العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ

شهر مبارك قد حلّ ضيفا... فكيف نستقبله؟

كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله (ص) والتابعين لهم، يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه، كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبله منهم، كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب. يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، ويتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصُوَّام، يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله، ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، فما كانت غزوة بدر الكبرى - التي سنتناولها إن شاء الله لاحقاً - إلا في رمضان، وكذلك فتح الله مكة وطهرها من الرجز وانتفت من بعدها عبادة الأصنام في الجزيرة، ما تم هذا الفتح إلا في رمضان، والقائمة تطول من الانتصارات التي سطرها المسلمون في ماضي الأيام وحاضرها في هذا الشهر الفضيل. فليس شهر رمضان شهر خمول ونوم وكسل كما يتخذه بعض الناس، ولكنه شهر جهاد وعبادة وعمل، لذلك ينبغي لنا أن نستقبله بالفرح والسرور والحفاوة والتكريم، وكيف لا نكون كذلك في شهر اختاره الله لفريضة الصيام ومشروعية القيام وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وكيف لا نفرح بشهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتُغَل فيه الشياطين، وتضاعف فيه الحسنات، وتُرفع الدرجات، وتُغفر الخطايا والسيئات. انتهاز الفرص قبل فوات الأوان ينبغي لنا أن ننتهز فرصة الحياة والصحة والشباب، فنعمرها بطاعة الله وحسن عبادته، وأن ننتهز فرصة قدوم هذا الشهر الكريم فنجدد العهد مع الله تعالى على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات، وأن نلتزم بطاعة الله تعالى مدى الحياة بامتثال أوامره واجتناب نواهيه لنكون من الفائزين (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) «الشعراء:88». وصدق الله العظيم إذ يقول (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً) «الأحزاب:71»، وأن نحافظ على فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات في رمضان وغيره عملا بقول الله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) «الحجر:99» أي حتى تموت. وقوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المسلِمِينَ) «الأنعام:162». لنتهيأ للاستقبال الكبير ينبغي أن نستقبل هذا الشهر الكريم بالعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا لا تقليدا وتبعية للآخرين، وأن تصوم جوارحنا عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم والاستماع المحرم والأكل والشرب المحرمين لنفوز بالمغفرة والعتق من النار. ينبغي لنا أن نحافظ على آداب الصيام من تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل، وتعجيل الفطر إذا تحققنا غروب الشمس، والزيادة في أعمال الخير، وأن يقول الصائم إذا شُتم «إني صائم» فلا يسب من سابَّه، ولا يقابل السيئة بمثلها، بل يقابلها بالكلمة التي هي أحسن ليتم صومه ويقبل عمله، يجب علينا الإخلاص لله عز وجل في صلاتنا وصيامنا وجميع أعمالنا فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحا وابتغى به وجهه، والعمل الصالح هو الخالص لله الموافق لسنة رسوله (ص). ينبغي للمسلم أن يحافظ على صلوات القيام والإكثار من النوافل، فقد ورد «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه». وأن يقوم المصلي مع الإمام حتى ينتهي ليكتب له قيام ليلة كما ورد في الحديث. وأن يحيي ليالي العشر الأواخر من رمضان بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار اتباعا للسنة المطهّرة، وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر (83 سنة وأربعة أشهر)، وهي الليلة المباركة التي شرفها الله بإنزال القرآن فيها وتنزل الملائكة والروح فيها، وهي الليلة التي من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، وهي محصورة في العشر الأواخر من رمضان، فينبغي للمسلم أن يجتهد في كل ليلة منها بالصلاة والتوبة والذكر والدعاء والاستغفار وسؤال الجنة والنجاة من النار، لعل الله أن يتقبل منا ويتوب علينا ويدخلنا الجنة وينجينا من النار ووالدينا والمسلمين، وقد كان النبي (ص) إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله، وشدّ مئزره، وأيقظ أهله، ولنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة، وشدُّ المئزر كناية عن التشمير في العبادة. وينبغي للمسلم الصائم أن يحافظ على تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره، بتدبر وتفكر ليكون حجة له عند ربه، وشفيعا له يوم القيامة. وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة بقوله تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) «طه:123». وينبغي أن يتدارس القرآن مع غيره ليفوزوا بالكرامات الأربع التي أخبر بها رسول الله (ص) بقوله: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده». وينبغي للمسلم أن يلح على الله بالدعاء والاستغفار ليل نهار، في صيامه وعند سحوره، فقد ثبت في الحديث الصحيح «أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول (من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له)، حتى يطلع الفجر». وورد الحث على الدعاء في حال الصيام وعند الإفطار، وأن من الدعوات المستجابة دعاء الصائم حتى يفطر أو حين يفطر وقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) «غافر:60». وينبغي للمسلم أن يحفظ أوقات حياته القصيرة المحدودة، فما ينفعه من عبادة ربه المتنوعة القاصرة، ويصون النفس عما يضره في دينه ودنياه وآخرته وخصوصا أوقات شهر رمضان الشريفة الفاضلة التي لا تعوض ولا تقدر بثمن، وهي شاهدة للطائعين بطاعاتهم وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم. وينبغي تنظيم الوقت بدقة لئلا يضيع منه شيء بدون عمل وفائدة فإنك مسئول عن أوقاتك ومحاسب عليها ومجزي على ما عملت ف

العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً