سلوى المحروس، أكتب لك وأملي كبير بمساعدتك... انا اعيش العذاب منذ ثلاثين عاما. تزوجت في الخامسة والعشرين من شابة في الحادية والعشرين، ذكية ومثقفة وناجحة، وذات اخلاق عالية. وبدأنا حياتنا الزوجية ببناء مستقبلنا معا. ورزقنا الله ولدين، وكانت تربيتهما متعة. وكبرا ودرسا في احسن الجامعات وتخرجا بتفوق، وتوظفا في احسن الوظائف. وعشت أنا وزوجتي ثلاثين عاما من الجهد والعمل لبناء هذه العائلة. والآن وانا في منتصف الخمسينات، وبعد ان انتهت مسئولية التربية، بدأت اراجع شريط حياتي. وفي احدى الليالي جلست ابكي، واتذكر ان الجزء الاعظم من حياتي قد انتهى، ولكن اين سعادتي. وبدأت أسال نفسي اين كنت كل هذه السنوات وما سبب تعاستي؟ تذكرت كيف كانت الاشهر الاولى من الزواج،؟ أسئلة كثيرة ظلت ملحّة... منها هل كنا نعرف ما هو الزواج ومسئولياته؟ وهل علّمنا الاهل او المدرسة او الجامعة اي شيء عنه؟ أم دخلنا التجربة عميانا وعلينا التخبط بين الفينة والفينة بين الصواب والخطأ؟ وهل تسلحنا بعلم أو معرفة لتربية أطفالنا؟ ام انها كانت تجربة عمياء تصيب احيانا وتخطئ أحيانا أخرى؟ وهل للبيت والمدرسة دور في تهيئة الاطفال بوصفهم أزواجا وزوجات للمستقبل؟ صحيح ان ولدينا كبرا ونجحا، ولكن ألم نعان انا وزوجتي؟ ومع ان زوجتي امرأة فاضلة ومسئولة جدا، فقد كانت هناك مشكلة في طريقة التفاهم كانت تؤثر على سعادتنا دائما. فيحدث سوء تفاهم بسيط ونبقى صامتين لمدة، وبعد ذلك نبدأ الاتصال لكي نزيل سوء التفاهم . فهل يمكنك تشخيص مثل هذه الحال ومساعدتي؟
م.ج
لندرس هذه المشكلة معا. هناك ظاهرة اجتماعية خطيرة. إذ اظهرت الاحصاءات في الدول الغربية أن خمسين في المئة من الزيجات تنتهي بالطلاق، واقل من ستين في المئة منها تحافظ على هذا الكيان بما يعادل ثلاثين في المئة من الإحصائية المذكورة وفي مجتمعاتنا الخليجية لا تختلف النسبة كثيرا.
أجريت ابحاث في اوروبا الغربية كشفت عن وجود خمسين في المئة من النساء يفضلن المحافظة على حريتهن الشخصية وتجنب الزواج. ونصف النساء اللاتي ابدين الرغبة في الزواج، يفضلن الزواج من دون انجاب اطفال.
فهناك فعلا مشكلة في الحياة الزوجية و تخوف بين الشباب من خوض تجربة الزواج لأنها قد تنتهي بالالم والفشل، إذ تتفاقم المشكلة بوجود أطفال. فهل نمتنع عن الزواج لنجتنب عذابه؟ طبعا لا، اذا ما هو الحل؟
لنتذكر اولا انه يجب ان نهيئ ابناءنا وبناتنا لهذه التجربة المهمة في حياتهم كما نهيئهم للدراسة والعمل. وللعائلة وللمدرسة وللجامعة دور مهم في التهيئة لهذه التجربة. ولنحاول معا دراسة نوعية المشكلات التي قد تؤدي إلى زواج فاشل. قد يقول البعض انه يجب ان يكون هناك تقارب في المستوى التعليمي والفكري، وآخر يرى وجوب ان يكون هناك توافق في كيميائية الطرفين، وآخر يرى وجوب ان يكون هناك انسجام روحي وعاطفي بين الاثنين .. بينما يرى طرف آخر انه وعلى رغم توافر الشروط الظاهرة لنجاح تجربة الزواج فإنه مع ذلك يسجل فشلا مريعا... لماذا؟
في تصوري ان اهم ما في الزواج اليوم وخصوصا في عالمنا المادي هو مشكلة التوقعات الكبيرة من الزواج، ورغبة أحد طرفي العلاقة أن يكون قرينه وفق ما يشاء ويريد، تضاف إلى ذلك المشكلات الناجمة عن الاختلافات في وجهات النظر وطبيعة التعامل معها.
وكثيرون لا يتوقعون ان تجربة العلاقة الزوجية هي تجربة واقعية وصعبة يمكن لها أن تنجح ويمكن لها أن تفشل في الوقت نفسه، وخصوصا ومع تراكم المسئوليات الكبيرة بدءا بالوظيفة وليس انتهاء بتربية الأطفال.
المشكلة الاخرى ان الزوج والزوجة يسعى كل منهما لتكييف صاحبه وفق مشيئته. وذلك أمر مستحيل، فلكل انسان اخلاقه وسلوكه وطباعه، ولذلك علاقة وثيقة بالجينات والوراثة، وعملية تغييرها يمكن أن يقال انها من الأمور المستحيلة. لذلك يجب ان يعرف كل طرف الطرف الآخر جيدا، واذا قررا الزواج فيجب ان يقبل كل منهما الآخر كما هو.
والمشكلة التي تعتبر سببا رئيسا في الخلافات هي قضية التحمل، فمِن دون تحمل كل طرف الطرف الآخر، تحمل أخطائه ووو... لا يمكن للعلاقة أن تستمر. فيجب ان نتذكر موضوع الاختلاف فكلنا مختلفون ولكي نتعايش يجب ان نحترم ونقبل اختلافاتنا.
وتظل السن إحدى المشكلات في قضية الزواج. فزواج الشباب من دون نضج يوجد مشكلات، والزواج في متوسط العمر له صدماته ومشكلاته. فهل من الأفضل أن تتم العلاقة الزوجية في ظل توافق السن بين الطرفين أو مع فارق بسيط؟ البعض يرى ان وجود اختلاف في السن بفارق خمس سنوات من طرف الرجل مهم للزواج. إذ يكون الرجل ناضجا وقد ثبت وضعه الوظيفي ورتب امور زواجه، ولديه الاستعداد لتحمل المسئولية بشكل جيد. كما ان ذلك الفارق يجعل الزوجة شابة في عينيه، وسيعوض عن مشكلة دخول المرأة سن اليأس في وقت يكون هو على الاقل متقدما في السن بخمس سنوات.
ولنتذكر ان الرجل والمرأة يمران بمرحلتين للمراهقة في حياتهما (صورة رقم 1)، الاولى في بداية العشرينات، والثانية في نهاية الاربعينات. ويجب ان يكون الطرفان على علم ومعرفة بتفاصيل مشكلات هاتين الفترتين واعراضهما والتعامل معهما. فمرحلة الشباب مرحلة ثورة الهرمونات الجنسية وما يترافق معها من ثورة في شخصية الشباب المعارضة لكل شيء. والمرحلة الثانية هي مرحلة صدمة منتصف العمر، وهي مرحلة النزول من الكهولة إلى الشيخوخة وما يرافقها من نقص في الهرمونات المختلفة واضطراب في الشخصية وعدم التحمل ولوم الآخرين والبكاء على ما فات من العمر، بالاضافة إلى عقدة قرب توقع الموت.
ولنعد إلى الأخ صاحب المشكلة، فأنت تمر بمرحلة طبيعية من حياتك وهي مرحلة متوسط العمر بما لها وما عليها. يجب ان تعرف انت وزوجتك أنها مرحلة فسيولوجية طبيعية في حياة الانسان. واذا درسناها وفهمناها جيدا فمن الممكن ان نتعامل معها بحكمة وعقلانية، ونتحمل اضطراباتها بصبر وثبات كي تمر بسلام من غير ان تقصف العائلة والزواج.
والكلام كثير في المؤلفات الطبية عن سن اليأس بين النساء حينما تنتهي البويضات في المبيض وتتوقف العادة الشهرية، ولا يمكن ان تحمل المرأه بعدها. ولكن لا يقال إلا القليل عن سن اليأس عند الرجال. طبعا لا يتوقف انتاج الحيوانات المنوية عند الرجل ويمكنه الانجاب بعد الخمسينات، ولكن تحدث كثير من التغيرات الفسيولوجية مع تقدم السن. فتقل هرمونات الذكورة، وتنقص الرغبة الجنسية، ويزداد الضعف الجنسي، وتقل الحيوانات المنوية. والأهم من كل ذلك التغيرات النفسية التي يتعرض لها وقد تؤدي إلى إرباك حياته. وقد يصاب بالاكتئاب، ويزداد التفكير في انتهاء العمر، وتبدأ محاسبة النفس على السنوات التي ضاعت. وقد يزداد عدم التحمل للطرف الآخر. وقد يحس بالحاجة إلى ارجاع شبابه، بحلق الشعر وصبغه، والتخلص من التجاعيد، والاهتمام بالصحة والرياضة. وقد يتمادى بعض الرجال ويبدأ بالتفكير في الزواج من فتاة صغيرة لارجاع الشباب، ليكتشف بعد ذلك انه دخل في مشكلة جديدة عبر مسئوليات البيت والزوجة والأطفال، ومعاشرة فتاة صغيرة ليست في سنه، ولا يستطيع التفاهم معها.
فمشكلتك طبيعية يجب ان تتفهمها بدقة وتجتازها بعقلانية، لتكمل حياة ما بعد منتصف العمر بكل جمالها. فقد انتهت مسئولياتك العائلية وبدأت التفرغ لنفسك، لتستمتع بوقت فراغك كما تشاء، في القراءة او الرياضة او الكتابة او السفر. بالاضافة إلى انه سيكون لديك الوقت لأن تجد هوايات جديدة، والبعض يقضي جزءا من وقته مع الأحفاد.
استشاري الأمراض الباطنية والسكري
الصورة: تبين كمية هرمون الذكورة التستوسترون(7) بلازما الدم في مختلف مراحل العمر في الرجال، بدءا بالحياة الجنينية إذ يكون هرمون التستوسترون متوسط الارتفاع (1) وفي فترة عمرالوليد أيضا (2) وقبل سن المراهقة يأخذ التستوسترون في الهبوط (3) وفي سن المراهقة يرتفع بنسبة عالية (4) وفي سن الكهولة يستمر مرتفعا (5) ومع سن الشيخوخة يبدأ في الهبوط تدريجيا (6)
العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ