العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ

تركيا في أزمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

جرت الأحد الماضي الانتخابات التركية. وهي الدورة الـ 14 منذ اعتمادها التعددية الحزبية منذ العام 1946. وخلال الفترة التي امتدت أكثر من نصف قرن شهدت تركيا ثلاثة انقلابات عسكرية كبيرة إضافة إلى مجموعة انقلابات صغيرة تدخل فيها المجلس العسكري الحاكم اما لتصحيح وضع قائم (أعمال عنف واغتيالات واضطرابات أهلية) واما لضبط سياسة الدولة «العلمانية» حين يلوح الأفق بعودة الإسلاميين إلى الحكم أو لطردهم من الدولة كما حصل مرارا آخرها كان اجبار رئيس الحكومة الإسلامي نجم الدين اربكان على الاستقالة.

تركيا في أزمة. وأزمتها ليست ناتجة عن قلة ديمقراطيتها بل عن ضياع هويتها. فهي دولة إسلامية (60 مليون نسمة) كانت عاصمة الخلافة (السلطنة) لمدة 400 سنة ثم غادرت تاريخها العثماني بانقلاب عسكري في مطلع القرن العشرين وهي لاتزال منذ تلك اللحظة تتأرجح بين هوية موروثة أصيلة ومحاولة اصطناع «هوية» أوروبية لم تلقَ الترحيب المطلوب من الاتحاد الأوروبي.

تركيا في أزمة. وأزمتها ليست ناتجة عن قلة خياراتها السياسية بل عن إصرار مجلسها العسكري على فرض تحالفات فوقية على الشعب المسلم مرة باجباره على ترك لغته العثمانية وعاداته وتقاليده ومسخ هويته ومرات على دخول مغامرات عسكرية ضد جيرانه العرب بالتحالف مع الحلف الأطلسي (الناتو) دائما أو بالتعاون العسكري - الاقتصادي مع دولة استيطانية - عنصرية تسمى «إسرائيل».

تركيا في أزمة. وأزمتها ليست ناتجة عن قلة امكاناتها بل عن إصرار مجلسها العسكري على هدر ثرواتها عن طريق سياسة الانفاق المتهور على الجيش أو اعتماد اصلاحات باهظة الكلفة ترهق الاقتصاد وتضعف العملة الوطنية.

تركيا في أزمة. وأزمتها ليست ناتجة عن ضعف مكانتها الجغرافية - السياسية بل عن اهمالها هذا الموقع الاستراتيجي وتفضيلها سياسة اللجوء إلى هوية لا تنسجم مع تاريخها.

سياسة اللجوء الدائم إلى هوية مصطنعة شطر تركيا إلى نصفين: الحديث والقديم، الحداثي والعثماني، الأوروبي والآسيوي، العلماني والإسلامي، المتطرف والمعتدل.

المتطرف دائما كان المجلس العسكري الحاكم، والإسلامي اتخذ جانب الاعتدال. والاعتدال السياسي المنسجم مع هوية الناس وتراثهم كان يزيد من شعبية الإسلاميين ويرفعهم من خلال الانتخابات إلى سدة الحكم بينما كان تطرف المجلس العسكري يدفع جنرالات الجيش إلى الانقلاب على نتائج الانتخابات ويحيل الرموز الإسلامية إلى المحاكم والسجون.

المرة الأخيرة كانت مع الزعيم المسلم نجم الدين اربكان وساعده الأيمن رئيس بلدية اسطنبول السابق رجب طيب اردوغان. في فترتهما شهدت تركيا أفضل الأوقات. فاربكان بذل جهوده لتحسين علاقاته مع جيرانه العرب وإيران طارحا فكرة السوق الإسلامية المشتركة ردا على السوق الأوروبية المشتركة. واردوغان جعل من اسطنبول «لؤلؤة» بفضل الاصلاحات والتحديثات ومحاربته الفساد والانتهازية والوصولية.

ضاق المجلس العسكري الحاكم ذرعا وتخوف من انجازات اربكان على مستوى الدولة واصلاحات اردوغان على مستوى بلدية اسطنبول... فكان الانقلاب الصامت الذي أعاد تركيا من جديد إلى أزمة البحث عن مخرج سياسي لموقعها الجغرافي وهويتها التاريخية.

نجح الانقلاب ووُضع اربكان واردوغان في السجن وحُرما من تعاطي السياسية أو الترشح للانتخابات. نجح الانقلاب وفشل الانقلابيون في إيجاد صيغة حل من خارج دائرة الإسلاميين.

الآن عاد الإسلاميون إلى الحكم وعن طريق الانتخابات ومن دون اربكان واردوغان. فالمريد تمرد على الشيخ. وخاض كل منهما معركته ضد الآخر. وفاز حزب المريد (العدالة) على حزب الشيخ (السعادة) واتهم الثاني (اربكان) الأول (اردوغان) بالتعامل مع الولايات المتحدة.

فاز حزب المريد (العدالة) وبقي السؤال: سؤال الهوية. هل يستطيع اردوغان إدارة حزبه من خارج البرلمان؟ وماذا عن التحالف مع «إسرائيل» وصفقات التسلح وتحديث الدبابات وقطع المياه (دجلة والفرات) عن سورية والعراق؟ وماذا عن التهمة التي الصقها الشيخ بالمريد (التعامل مع واشنطن)؟

إذا كانت التهمة صحيحة فإن فوز حزب العدالة له صلة بالتطورات الخطيرة التي ستشهدها المنطقة وعلى رأسها الحرب على العراق. فهل أميركا تريد خوض الحرب مستفيدة من جغرافية تركيا والغطاء الإسلامي لدولتها أم انها تريد تحييد انقرة بعد ان أعلنت حكومتها السابقة عن مطامحها واطماعها في العراق؟ أسئلة تنتظر أجوبة.

وأهم الأجوبة ان تركيا لاتزال في أزمة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً