ذكرنا في الحلقة السابقة أنه تم التنقيب في خمسة مواقع أثرية إسلامية أساسية توجد حول مسجد الخميس وفي محيط البلاد القديم، وأظهرت النتائج أن من بين تلك المواقع الخمسة، يوجد موقعان أساسيان تتركّز فيهما آثار الفترة الإسلامية المبكّرة بصورة أساسية، وهي، موقع عين أبوزيدان، وموقع تل الحسن والذي يقع 100 متر شمال شرق عين أبوزيدان. أما المواقع الثلاثة الأخرى فإن الِّلقى الآثارية التي تم العثور عليها فيها فهي تعود إلى الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر الميلاديين، مع بعض اللقى البسيطة التي تعود إلى القرن الثامن الميلادي. وبالتالي، فإنه من المرجّح عدم وجود تتابع للاستيطان في هذه المواقع الثلاثة، بل إن هناك إعادة استيطان لها في قرابة القرن الحادي عشر الميلادي بعد أن هجرت في مطلع القرن التاسع الميلادي.
وبالمقابل، فإنه من المرجّح أن يكون هناك تتابع في الاستيطان في كلا الموقعين تل الحسن وعين أبو زيدان لعدم وجود انقطاع في التتابع الزمني للقى الآثارية التي تم العثور عليها فيها والتي تعود إلى الفترة ما بين القرنين الثامن والرابع عشر الميلاديين. وهذا يعني، أن الاستيطان أنتشر في كل تلك المناطق الخمس، وما حولها، وذلك في القرن الثامن الميلادي. وربما انتشر الاستيطان داخل المناطق المجاورة كجد حفص والمُصلّى وجبلة حبشي، هذا وقد عثر في العام 2002 م في أحد المواقع الأثرية في جبلة حبشي على عملة عباسية مصنوعة من البرونز (Al-Sulaiti 2005, p. 121)، ربما تعود إلى القرن الثامن الميلادي.
القصر في موقع تل الحسن
ارتبط موقع تل الحسن بالأساطير بسبب وجود مبنى مربع الشكل له جدار سميك، عرفته العامة باسم «قلعة دقيانوس»، ويقصدون بدقيانوس الملك الذي استيقظ في زمانه أهل الكهف. ولا يُعرف بالتحديد حقيقة هذا المبنى، وقد أسفرت نتائج التنقيب في موقع تل الحسن على وجود أساست لمبنى قديم له جدران سميكة، وقد رجّح Insoll أن هذا المبنى ربما كان قلعة في الأساس ثم تحوّل إلى قصر في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وذلك بحسب الفخار السامرائي الذي عثر عليه فيه (Insoll 2005, p. 89)، هذا ويعتبر الفخار السامرائي قرينة على ثراء المنطقة.
يذكر، أنه عثر في كل من عالي وباربار على آثار لمبانٍ ضخمة رجّحت البعثة الدنماركية أنها ربما كانت قصور تعود إلى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين (Frifelt 2001, pp. 33 - 34). وبذلك يمكننا تحديد ثلاث مناطق رئيسية لعبت دوراً مهماً في الفترة الإسلامية المبكّرة هي: عالي وباربار والبلاد القديم. وربما كانت تلك المناطق الثلاث مراكز نشأت حولها سوق مركزية وعدد من القرى الصغيرة التي تحيط بها. ويرى Insoll أنه حتى مع وجود ثلاثة مراكز، لا يمكن أن تكون تلك المراكز مستقلة بذاتها تماماً بل تكون متفاعلة فيما بينها، كما أن قلة المعطيات التاريخية والآثارية المتوافرة حول تلك المناطق لا تمكّننا من تحديد أي تلك المناطق كانت الأكثر أهمية، أو أن أحد تلك المراكز كان المركز الأساسي (Insoll 2005, pp. 100 - 104).
هذا، وهناك معطيات تاريخية تشير إلى وجود شخصيات بارزة ربما سكنت في البلاد القديم، وذلك في نهاية فترة سيطرة القرامطة على البحرين. ففي قرابة العام 929م سيطر القرامطة على البحرين، واستمر حكمهم لها قرابة 140 عاماً؛ أي حتى قرابة العام 1064م (الجنبي 2012، ج4، ص 2257 - 2258). وفي هذه الفترة استمر وجود الجماعات السكّانية في محيط البلاد القديم؛ حيث عثر على لقى آثارية تدل على ذلك في كل من موقع تلك الحسن وموقع عين أبوزيدان carter 2005)، (Insoll et. al. 2016.
كما استمر وجود الجماعات السكّانية في عالي وسار وجنوسان وباربار والدراز، وهناك ترجيحات بظهور منطقة استيطان جديدة في قرابة القرن الحادي عشر الميلادي وذلك في موقع رأس القلعة حيث تم بناء الحصن الإسلامي (أو الهلنستي) الصغير (Frifelt 2001, p. 35). هذا، ولا نعلم بالتحديد أين تركّزت قيادات القرامطة في البحرين، إلا أن هناك بعض الرجال من ذوي الأهمية البارزة ربما سكنوا في البلاد القديم، وبالتحديد بالقرب من عين أبو زيدان، من مثل أبوالقاسم بن أبو العريان وهو أحد رجالات عبدالقيس والذي كان متقدّماً في أوال ومن ذوي العشائر والأصحاب.
عين أبوزيدان وقصة أبي العريان
ورد ذكر أبي العريان في مخطوط ديوان ابن مقرَّب العيوني ضمن قصة سيطرة أبوالبهلول على جزيرة أوال (الجنبي 2012، ج 4، ص 2241 - 2244). القصة باختصار، عندما تمكّن أبوالبهلول من إحكام سيطرته على ناظر القرامطة في جزيرة أوال، ابن عرهم، وحدث نوع من التخاذل بين أبو البهلول وأبن عرهم وذلك في التكاسل لدفع الأموال للقرامطة، فعزل القرامطة ابن عرهم وولوا غيره وأمروه بالقبض على أبوالبهلول وأصحابه، فاستجار أبوالبهلول وأصحابه بأبي العريان، وكان المطلوب الامتناع عن إعطاء الخراج للقرامطة حتى عودة الناظر السابق للقرامطة ابن عرهم.
فعمد القرامطة إلى الحيلة، فراسلوا أبي العريان ووعدوه بالعطاء وأن يولى جزيرة أوال وذلك مقابل مساعدتهم في القضاء على أبو البهلول، وأنهم سيرسلون جيشاً ليقبضوا على أبو البهلول وأعوانه. لكن أبوالبهلول فطن للمكيدة، وتربّص بأبي العريان حتى قتله وهو يغتسل مع غلامه في عين أبوزيدان.
الخلاصة، أن نتائج التنقيب في موقع تل الحسن تشير إلى وجود تجّار عاشوا في هذه المنطقة منذ القرن التاسع الميلادي، وأنه ربما نشأ مركز حيوي مهم في المنطقة المحيطة بهذا الموقع. ويساند هذه الترجيحات وجود روايات تاريخية تؤكد وجود شخصيات مهمة عاشت في هذه المنطقة في القرن الحادي عشر الميلادي. هذا وقد تم العثور في المواقع الأثرية المجاورة على أدلة آثارية ترجّح وجود مسجد مهم بني بالقرب من هذه المنطقة قرابة القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في الحلقة المقبلة.
الملك دقديانوس هو من اراد ان يقتل الفتية فهربوا الى الكهف وكان من عبدة الاصنام وعندما استيقضوا بعد اكثر من ٣٠٠ عام كان الملك مسيحيا