العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ

هل يخدع سوبرمان نفسه؟

الوجه مألوف ولكن هناك اشراق غريب وربما من البهجة. العينان فيهما قوة مهووسة، بشرة الوجه مشدودة والابتسامة لا روح فيها. هو إنسان حي ولكن جسده لا فائدة ترجى منه. مرت سبع سنوات منذ أصيب الممثل كريستوفر ريف الشهير بأداء دور سوبرمان بالشلل نتيجة سقوطه من على ظهر حصان. منذ ذلك الحين كرس حياته وجزءا كبيرا من ثروته لمحاولة إصلاح جسده وللقيام بحملات لحث العلماء على عمل مزيد من الأبحاث حول جراحة العمود الفقري. وقد وظف أطباء وأخصائي علاج طبيعي وقام بعمل استثمارات في الأجهزة والأدوات الخاصة بالمشلولين كما ناقش عددا كبيرا من وسائل العلاج الجديدة. وأنفق خلال الثلاث السنوات الماضية ما يصل لـ 857,000 ألف جنيه استرليني على علاجه، وفي الأسبوع الماضي ادّعى بأن العلاج نجح.

ويوضح شريط فيديو صوره ماثيو ابن ريف كيف أن أشهر مشلول في العالم «بعد ستيفن هاوكين» قد تعافى بشكل ملحوظ. وقد بدأ في هز أطراف قدمه اليسرى وتحريك أصابع كفه الأيسر. وهو يقول بأنه يستعيد إحساسه وبأنه يستطيع الشعور بالفرق بين البارد والحار والحاد والباهت وبأنه يستطيع أن يشعر بوخز الإبر في أي جزء من أجزاء جسده. والأفضل من كل ذلك هو أنه يشعر بعناق أفراد عائلته له. ويقول «انها هبة عظيمة أن أتمكن من الشعور باللمسات الخفيفة، في الحقيقة حتى لو لم يكن جسدك يعمل بالطريقة التي كان يعمل بها فإن القلب والعقل والروح لا يقل إحساسهم».

ويبدو هذا التطور مؤثرا ويصفه أطباء ريف بأنه جدير بالملاحظة ولكن عندما ننظر لما قاله ريف قبل خمس سنوات فإن الأمر يبدو أقل أهمية. في مقابلة مع قناة في مايو/أيار 1997 قال ريف إنه يستعيد احساسه في ذراعه ويديه «نزولا حتى العمود الفقري وهذا تطور مهم لأنني منذ ستة أشهر مضت لم أكن أشعر بهذه المنطقة». وقد أخبر القناة بأن هذه هي المرة الأولى منذ الحادثة يشعر فيها بلمسة ابنه ويل الذي كان حينها يبلغ من العمر خمس سنوات «أستطيع أن اشعر بذراعه حول ذراعي ولكن ما أريده هو أن أضع ذراعي حوله فهذا هو ما يستحقه وأعتقد أن هذا اليوم سيأتي».

وهكذا ففي خمس سنوات تطورت حالة ريف من الشعور بلمسة ابنه إلى هز أطرافه فقط. ولذا فإن استخدام كلمة تحسن لوصف التطور الحادث في حال ريف في الشهر الأخير غير مناسب لوصف حال الرجل الذي تعهد بأنه سيتمكن من السير على قدميه في الوقت الذي يبلغ فيه الخمسين عاما.

وقد تحدث طبيبه الاستشاري جون ماكدونالد من مدرسة الطب التابعة لجامعة واشنطن في سانت لويس بحذر في الأسبوع الماضي بينما كان يحاول أن يتجنب اظهار تشاؤمه. «إن أي تحسن يعطينا شيئا من الأمل في حال ريف» ولكن ما مقدار الأمل... إن حدوث أي تحسن على الإطلاق يعتبر أمرا مهما في عالم جراحة الأعصاب... ولكن احتمال أن يسير كريس مرة أخرى على قدميه غير معروف ولا أريد أن يتكون للناس انطباع بأننا نقوم بتطور مهم في هذا الموضوع». وهنا يقع الطبيب الاستشاري في ورطة - اذ كيف يعزز إرادة المريض للحياة أمام خسارته التي سببت له صدمة قاسية بهذه التنبؤات المظلمة. هناك ما يقدر بخمسين ألف شخص مشلول بسبب إصابات في العمود الفقري في المملكة المتحدة ومئتان وخمسون ألفا في الولايات المتحدة. أشهر هؤلاء هو كريستوفر ريد وهو المعروف باصراره - والذي تم تصويره في مسلسل يسمى «كريستوفر ريد: سوف أسير ثانية». أحد أطبائه هارلان وينبرج يقول إن الممثل يملك قوة داخلية لا تصدق ويملك دافعا شخصيا أكثر من أي شخص التقيت به في حياتي».

ولكن الحقيقة غير المستساغة هو أنه لو لم يحدث تحسن في الستة إلى الـ 12 شهرا الأولى بعد إصابة شديدة في العمود الفقري كالتي يعاني منها ريف فإن حدوث تطور مهم في السنوات اللاحقة ليس فقط غير محتمل ولكن لم يسمع عنه من قبل.

توني ترومانس وهو استشاري كبير في وحدة اصابات العمود الفقري في مستشفى ساليسبري ديستريكت يقول «إن احتمال وقوف ريف على قدميه مرة أخرى وسيره هو احتمال بعيد. لدي مرضى تعلموا تحريك أصابعهم بعد خمس سنوات من حدوث الإصابة ولكن حتى لو بدأت في تدريبهم يفعلون ذلك بعد ستة شهور». هناك عامل آخر يقف وراء تفاؤل ريف غير الاعتيادي وهو المال. تستهلك الأبحاث الطبية الكثير من المال والناس لا يدفعون الا اذا شعروا بأن هناك احتمالا لحدوث تطور، أما ريف فلا يتعب من القيام بحملات نيابة عن تجمع العلماء الذي حافظ على آمال المتبرعين عالية بوجود سيل من الدراسات العلمية التي تفيد بأنه يمكن جعل المُقعد يسير ثانية.

في الأسبوع الماضي بعث ريف برسالة لدعم مجلس البحوث الطبية في المملكة المتحدة عندما أعلن الأخير عن تفاصيل أول بنك خلايا والذي سوف يفتح في العام المقبل وسوف يزود الباحثين بالخلايا الأم التي سوف تساعد على تنمية خلايا الأعصاب والأعضاء الأخرى. ويقول «أنا ممتن للغاية لقيام المملكة المتحدة بالقيام بالاختيار الحكيم بمواصلة الدعم الحكومي والمراقبة لهذا المشروع. ومن دون شجاعة العلماء الذين رفضوا اتخاذ الطريق الأسهل والأقل اثارة للجدل ما كنا لنتمكن من عمل الكثير من التطورات المهمة عبر التاريخ».

ان العالم الذي واجه هذه الحماس ليخبره بأن الأمر يتطلب عقودا ليثمر العمل هو عالم شجاع. ان هناك الكثير من الأبحاث حول العالم التي تناقش تجديد العمود الفقري كما أن عددا من المجموعات قد نقلت نتائج مبشرة لأبحاثها التي أجرتها مع الفئران والجرذان. رئيس اللجنة العملية لأبحاث العمود الفقري في المملكة المتحدة جيمس فاوست يقول إن هناك ثلاث حالات أثبتت نجاح العلاج فيها على الحيوانات حيث كانت هناك امكانية جزئية لعلاج حالات الاصابة في العمود الفقري في هذه الحالات. «عندما تم تطبيق أنواع العلاج على المرضى الذين يعانون من إصابات عنق بليغة مثل تلك المصاب بها كريستوفر ريف فإن ذلك أدى إلى تحويل نوع الحياة التي يعيشونها» ولكن حتى المبشرين مثل الدكتور فاوست يعترفون بأن الشفاء هو أمل بعيد. المحاولات الطبية للعلاج الجديد لا يتوقع أن تبدأ حتى العام 2005 والنتائج لن تكون معروفة إلا بعد سنوات.

المشكلة كبيرة هنا ذلك أنه كلما كان ترتيب الحيوان أعلى في النظام البيئي كانت المسافة أقصر إذ تؤدي إلى تحسن في القدرة على المشي بعد الإصابة في العمود الفقري في بعض الحالات ولكنها ذات أهمية أقل بكثير في أحجام أكبر من الكائنات الحية كالإنسان.

وحتى لو كان الأمر كذلك فإن الأبحاث هي التي تعطي الأمل الوحيد والاحتفاظ بالأمل هو أحد واجبات العلاج. يقول ترومانز «إذا كسرت أمل شخص معين فإن هذا الشخص سيتعثر ويغرق، ومن جانب آخر إذا حمل الشخص توقعات غير واعية ولن تثمر ابدا فإنه سيغرق أيضا. هذه موازنة حساسة.

المرضى فاقدو الأمل سيقومون بأي أمر ليتشبثوا بالأمل. بعض المرضى من مستشفى ساليسبري سافروا إلى مركز تجديد العمود الفقري في تيجوانا بالمكسيك وهو ما كلفهم 56,000 - 85,000 دولار للقيام بزراعة خلايا جنينية من قرش أزرق. وقد عرض الجراحون في المركز شريط فيديو لمريضة من مستشفى ساليسبري لإثبات فاعلية علاجهم، ولكن ترومانز لم يكن متأثرا وقال «نستطيع أن نعرض شريط فيديو مشابه للمريضة ذاتها عندما غادرت المستشفى. لدينا الكثير من المرضى الذين ذهبوا هناك وعادوا من دون فائدة ولكن طبعا بعدما أصبحوا فقراء».

بالنسبة لريف فإن المهمة المطلوبة هي البقاء حيا والعمل وكما قال في مقابلة في العام 1999 «ليس استعادة جسدي فقط بل استعادة احساسي بوجود هدف للحياة» وقد طاف أميركا بلا تعب فاصلا أجهزة التنفس فقط ليسمع بعض الكلمات جامعا للتبرعات لمؤسسة معالجة الشلل التي ينشئها. كما إنه سيقوم بنشر مذكراته تحت عنوان «ليس هناك شيء مستحيل: انعكاسات حول حياة جديدة». وفي الكتاب يقول ريف «الكثير من أحلامنا تبدو مستحيلة في البداية ثم تصبح غير محتملة وعندما نستجمع إرادتنا تصبح حتمية. وكما استطعنا أن نغزو الفضاء الخارجي فإننا قادرون على غزو الفضاء الداخلي أيضا».

بيولوجيا يعرف كريس أن حلمه في المشي مرة أخرى يبدو حلما بعيدا ولكن نفسيا فإن الرجل الذي لعب مرة دورالسوبرمان أثبت انتصار ارادته التي تفوق ارادة البشر

العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً