ربما قليلون من لم يتابعوا صور ومقاطع الفيديو القصيرة التي تم تسجيلها في عدد من مناطق مملكة البحرين، لعددٍ من المواطنين وهم يواجهون كارثة الأمطار التي هطلت ففاضت بها الشوارع، وأغلقت طرقات، وحوصرت مناطق سكنية، وتوقفت مركبات. التعبير بالتهكُّم في الأوقات الصعبة يحتاج إلى أنفس اعتادت مثل تلك الأوقات من جهة، وقادرة في نفس الوقت على التحايل على واقعها الذي ربما لا تستطيع تغييره في لمح البصر، لكن أول ملامح تغييره هو التعالي عليه، وعدم الاستسلام لقبضته التي كثيراً ما تكون خانقة.
بدءاً من القوارب التي تم استخدامها في سكك وشوارع بعض مجمعات القرى، أو ذلك الذي استعان بطنجرة عملاقة اتخذها قارباً، لا لشيء إلا ليتحايل بطريقته، أو يعبّر عن فرحه ربما بالغيث، أو ذلك الذي استخدم «الجت سكي» في إحدى مناطق مدينة حمد. مشاهد تتعدد ولكنها تشير إلى أن من بين البحرينيين من لا يدع المتغيرات من حوله، وخصوصاً الصعبة منها، تستنزفه وتخرجه عن فطرته الميَّالة إلى المرح وحب الحياة.
بين الذين استطاعوا التحايل على ما أحدثته الأمطار من أضرار في قراهم ومدنهم، من أمعن في إبداع مواقف، أو اهتدى إلى تعليق هو الآخر لا يترك متابعه من دون أن يرسم على شفتيه بسمة أو تأمل معنى يحتويه، وآخر استحضر أو استدعى مواقف ولقطات من أعمال فنية على مقربة من واقع الحال، ولعل حضور الفنانين ناصر القصبي وعبدالله السدحان في أحد مشاهد حلقاتهما «طاش ما طاش» هو واحد من المشاهد المضحكة، حيث يجمعهما المشهد في مجلس البيت وقد غمرت المياه المكان، وطلب السدحان من القصبي السباحة في «بحر المكان»، حيث أدى القصبي المشهد ببراعة فائقة.
بين البشر الذين تضرّروا من الأمطار من لم يستطع أن يعبِّر بتلك الطريقة التي تعالت على الوضع وتحايلت عليه. عوائل لا يعلم بحالها إلا الله، يجزم أكثرنا أنها لم تعرف النوم، أولاً لسوء حال البيوت التي تسكنها، وهي أقرب إلى الخربات، وهو التعبير الأدق من البيوت الآيلة للسقوط. عائلات عانت من زيادة حالة التدهور في بيوتها بفعل أمطار ظلت تهطل ليومين في انهمار شبه متواصل، ورأينا عدداً من الصور لمنازل غمرت الأمطار غرف نومها المتهالكة، وأمتعتها الزهيدة. مثل تلك العوائل يجب ألا تترك في مهب وضع فاقم من أحوالها المتردية مادياً أساساً، سواءً من جانب الصناديق الخيرية التي لا نشك أنها ستقوم قدر استطاعتها بالدور المنوط بها، أو الدور الذي يمكن أن يضطلع به الموسرون وأصحاب الأعمال، إذ لن يجدوا من الأعمال ما يقرّبهم إلى الله ويبارك في أموالهم أكثر من انتشال تلك العوائل من ضائقتها، وما يشبه الكارثة التي حلت بها، فبقدر ما أن الأمطار تبعث الارتياح والفرح لدى الذين لا تعاني بيوتهم من انكشافٍ أمامه، تبعث تلك الأمطار شعور القلق وأحياناً الخوف لدى قاطني بيوت مهددة بالانهيار على رؤوس أصحابها في أية لحظة. أما عن الدور الحكومي فإلى الآن لم يرشح شيء عن مبادرات في هذا الاتجاه، في الوقت الذي نرجو أن تكون هناك مبادرات يتم الإعلان عنها قريباً.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5280 - الأحد 19 فبراير 2017م الموافق 22 جمادى الأولى 1438هـ
صح لسانك زاير 1.
صدقيني لو جمعت هذه اللقطات في مسلسل وصاغه فنان سيناريو مختص صاحب خبرة لحاز هذا المسلسل على رضى الكثير من شعوب العالم وليس العالم العربي فقط.
الشعب البحراني مبدع وخلّاق حتى في ازمته وفي احلك الظروف وقلّ منا من لم يضحك وهو يشاهد تلك المشاهد الساخرة