يبدو الأمر كحبكة فيلم إثارة سيئ، يجلس الملياردير الصيني مع حاشيته من حارسات الأمن في شقته في فور سيزونز، هونغ كونغ، في الساعات الأولى من عشية العام الجديد الصيني. ولا يوظف النساء لحمايته فقط، بل لمسح العرق من على حاجبه وظهره أيضا ، وفق ما قالت صحيفة القبس الكويتية اليوم السبت (18 فبراير/ شباط 2017).
فجأة، يظهر نصف دزينة من رجال الأمن العام من البر الرئيسي للصين ويطيحون بحارسات الأمن الشخصي، ويدفعون الملياردير دفعا خارج الفندق الفاخر ويرسلونه عبر الحدود لمواجهة غضب الحزب الشيوعي.
ما سبق ليس سيناريو عن الشخصية الشهيرة كونغ فو. فالملياردير هو شياو جيان هوا، واحد من أكثر الرجال في الصين الذين يتمتعون بعلاقات واسعة مع السياسيين والأثرياء، واختطافه من قلب الحي المالي في هونغ كونغ الجمعة الماضي هز المدينة في صميمها.
عندما سلمت بريطانيا المستعمرة السابقة الى الصين في عام 1997، ضمنت بكين لهونغ كونغ «درجة عالية من الحكم الذاتي» لمدة 50 عاما وتركت المحاكم المستقلة والصحافة الحرة والبيروقراطية الفعالة فيها دون أن تمس تقريبا.
واحدة من القواعد الأساسية للترتيب هو أنه لا يسمح لأي وكالة إنفاذ للقانون من خارج هونغ كونغ، بما في ذلك البر الرئيسي للصين، العمل داخل أراضي هونغ كونغ. لكن هذا الخرق الجديد للقانون في هونغ كونغ الذي جاء بعد ما يزيد عن العام قليلا بعد أن خطف عملاء صينيون خمسة باعة للكتب من هونغ كونغ لنشرهم كتب محرجة عن الحياة الخاصة للقادة الصينيين، يمثل ضربة قاسية لمصداقية المدينة.
فإما أن الحكومة والأجهزة الأمنية في هونغ كونغ متواطئة في خطف شياو أو أنها كانت متهاونة في السماح بحدوث ذلك تحت بصرهم.
وضع هونغ كونغ كمركز مالي عالمي تضرر الآن أكثر حتى مما كان عليه عندما فقد باعة الكتب. في تلك الحالة، رجال الأعمال الدوليين والمصرفيين والصحافيين ربما يعزون أنفسهم بحقيقة أنهم كانوا ناشرين غير ذي شأن يتكسبون على إشاعات غير مؤكدة عن السياسيين الصينيين.
لكن شياو الذي تبلغ ثروته 6 مليارات دولار وتشمل علاقاته السياسية علاقات وثيقة مع ثلاثة على الأقل من أبناء قادة الحزب الشيوعي. كان قد اشترى في مرحلة ما شركة من شقيقة الرئيس الصيني شي غين بينغ.
وسبق أن تم اعتقال كبار المسئولين التنفيذيين في العديد من الشركات الغربية، بما في ذلك شركة غلاكسو سميث كلاين وريو تينتو وكراون كازينو، في الصين في السنوات الأخيرة بتهم غالبا ما تكون مريبة وملتبسة تهدف بشكل واضح إلى الضغط على الشركات وأن تجعل منها عبرة للشركات الأخرى في المجال نفسه.
حتى الآن، كان ينظر إلى هونغ كونغ باعتبارها ملاذا من تعسف الشرطة والإجراءات القضائية. لكن الشركات العالمية لا بد وأن تعيد النظر في هذا الأمر في أعقاب اختفاء شياو. حتى داخل الصين نفسها، اختطافه سيبعث برسالة تقشعر لها الأبدان لعتاة الأثرياء، الذين يعتقدون أن شي يشن حربا ضدهم. كما سيسرع هذا الأمر من وتيرة هروب رؤوس الأموال.
قبل عدة سنوات على تولي دونالد ترامب رئاسة أميركا، أطلق شي حملة «شعبوية ذات خصائص صينية» تستهدف المسئولين الفاسدين وطبقة المليارديرات التي تختبىء وراء اللينينية الملتوية.
قدم شي نفسه، وهو نجل مسئول حزبي كبير، على أنه من أبناء قادة الحزب من ذوي الياقات الزرقاء، وقد وجدت حربه على الأثرياء صدى جيدا لدى الجماهير . ويبدو أن شياو كان يعلم مسبقا بالخطر المحتمل الذي يواجهه.
حل شياو العام الماضي في المركز 32 كأغنى أغنياء الصين في قائمة الأثرياء السنوية البارزة، التي يشير اليها البعض بـ «قائمة الموت» بسبب عدد الأثرياء المدرجين فيها الذين انتهى بهم الأمر في السجن. (يقول معدو قائمة الأثرياء تلك إنهم في البداية وجدوا، وفق حساباتهم، أن شياو كان أغنى شخص في الصين لكنه رد بشدة بالقول إنه أكثر فقرا مما يبدو).
من غير الواضح تماما لماذا اختطف شياو من هونغ كونغ في مثل هذه العملية الجريئة. ومن الممكن أن يعود الى الظهور في غضون أيام قليلة، ويدعي أن ما حدث كان مجرد سوء تفاهم. لكن ليس هناك شك في أن هذه الحادثة قد أرسلت رسالة مفادها أن لا أحد في مأمن من الذراع الطويلة للدولة الصينية.
بعض الذين يعرفون شياو يعتقدون أن اختطافه بمنزلة تحذير موجه إلى واحدة من الفصائل السياسية التي كان مقربا منها أو أنه يعرف الكثير عن التعاملات التجارية لكبار القادة الصينيين. ويعتقد آخرون أن الحزب قد يحاول تأميم ملكياته الكبيرة في المؤسسات المالية الكبرى.
وكما وصف أحد الأشخاص المطلعين هذه القضية قائلا «معظم مليارديرات الصين مثل الأوز ، يحصلون على الدهون من علاقاتهم السياسية والعلاقات الوثيقة مع قادة الحزب، لكن في مرحلة ما يقرر الامبراطور أنه يريد أن يأكل كبد الأوز .»