العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ

هل يصبح البرلمان وجها آخر لغرفة تجارة البحرين؟

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

بقدر ما يكون للثقافة دور في معرفة الإنسان للواقع وما يعيش من تناقض بقدر ما تزيد صاحبها همّا وحزنا خصوصا إذا تراكمت أمام عينيه ملفات متنوعة يائسة تحمل في أحشائها أرقاما مهولة، وأسماء مؤسسات اصطبغت بالنور الكاذب والفساد المغلف في واقع أصبح كل شيء فيه مطليا بما فيه الطلاء ذاته. بعض وزارة تبتسم أمام عينيك صباحا على واجهات الصحافة وفي قص شريط المؤتمرات وتعبس في وجهك ليلا بالمحسوبيات التي هدمت الإبداع البحريني وجعلته يائسا ينام في العراء.

أنْ تعقد تشكيلات جديدة لوزاراتنا شيء جميل ولكن ما الفائدة أن نستبدل الوزير ونبقي الأطقم الفاسدة التي جثمت وبقت سنين تعيش على حساب الموازنة العامة وتبعد كل مواطن جديد يقوده الحظ للاقتراب من أي منصب إداري. وأحيانا يكون الوزير مؤهلا بيد أن من هم تحت الوزير نما عودهم على الفساد وهكذا هي صورة مختلفة. هذه الطبقة العازلة التي تحول دون وصول آلام الناس وقضاياهم إلى أصحاب القرار السياسي الأعلى هي الطبقة التي تحتاج أيضا إلى استبدال حتى نكمل بعض مراحل الشفافية.

إن هذه الطبقة العازلة الجاثمة على قلب بعض وزاراتنا هي السبب الأساسي لعدم معرفة حقائق الأمور وهي التي تمارس دور البطل في إبقاء الشللية لإدارات مؤسساتنا الوطنية. وهؤلاء يمارسون فلسفة الترغيب والترهيب بطريقة تعسفية تجعل جل الموظفين يخشون من ذكر أسمائهم في الصحافة خوفا على أرزاقهم، بل هناك توجه لدى بعض الوزارات وما أكثرها، بل تحذير لكل من يحاول إيصال معلومة أو شكاية للصحافة وماذا يفعل هذا الموظف المسكين وهو مقتنع بمقولة المثل العربي «قطع الاعناق ولا قطع الأرزاق».

هذه (الطبقة العازلة) لا يمكن أبدا ـ وفي غياب الرقابة ولجان التفتيش ـ أن توضح حقيقة الصورة وما يجري. هذه كنباتات الفطر لا تعيش إلا على الأنقاض والخرائب والمناقصات المشتركة، والعمولات الدائمة و(ارفعني أرفعك واتستر عليّ أتستر عليك نحن وما بعدنا الطوفان!!).

لا يحدث أي تغيير مادامت أسباب الأزمة باقية حتى وإن لُوّنت واجهتها بالأصباغ الجميلة. هذه حقيقة وصل إليها علماء السوسيولوجيا (علماء الاجتماع)... إن الأزمات تنتهي بانتهاء أسبابها. أما بالتغيير الظاهري فإنك تجعلها نائمة حتى إشعار آخر وهذا هو واقع بعض ملفاتنا العالقة ابتداء من التجنيس البغيض إلى ملف البطالة الذي يذهب ضحية تورمومتر الأرقام والنسب التي تنظر إليها وكأنك في مزاد علني. والجميل في ذلك أن المواطن العاطل إذا عرضت عليه ثلاث وظائف ولو كانت براتب 80 دينارا صباحا ـ ليلا ويرفضها يُعَدُّ في معيارية الوزارة أنه ليس عاطلا وهنا تنخفض النسبة حتى تصبح نكتة سياسية اسمها 11 ألف عاطل فقط، ولا أعلم لربما وصلت اليوم إلى 2000 عاطل، لأن بعض العاطلين أصبحوا في المستشفى النفسي وهي فرصة أيضا لأن يقل العدد، فنجده مبتسما (العدد) على واجهة صفحات الصحف. مشكلتنا في عالمنا الشرقي أننا نقنع أنفسنا حتى بالأوهام ولو تحولت إلى ألغام.

ولعل هذه الأيام تصبح هناك نكتة تتداول بين العاطلين أن من كان يعمل على توظيفهم وإرشادهم إلى أماكن العمل من الطاقم التوظيفي سيصبحون عاطلين. مشكلتهم أنهم خدموا الوزارة لمدة ما يقرب العامين وأُقنعوا بقبول العقد المؤقت على أن يتم تثبيتهم إلا أن الخطة للحفاظ على (الموازنة) (.....) تقتضي إخراجهم وطرد العشرات من البحرينيين في العراء تماما كما طرد المواطنون من بعض شركاتنا العملاقة وبعض المصانع، وكما هو الكثير من المهددين بالتسريح في إحدى شركاتنا اللاسلكية أو اللاسلوكية!! البعض من هؤلاء أصبح يحدث نفسه بحل ربما يكون رومانسيا لكنه قد يكون حلا مناسبا لتأهيله اقتصاديا وسياسيا، أن يخرج إلى الخارج على أن يقدم طلب تجنيس فلربما يوفق إلى ذلك أو إلى مقعد في البرلمان فيحظى في نهاية المطاف بامتيازات تفوق المواطن الحقيقي، فالمجنَّس أصبح أفضل حالا من المواطن والكرم وصل إلى البرلمان!

بالأمس كان القانون ممسحة ينظف بها بعض المتنفذين أحذيتهم، اليوم رُقِّيَ القانون فأصبح نديما من ندماء الخمس نجوم في برلماننا الحالي وحتى لا أظلم كل النواب الفائزين أقول إن برلماننا الحالي أصبح يقوده مجموعة من الفائزين في (يانصيب) الانتخابات، خصوصا أنه أصبح في اعتقاد بعض (مثقفينا) الجدد في برلماننا (العريق الذي سيصبح يناسب الدول العريقة في الديمقراطية)، أصبح في اعتقاد بعض هؤلاء أن «شكسبير» ماركة سيارات. أنا أتفق تماما مع الصحافية عصمت الموسوي على أن أكثر ليس بعض النواب الفائزين بحاجة إلى ورش تدريب لمعرفة التعاطي مع الصحافة والإعلام... والأيام المقبلة ستشهد مشاهد بقدر ما هي مضحكة فهي مأسوية لأداء أكثر النواب. وهل صحيح أن البرلمان أصبح أشبه بغرفة تجارة البحرين؟

نحن لسنا بحاجة إلى نواب «البزنس» والعقارات، بل إن هؤلاء (طبقة التجار) هم أساس أزمة الطبقية في المجتمع، فكيف سيتعاطون مع الصحافة العالمية ومع البرلمانات العربية وغيرها؟ وكيف سيتوازنون في الطرح؟ من السبب في كل ما جرى؟ ولكن السبب الأساسي هو الفردية في اتخاذ القرار وفرض سياسة الأمر الواقع، ومن كل الأطراف وحشر الجميع في الزاوية الضيقة سواء على مستوى السلطة أو القوى السياسية. هناك فردية القرارات الرسمية التي سببت أزمة المجلس. وهناك من راح مهرولا بفردية مطلقة قافزا على جميع الرموز ليضع الجميع أمام سياسة الأمر الواقع الفردية.

إن أكبر مشكلة نعانيها وسنحصد الكثير من مشكلاتها هي النرجسية في اتخاذ القرار وبيع الفقراء أوهام النصر. لست هنا في مقام أن أحدد نحن في نصر وطني أو خسارة وطنية، ولكن في مقام علاج بنسبة فكرية خاطئة تكرست في وعي بعضنا وهو الانفلات في الإجابات الجاهزة والمربكة ذات الإيقاع المرتفع والمأزوم والبعيدة كل البعد عن النهج المؤسسي أو استمزاج حتى رأي الصف الأول من الرموز. وهذه حال يجب علاجها وليس الاستمرار فيها في جميع المنعطفات، هي حال مخيفة تربك الجميع. والاتكاء على الثقل النضالي لا يعطي المبرر الكافي لأن يكون أداؤنا فرديا دائما من دون استمزاج حتى آراء الصف الأول من الرموز الإسلامية والوطنية. قوة الخطاب تكمن في إقناع الطبقة المثقفة الواعية النابعة من نبض الناس وليس الطبقة المغلوب على أمرها.

هذا الارتجال في الخطاب من دون أخذ رأي الرموز الأولى ومن دون تناسبه مع الجمعيات الأربع الوطنية ومن دون مراعاة أن السفينة للجميع لا للفرد والشخص قد يغرق السفينة بأكملها.

مادام هناك جمعيات سياسية وذات وزن سياسي ثقيل، وفيها من الكفاءات العالية التي استطاع رؤساء بعضها أن ينقلوها نحو مواقع جيدة من الاعتدال والتوازن والكفاءة العلمية والإيمانية والقبول الشعبي المتميز، فلماذا لا يكون الخطاب السياسي في أي زاوية؟ لماذا لا يكون ضمن إيقاعها وخصوصا أنها محل توافق شعبي ورسمي، إذ أننا شهدنا مدى الاهتزاز الخطابي ما قبل الانتخابات، فلا يوجد الآن مبرر لتلك الإيقاعات الفردية في مجتمع قائم على المؤسسات. ووجود شخصية كالشيخ علي سلمان تعتبر صمام أمان للحركة الوطنية، فالرجل أثبت جدارته بنقل الخطاب من موقع التأزم إلى موقع الاعتدال، ونحن ـ هنا ـ نبحث عن اعتدال وليس عن خطابات ثورية خصوصا أن الشيخ علي يحظى بقبول لدى كل الأطراف بما فيها الرموز الأولى للتيار الإسلامي. فيجب أن ندعم هذا الاعتدال ونحافظ عليه، فالقضايا تحتاج إلى دقة علمية، وقراءة متأنية للواقع، واقتراب من طبيعة التوازنات السياسية تحتاج إلى لغة دبلوماسية متوازنة، ومقدرة على الحوار، ودقة في انتقاء العبارات السياسية وتوصيف الواقع وليست بحاجة إلى إنشاء، وإذكاء مشاعر.

السياسة فن الممكن وليست تجييش عواطف. وأعتقد أن جمعياتنا السياسية الأربع تمتلك الشخصيات التي تستطيع من خلالها أن تحافظ على توازن الخطاب. لهذا نحن ندعو دائما إلى استمزاج آراء الجمعيات السياسية والرموز الأولى في المجتمع عند اعتماد أي خطاب جديد بدل التفرد في الخطاب، والكلام على لسان هذه الرموز التي حشرناها في زاوية ضيقة ورحنا بعد ذلك نخطب ودها ونستمزج رأيها.

إن من أكبر المشكلات التي نعيشها على مستوى أدائنا أننا نجعل رأي الشاب الصغير ذي الـ 16 عاما والشيخ الكبير ذي الـ 60 عاما في سلة واحدة، هذه مفارقة كرسناها في المجتمع وسنحصد ثمارها في يوم من الأيام. أنا لا أدعو إلى الدكتاتورية الفردية وإنما أدعو إلى الأداء المؤسسي واستمزاج آراء العقول، أما الثقة الزائدة والفردية بالرأي الشخصي فهي مشكلة خطيرة إن أصابت اليوم ونجحت تُوقعك غدا في أكبر مأزق، وأظن أن درس الشيخ صبحي الطفيلي وتفرده بثورة الجياع درس تاريخي حديث يجب أخذه بعين الاعتبار بسلبياته وإيجابياته.

ليس المطلوب من الإنسان أن يصيب في كل خطواته ومواقفه، فالحياة قائمة على الاجتهاد، ولكن المطلوب منه ألا يتفرد بموقفه. فالدول الكبرى على رغم إمكاناتها العالية فإنها تمتلك مستشارين ولجان عمل وأقسام جمع معلومات، و... حتى تصل إلى الموقف الصائب، وقد تخطئ. لهذا، أنا أدعو إلى الفكر المؤسسي المتوازن العلمي الناضج لا الفكر المربك حتى لذات الجماعة الواحدة. لقد آن الأوان لترسيخ الفكر المتوازن المعتدل المؤسسي ويجب أن يأخذ نصيبه من الوجود حتى لا نبيع الناس أوهام النصر فنبكي على اللبن المسكوب، وإن كان متخثرا وآسنا ونذهب فرحين بـ «أم المعارك».

لست في مقام جلد الماضي أو إعطاء صك الغفران لأي تجربة، ولن أدخل في صحة أو خطأ (المقاطعة أو المشاركة) وإنما ما أريد قوله أن سبب هزالة البرلمان الحالي من حيث بعض صلاحيته وهشاشة أكثر نوابه هو راجع إلى سبب واحد وهو تفرد القرار من السلطة التنفيذية ورغبتها في ذلك للابتعاد عن وجع الرأس الذي تكرر في تجربة الكويت، وأعتقد أنها بهذا البرلمان وبأكثر هؤلاء النواب ستنام ليالي ملاح على وسادةٍ رقابية من ريش النعام، ولكنها في حقيقة الأمر ـ كما يشهد بذلك المراقبون ـ لم تعالج الأسباب الأساسية لأزمة مجتمعية حادة، وأصبحت في ظل هذا البرلمان القائم على رجال الأعمال أشبه بمن دعا المتخاصمين إلى وليمة عشاء للصلح، لكن الذي حدث لم يأتِ المتخاصمون (إذا لم تحل القضية) فكان العشاء من نصيب من دعوا على هامش الدعوة فخسر الداعي ثمن الوليمة وبقت الأزمة وأسبابها. وأما الفردية الخطيرة في القرار على المستوى الآخر فهي أن الرموز الأولى هم آخر من سئل عن رأيهم عما حدث وعن الموقف تجاه ما جرى للوليمة وبعد كل ذلك نقول: تهانينا للجميع فقد أضيف برلمان جديد إلى برلماناتنا العربية، كما زادت في الأسواق (نسخة البخاري) حين كررت النسخة ذاتها من دون تغيّر في المضمون، ولن تكون آخر قارورة برلمانية يهددها النقد.

ختاما أقول: رأي الشيخ ولا جلَد الغلام، خصوصا إذا كان الشيخ ابن الـ 60 عاما من التجربة

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً