العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ

تعالوا نتعلم من لبنان

نادر الملاح comments [at] alwasatnews.com

لبنان... هذه الأرض العربية التي طالما تعلمنا منها الدروس، وطالما أخذنا منها العبر والحكم... وليس هذا محض تاريخ وإنما ديدن تلك الأرض وذلك الشعب حتى يومنا هذا، كما أن هذا ليس من قبيل الدعاية أو المجاملة، هذا هو الواقع.

فلم تمض سوى أيام قلائل عن ذلك الحدث العظيم الذي اهتزت له الأرض اللبنانية فرحا، عندما تقدم هرم سلطتها وجميع مسئوليها بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم سائرين في درب واحد، ومتحركين بخطى ثابتة لتوجيه صفعة لبنانية جديدة على الخد الاسرائيلي الذي لايزال متورما من أثر اللطمة الأخيرة التي تلقاها قبل عامين تقريبا.

وعلى رغم ضخامة بنية هذا العدو، وكثرة أذرعه، وطول مخالبه، لم نر لبنان مترددا وهو يسير نحو عدوه اللدود كي يمضي في تنفيذ قراره الذي اتخذه من واقع ممارسة الحق المشروع. لم نر نحن مشاعر التردد التي رآها البعض من ذوي النفوس الضعيفة التي اعتادت على الخنوع والخضوع لهيمنة أضعف عدو يقف أمامها، فكيف بعدو تسنده أعتى القوى العـظمى في عالم اليوم.

قد ينظر البعض باستخفاف إلى ما جرى من احتفال مهيب صباح السادس عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2002 على الأرض اللبنانية. وقد يسمي البعض الآخر تلك الاحتفالات بالبهرجة. وان ما جرى على الأرض اللبنانية من افتتاح محطة لضخ المياه لا يستحق كل ما جرى، في حين نراه استكمالا لمشوار التحرير... هؤلاء رأوها كذلك لأن رؤوسهم لم تتعد أقدامهم لما يعيشونه من تقوقع وخضوع، بينما رأينا ما هو أبعد من ذلك لأننا اخترنا أن نرفع رؤوسنا فننظر إلى الامام.

مايو/ آيار 2002، ثم أكتوبر 2002، تاريخان عار على من يدعي العروبة الصادقة أن ينساهما أو يتناساهما . الأول منهما تاريخ تحرير الأرض، والآخر تاريخ تحرير الماء.

وكما كانت لطمة آيار 2000 على الخد الاسرائيلي مؤلمة لا يمكن للعنجهية الصهيونية أن تنساها، كانت اللطمة الأخرى... فتحرير الأرض نظرت إليه إسرائيل على أنه شهامة من جانبها إذ أنها - كما تزعم - انسحبت بملء رغبتها ودونما إجبار، على رغم علمها اليقيني أن خروجها ما كان إلا اندحارا وهزيمة، إذ كان خيارا لا مفر منه... إلا أنها امام تحرير الماء لم تجد حتى الآن ما يمكن أن تستر به عريها، ذلك أن محطة الوزاني إنما كانت تحديا صارخا من الإرادة اللبنانية الجماعية للارادتين الصهيونية والأميركية.

فعلى رغم تهديد الكيان الصهيوني بقصف محطة الوزاني إذا ما أقدمت لبنان على فتحها على غرار ما قام به هذا الكيان العام 1965 عندما قصف طيرانه الحربي مشروع تحويل مياه الحاصباني الذي كانت تموله الجامعة العربية، فإنه وقف عاجزا وهو يرى لبنان يمسك بمقصه ليقطع الشريط... ليس شريط افتتاح محطة الوزاني، وإنما شريط الغرور الاسرائيلي، لاسيما بعد نبرة الثقة التي تميزت بها كلمات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عشية ذلك الحدث، إذ كان يؤكد أن رد المقاومة اللبنانية على أي قصف إسرائيلي لن يستغرق أكثر من بضع دقائق، ثم يستدرك ليجعلها ثانيتين فقط لاجراء الاتصال اللازم بين أفراد المقاومة الباسلة.

كذلك هي الحال بالنسبة إلى كلمات وزير الاعلام اللبناني غازي العريضي التي أكد فيها المبدأ الذي تبناه لبنان فقال: «ليس ثمة نزاع بين لبنان وإسرائيل حول نهر الوزاني، هناك حق للبنان يمارسه على أرضه»... وهكذا كانت بقية الكلمات التي صعقت الأذن الاسرائيلية وأوقدت شموع ذلك العرس اللبناني.

والأمر المهم هنا هو أن تحرير الماء ما كان ليتم لولا تحرير الأرض أولا... ولكن يبقى السؤال: ما الذي ادى إلى تحرير الأرض؟

تحرير الأرض، ومن بعده تحرير الماء، ما كانا ليتما قبل تحرير آخر، يعتبر القاعدة الاساسية التي مهدت إلى هذين التحريرين، وعملت على ضمان الحفاظ على هذه المكتسبات، هذا التحرير هو تحرير الجو.

أجل، لم يكن للبنان أن يحرر لا أرضه ولا ماءه لو لم يحرر أجواءه أولا... ليس من الطائرات والصواريخ الاسرائيلية بالطبع وإنما مما هو أخطر من ذلك بكثير، ألا وهو تلك الغمامة الداكنة التي كانت تلبد جوه وتجعله فريسة سهلة، إنها غمامة الطائفية البغيضة.

لقد تمكن لبنان وهو البلد الذي فقد الكثير من أبنائه ودمر اقتصاده بيديه أكثر مما دمره العدو، تمكن من تبديد تلك الغيوم بعد أن أدرك أن فيها مكمن ضعفه، فهب ليضع تلك الحقبة المأسوية في سطور التاريخ وليفتح لنفسه صفحة جديدة يصنع فيها تاريخه الحديث.

ولما كانت الإرادة حقيقية وقوية لدى كل الأطراف تحرر الجو اللبناني، فكان من الطبيعي أن تتحرر الأرض اللبنانية، لتشهد معنا تحرير المياه اللبنانية.

هذا الدرس الذي قدمه إلينا لبنان من دون أن يطلب عليه أجرا، من حقه علينا الا نغفله أو نهمله، إذ دفع في إعداده ومازال يدفع الكثير... فما لنا لا نعيره ما يليق بقدره؟ أم ترانا اعتدنا الدروس الخصوصية التي تكلفنا أكثر مما تحقق لنا من منافع، في حين أن الدروس المجانية متوافرة وكل ما تحتاجه منا هو التفكير فيها بعمق وتركيز.

ما لنا نرفض هدية الشقيق اللبناني التي دفع ثمنها غاليا ظنا منا أننا نفعل الصواب؟

سؤال اتركه امانة بين يدي الجميع: لماذا ونحن نعيش حقبة الاصلاح، مازلنا نستعمل عكاز الطائفية المعطوب، نتوكأ عليه ظنا منا أنه سيوصلنا إلى مبتغانا؟

العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً