التغيير والتحول في المجتمعات الإنسانية سنة كونية، فمع تطور المعرفة وتبدل الظروف الاجتماعية والسياسية تكون هناك حاجة مستمرة للتغيير والتطوير والإصلاح. لكن يحصل أن تتوالد معوقات وموانع للتغيير في المجتمعات بناء على تركيبتها وعلى ظروفها، ما يوفر لديها مقاومة عالية ضد التغيير تعيق أي عملية تحول أو تطور في المجتمع، أو أن ينتج عنه تحول مشوه وغير منسجم مع البيئة المحيطة.
التغيير قد يكون اختياريا ومخططا ومدروسا، فيبنى على أسس سليمة ومتفاعلة بينها بحيث تراعي مختلف الأبعاد، وقد يكون التغيير قسريا ومفروضا لتفاعلات معينة، ويكون بذلك خارج السيطرة وغير محدد النتائج. في معظم الحالات يأتي التغيير القسري نتيجة لغياب التوجه والإرادة للاستجابة لمطالب التغيير التي تعبر عن حاجات اجتماعية قائمة وتجاهلها. وتحصل مثل هذه الحالات في المجتمعات التي تغيب فيها وسائل استطلاع الرأي وقراءة التوجهات المستقبلية للمجتمع وخاصة فئة الشباب فيه، ما يجعل عملية رصد تطلعات أبناء المجتمع ومقدار الحاجة للتغيير فيه أمرا صعبا بل غير متيسر.
من هنا، فإنه من الأسس المهمة لنجاح عملية التغيير، القراءة الحرة والصحيحة والموضوعية والسليمة لتوجهات المجتمع ومعرفة تطلعاته واهتماماته، بصورة تمكن إدارة التغيير من فهم الاحتياجات والتجاوب مع قضايا المجتمع. فالتغيير الذي لا يأتي متوافقا مع تطلعات وحاجات المجتمع قد يكون مردوده سلبيا ونتائجه وخيمة، بل قد يولد ردود فعل من قبل المجتمع تجاهه.
إدارة المجتمع الممثلة في الحكومات ومؤسساتها المختلفة تعتبر العامل الحاسم الأبرز في عمليات التحول والتغيير في أي مجتمع بصفتها تملك من الإمكانات والوسائل والقدرات ما لا تملكه أي جهة أخرى، وبالتالي فهي الأقدر على تلبية الحاجة للتغيير والإصلاح. لكن ذلك ينبغي أن يتوافق أيضا مع الرغبة والإرادة للتغيير، لأن وجودها من شأنه أن يزيل أي معوقات تعترض مشروع التغيير أو تذللها. في الكثير من الأحيان تتحول الحكومات إلى معيق أمام رغبة المجتمع في التغيير لأسباب مختلفة، وبالتالي تتعطل مسيرة التغيير لعقود طويلة تحت مبررات مختلفة. وفي حال تبني الحكومة برنامج التغيير فإن ذلك يخلق حركة اجتماعية تفاعلية تمارس فيها التصحيح والتعديل ضمن مسيرة التغيير هذه.
أصحاب المصالح عادة ما يكونون من العوامل المبطئة للتغيير، حيث إنه قد يهدد مصالحهم ومواقعهم ونفوذهم، لذا فهم يسعون للمحافظة على تلك المصالح وتشكيل شبكة من ذوي المصالح المشتركة التي تقف أمام مبادرات التغيير، حتى لو كانت صادرة من جهات عليا. وتتوسع شبكات المصالح هذه، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي بل تشمل المنتفعين من الوضع القائم كوجاهة ومكانة اجتماعية. ففي حالة التغيير، يتولد حذر لدى هذه الفئة من احتمال خسران مواقعها الحالية لأشخاص أو فئات أخرى، ما يعرض مصالحها للخطر.
من موانع التغيير أيضا، دور فئة المحافظين في الفكر والتوجه، والتي تستند على آراء وأفكار تقليدية ومحافظة لا ترى في التغيير إلا تهديدا لمسلماتها ومواقعها ونفوذها. أصحاب الفكر المحافظ يتوجسون دوما من أي فكرة أو توجه نحو التغيير، باعتباره يفرض نماذج حياة جديدة أو يتجه بالمجتمع نحو المزيد من العصرنة والتحديث. ولعل هذا البعد هو الأكثر إعاقة للتغيير، وخاصة إذا ما استخدم الغطاء لشرعنة مبرراته وأدلته، وفي معظم الحالات، يتمظهر الجدل نحو التغيير في النقاش بشأن الأحكام الشرعية وتطبيقاتها على شئون المجتمع، وتطرح اجتهادات لاعقلانية بشأن وسائل التحديث، وتطبق عليها اسقاطات تاريخية من التراث تحول دون قبولها اجتماعيا.
لمواجهة موانع التغيير هذه وغيرها، ينبغي التأكيد على أهمية وجود قرار بإرادة التغيير من أعلى سلطة يمهد لتطبيقه على مختلف الأجهزة والمؤسسات والدوائر، ويكون مستندا على معرفة اتجاه وحجم التغيير المطلوب. كما أنه من اللازم تهيئة أصحاب المصالح للمرحلة الانتقالية، وضمان مستوى أوسع من المستفيدين من التغيير بحيث تكون مساهمة وشريكة في التغيير. وفيما يتعلق بالجماعات المحافظة، فإنه يستوجب وجود أجواء حرة تتسع للتعبير عن مختلف الآراء بكل حرية ووضوح لطرح ومناقشة التوجسات والمحاذير، وإتاحة الفرصة أمام أصحاب الآراء المختلفة لطرح قناعاتهم.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 5276 - الأربعاء 15 فبراير 2017م الموافق 18 جمادى الأولى 1438هـ