لا شك في أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البحرين خلال الأسبوع الماضي كان لها الكثير من الأبعاد السياسية المهمة، وخاصة أن الزيارة شملت دولتين خليجيتين مهمتين على الصعيد الإقليمي أيضا، وهما الشقيقتان المملكة العربية السعودية وقطر... وفي ظل ما تموج به من المنطقة حاليا من تغيرات وتقلبات جيوسياسية وربما «تغيرات تاريخية محورية» فلا شك في أن الزيارة كانت لها مآرب سياسية عدة... ولا شك أيضا في أن هناك رسائل مباشرة وغير مباشرة أرسلت إلى قوى إقليمية عدة من وراء هذه الزيارة.
الرئيس التركي سياسي ذكي وصاحب «كاريزما» أمر ليس فيه جدال سواء اختلفت معه فكريا وسياسيا أو لم تختلف، وليس أدل على دهاء الرجل عن تحويله لدفة محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت ضده العام الماضي إلى رصيد لحسابه بجميع المقاييس، وكيف استغل اتصالا هاتفيا لمدة ثوان معدودات في تحويل الدفة لصالحه تماما، واللجوء إلى الشعب التركي كحكم بينه وبين الانقلابيين، وقد نصره الشعب التركي نصرا مؤزرا لا شك فيه.
لكن يبدو لي أيضا أن الرئيس التركي ليس سياسيا بارعا وحسب، فهو رجل اقتصاد من طراز فريد، إلى الحد الذي توصف فيه الدراسات الاقتصادية عهد أردوغان بـ»الحقبة الأردوغانية» لما شهده الاقتصاد التركي في عهد هذا الرجل من تحول إيجابي كبير، فتركيا الآن ضمن مجموعة G20 التي تضم أكبر اقتصاديات في العالم، مع ناتج محلي إجمالي يقدر بنحو 800 مليار دولار، ما يضعها في المركز 17 ضمن أكبر القوى الاقتصادية العالمية... واستطاعت في أقل من عقدٍ من الزمان أن تضاعف نصيب الفرد من الدخل 3 مرات تقريبًا، والآن يتجاوز الدخل 10.5 آلاف دولار سنويًّا. كما انخفض التضخم من 70 و90 في المئة في منتصف التسعينيات إلى 9 في المئة فقط حاليا.
وتحوَّل الاقتصاد التركي من سيطرة الأنشطة الزراعية التقليدية في المناطق الريفية إلى مجمعات صناعية «ديناميكية» للغاية، ومنتشرة في المدن الكبرى، مع قطاع خدمات متقدم، حتى أصبح القطاع الزراعي يمثل 11.9 في المئة من الناتج المحلي في حين إن القطاعات الصناعية تمثل 23.7 في المئة ، والخدمية تمثل 64.5 في المئة. كما شهد قطاع السياحة نموًا سريعًا خلال حقبة حكم أردوغان، وأصبح يشكل جزءًا مهمًا من الاقتصاد... ناهيك عن التقدم المذهل في القطاعات الصحية والتعليمية وتوفير الوظائف، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ودائما ما يكون الجانب التجاري والاستثماري «حاضرا بقوة» في جميع زيارات الرئيس التركي ومناقشاته وأحاديثه وجلساته وخاصة عندما يحضر التجار والمصرفيون والمستثمرون... ولم يفوت الرجل زيارة البحرين إلا بإشادة واضحة بشركات المقاولات والإنشاءات التركية العملاقة خاصة عندما جاء ذكر «جسر الملك حمد» المزمع إنشاؤه بين البحرين والمملكة العربية السعودية.
جلالة الملك أشار في كلمته السامية خلال اللقاء إلى التعاون الاقتصادي بين البلدين، وخص جلالته بالذكر مشروع الجسر قائلا «نود التشاور في خطوات الاتفاق على بناء جسر الملك حمد بتمويل من القطاع الخاص، وذلك بالاتفاق مع المملكة العربية السعودية، مؤكدين على التعاون في المجالات التجارية والاستثمارية عن طريق المؤسسات المالية الإسلامية وغيرها، وكذلك بحث إقامة معرض استثماري شامل لرجال الأعمال من الجانبين في مملكة البحرين بمشاركة جميع القطاعات، يروج للفرص الاستثمارية في البلدين».
ولا شك في أن «جسر الملك حمد» سيكون محور تعاون كبيرا بين البلدين الصديقين، لكن هل يجب أن نكتفي بهذا المشروع ونترك المجالات الأخرى؟
الإجابة بكل ثقة «لا بالطبع» لأننا في أشد الحاجة إلى استلهام تجربة تركيا القوية اقتصاديا التي قامت على أكتاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، تركيا التي أصبحت مُصدرًا ذا ثقة للسلع الاستهلاكية ذات الجودة العالية، وهي الآن من أكبر منتجي أوروبا لأجهزة التلفزيون، والمركبات التجارية الخفيفة، كما تُعد تركيا ثامن أكبر منتج للمواد الغذائية في العالم والوجهه السياحية السادسة الأكثر شعبية. كما أن 43 شركة من أكبر 250 شركة إنشاءات عالمية تركيَّة... وقبل 10 سنوات تدهورت صناعة الغزل والنسيج بشدة، أما الآن فقد أصبحت صناعة متطورة وتصدر سلعًا ذات جودة أعلى إلى أوروبا.
ولعل من أبرز ملامح «الحقبة الأردوغانية» هو الارتفاع الطاغي للصادرات التي بلغت 325 في المئة في السنوات العشر الأولى من 2002 حتى 2012، وبين عامي 2002 و2007 نما الاقتصاد التركي بمعدل 6.8 في المئة سنويًا، ثم خفت النمو قليلا ولكنه تواصل بنسب تتراوح بين 4 و 3.5 في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة... وواصل دخل الفرد ارتفاعه، وإن كان بمعدلات طفيفة خلال السنوات الأربع الماضية، كما انخفض مُعدَّل الصادرات، وكان متوسط مُعدَّل التضخم فوق المستوى المستهدف للبنك المركزيّ، ولكن الاقتصاد التركي مواصل في طريقه الوعر على رغم كل العقبات التي يحاول البعض وضعها في طريقه.
وتعتمد تركيا اليوم ببنيات اقتصادية واجتماعية وثقافية قوية، تمنح قاعدة صلبة ومستدامة لمشروع رفاهية ونهضة قومي، بغض النظر عن الطبيعة الإيديولوجية للحكومة القائمة.
لذا فنحن أمام تجربة اقتصادية مهمة وناجحة، ويجب أن يتم الاستفادة منها بشكل عملي وفعال، وأن يكون هناك تركيز على دور المؤسسات الصغيرة في هذا التواصل الذي يلقى رعاية سياسية وتقاربا غير مسبوق بين القيادة في البلدين.
وأتمنى أن يتم خلال هذا التواصل الاقتصادي بين الجانبين التركيز على النماذج المشرفة العملية من رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة الذين يسعون للعمل الجاد الفعال.
إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"العدد 5279 - السبت 18 فبراير 2017م الموافق 21 جمادى الأولى 1438هـ
أهم شيء هو إلغاء تأشيرة إلى تركيا هذا سيشجع كثر لسفر إلى تركيا خاصتا اسطنبول /بورصة و ترابزون
أحسنت ولد سلوم، لكن باعتقادي هناك دول أكبر وأفضل لتنوع الاستثمارات لديها مثل الصين
اردغان ما كان كما كان , زار أفغانستان وبعد زيارته ظهرت داعش . عشرات الآلاف من السجناء على خلفيه محاوله الانقلاب , تدهور الاقتصاد التركي بعد ما كان زاهرا , مثله كمثل دوده القز . أزمته مع العراق وحتلاله أجزاء من العراق دخوله في الأراضي السوريه . يا انته ما تشوف لو احنا عميان .