرض الزواج، ولكن السؤال، لماذا فتيات لا تتجاوز أعمارهن الـ16 عاما من بريطانيا، يذهبن إلى داعش؟ وهناك من يذهب إلى داعش لروح المغامرة، والواقع أننا نحتاج للمزيد من البحوث لدراسة هذا السلوك».
وتطرقت لحود خلال ردها على الأسئلة التي وجهت إليها إلى رد مفكر داعش البحريني تركي البنعلي، على الجهاديين المخالفين لداعش، الذين اعتبروا أن موت المتحدث الرسمي باسم داعش أبومحمد العدناني، جاء نتيجة مباهلته مع القيادي في «فتح الشام» أبوعبدالله الشامي، إذ دعا البغدادي حينها أن ينزل على «الدولة الإسلامية» العذاب ويقتل قادتها ويسقط رايتها، إن كانت على خطأ، وكان رد البنعلي أن الدعاء كان يجب أن يتحقق بعد عام لو كانت الدولة الإسلامية على خطأ، ولكن العدناني توفي بعد عامين من الدعاء.
أما الإعلامية بارعة علم الدين، فانتقدت في بداية حديثها الدور الذي يقوم به الحشد الشعبي في العراق، وقالت: «أرى الحشد الشعبي أخا لداعش، ولا أرى فرقا كبيرا بينهما».
ثم تطرقت إلى تجربتها أثناء عملها على كتاب يتعلق بالنساء السعوديات، مشيرة إلى أنها زارت اثناء عملها على الكتاب عدة مناطق سعودية، وقالت: «حين كنت أسأل النساء السعوديات عن رأيهن في داعش، كن يرمقنني بنظرات غاضبة، ويعبرن عن كرههن لهم ورفضهن الشديد لما يقوم به داعش».
وأضافت «التقيت بعدد من الداعيات، اللواتي يتحدثن عن الإسلام، وهن نساء يملكن الذكاء والكاريزما، وكن يجبن على سؤالي عن داعش بعبارة واحدة: (إننا نكرههم لأنهم يشوهون صورة الإسلام)».
وتحدثت علم الدين -التي أكدت أنها سجلت قصصا لنحو 700 امرأة سعودية، والتقت 500 أخريات- عن تجربة لقائها في أحد المقاهي النسائية بمنطقة القصيم بالسعودية، بنساء سعوديات.
وقالت: «دعوت فتيات سعوديات كن يجلسن بالقرب مني في المقهى للجلوس معي، وبعد أن عرفت عن نفسي بهن، أبدين ترحيبهن بي، ثم دعونا أخريات كن يجلسن في زاوية أخرى من المقهي لتشاركنن أيضا أطراف الحديث».
وأضافت «فوجئت حين تبادلت أطراف الحديث مع المجموعة التي انضمت لنا لاحقا، بقولهن لي: (أنتِ تعيشين في بلد متحرر، لذلك احترقت بلدك، وهذا ما لا نريده أن يحدث هنا). والواقع أني وجدت أن هذا الحديث يحمل فكرا داعشيا، ولكن هذه الفئة لا تملك قاعدة في القصيم».
كما نقلت علم الدين قصة أخرى لامرأة شابة لديها ثلاثة أبناء التقتها في القصيم، وزوجها توجه إلى الحدود السورية التركية للانضمام إلى داعش، قبل أن تطلب الطلاق منه، وهي الخطوة التي لقيت ترحيبا ودعما كبيرين من عائلتها ومن المجتمع السعودي، وفقا لعلم الدين.
وقالت: «داعش بعيد عن طبيعة المجتمع السعودي، والنساء السعوديات يحافظن على صلواتهن الخمس يوميا وملتزمات دينيا، ولكنهن لسن متطرفات أو عنيفات. ويرين أن داعش يشوه الدين الإسلامي. بل ان هناك الكثير من السعوديات اللواتي يكملن تعليمهن الجامعي في جامعات أميركية وبريطانية وأسترالية، ولا شك في أن ابتعاث السعوديات للدراسة في الخارج، أسهم في رفع وعيهن».
وتابعت «منذ نشوء داعش إلى الآن هناك أربعون سعودية ذهبن إلى الجهاد أو أوقفن قبل ذهابهن للجهاد، وأعتقد أن نظرة المرأة السعودية ووسائل التواصل الاجتماعي أسهم في نشر الصورة السيئة لمن يريدون الانضمام لداعش».
وواصلت «67 في المئة من المتخرجين من الجامعات هن من النساء، ويجب أن اقول هنا أني لاحظت أن أقل مشكلة تواجهها المرأة السعودية هي قيادة السيارة. المجتمع السعودي متدين ومحافظ بشكل عام، والمرأة السعودية باتت تحصل على حقوقها الأساسية بسهولة، كالزواج والنفقة، ويتباحثن بشأن مسألة الولاية، وهناك الكثير من السعوديات يجددن جوازاتهن وتأشيراتهن لوحدهن».
وأكدت أن المشكلات التي تواجهها المرأة السعودية لا تختلف كثيرا عن تلك التي تواجه النساء في البحرين أو لبنان على سبيل المثال.
وأضافت «كما أني حين أشاهد التلفزيون السعودي، أرى البرامج التي تنتقد الإرهاب، وتتحدث عن برامج المناصحة التي تقدمها الحكومة».
وذكرت علم الدين أن المرأة في السعودية هي ضحية الإرهاب، لأن معظم أزواجهن أو آبائهن المنتمين إلى داعش يتعرضون للموت، مؤكدة في الوقت نفسه على ضرورة التفرقة بين المناضلات والجزائرية جميلة بوحيرد وبين هؤلاء الإرهابيات المنضمات إلى داعش.
واعتبرت أن داعش سيبقى مشكلة موجودة في المجتمع العربي، وأنه لا يستخدم المرأة كجهادية، ولكنها استدركت بالقول: «الآن وبعد أن أصبح التنظيم في موقع سيئ وينهزم هنا وهناك، ربما يقدم على استخدام بعض النساء الموجودات لديه، ولكن قدرته على تجنيد سيدات من العالم العربي، أصبحت شبه معدومة، على الرغم من أنه تمكن من اللعب على عقول النساء في أوروبا، وخصوصا النساء من أصول آسيوية».
وبينت علم الدين، أنه في الوقت الذي يقدم فيه الإعلام الغربي الصورة النمطية لداعش باعتباره تنظيما إرهابيا وبمثابة مرض للعالم، فإنه لا يتطرق إلى الحشد الشعبي الذي لا يقل سوءا عن داعش، على حد تعبيرها.
وأشارت علم الدين إلى السعودية ندى القحطاني التي عينها أبوبكر البغدادي مسئولة عن كتيبة الخنساء الميدانية في الرقة.
واعتبرت أن العديد من النساء يتوجهن لداعش بغرض الزواج، وقالت: «الملتحقات بداعش لم يخترن أن يكن عبدات للجنس، ولا أعلم أي حالة ذهبت لتكون كذلك».
وختمت حديثها قائلة «إذا تخلصنا من داعش، فإننا قد نواجه جماعات إرهابية أخرى قد تكون أسوأ حتى من داعش، فحتى لو واجهنا داعش، سنحصل على أخت أو أخ داعش، وهذا الأمر لن ينتهي، من دون محو جميع القنابل».
العدد 5281 - الإثنين 20 فبراير 2017م الموافق 23 جمادى الأولى 1438هـ