العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ

وجاء رمضان

وجاء شهر رمضان مبتسما كعادته، حاملا معه فانوس العبادة، وسجادة الصلاة، ومسبحة التسبيح، ليضفي بظلاله بعض نفحاته الإيمانية في عالم اكتظ بالمادية وبقيمته المالية، وهو يعلو على قيمة الإنسان.

وكانت جمالية الأحاديث في جمالية معانيها ومضامينها وهي توصف شهر الله بوصف ملائكي طاهر، تحلق فيه حمائم التوبة، وطهارة الروح، ونقاوة النفس عندما تصبح وشاحا شفافا يضفي على الروح طعما رمضانيا، ومذاقا إلهيا وحلاوة لا يتذوقها إلا المتبتلون الذين رأوا العبادة طريقا للتخلص من عبودية الإنسان، ومسلكا نحو الهيام الخالص للمعبود.

وها هي النفحات الإيمانية تعتلي على ضفاف قلوب العاشقين كرذاذ يبلّ تصحر أرض يبست إيمانا، فأثمدت نبتا صحراويا... تلك النفحات «العدوية» من «أحبك حبين... حب الهوى وحب لأنك أهلٌ لذاك».

وتأتي الأحاديث منسابة رقراقة لتصور لنا الشهر الكريم، شهر الله بما يحمل من صورة موشاة متسقة بكل ألوان الطيف الجميل «حيث النوم فيه عبادة، والصمت فيه تسبيح، والدعاء فيه مستجاب، والعمل فيه مضاعف، وأن للصائم فيه دعوة لا تُردّ...»، «إنها أيامٌ تسبّح فيها الأعضاء، تصلي عليك الملائكة، وتستغفر لك، يطعمك الله من طعام الجنة، ويسقيك من شرابها، وأن للصائم فرحتين، فرحة عند الإفطار، وفرحة عند لقاء ربه».

فالنوم فيه عبادة عندما يكون النوم مرحلة الاسترخاء للتزود بالطاقة والعافية للانطلاق بعد ذلك لخدمة المجتمع وخدمة الإنسان على قاعدة «الخلق عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله»، النوم طريق اليقظة لتسلم منصب الخلافة على الأرض وتحقيق شرع الله ترسيخا لآية التمكين «الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة...» (الحج: 41)، وتمكين الصلاة يعني تمكين الحرية ومبادئ الحرية والحقوق الإنسانية المثلى، وإزالة كل الأغلال - وإن كانت ذهبية - من أعناق بني البشر.

والمكنة هنا تعني الإمساك بكل زمام القوة «من قوة ورباط الخيل» (الأنفال: 60)، قوة في الاقتصاد، وقوة في السياسة، وقوة في الثقافة، وذلك يعني الإمكان.

والصمت فيه تسبيح، الصمت علامة مضيئة للإنسان السوي عندما ينشغل بعيوبه عن عيوب الناس وعن أخطائه، فلا يكشف عورات المجتمع على قول شعر علي (ع): «فكلك عورات وللناس ألسن»، فقبل أن يزيل أوراق التوت عن الناس، يجب أن يفكر في أخطائه إن كان سرق الناس، أموال العامة، بطش حقوق البشر (فدعّ اليتيم) وقام بالاحتكار وهتك أعراض الجيران، أو سطا على مال فقير أو أرض عريان مسحوق من المعذبين في الأرض... إنه صمت الحكماء، يضفي هيبة قدسية يحيطها التأمل الرحب والنظرة الاستشرافية نحو الحقيقة التي هي (ضالة المؤمن)، وهنا يأتي وصف الأمام علي (أرادتهم الدنيا فلم يريدوها).

هذا الصمت يتحول إلى مخزون ثوري، أو هدوء ما قبل العاصفة، فعليٌّ (ع) يقول: «احذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع»، وما أكثر الكرماء الجوعى، وفي شهر رمضان أيضا

العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً