لا يزال الكثير من المفكرين والأدباء في المغرب العربيّ، ولا سيما المغرب والجزائر، وإلى يومنا هذا، يبدعون أروع القصص والروايات، ويكتبون في أعمق القضايا وأكثرها جدلاً واختلافاً باللغة الفرنسية. ويطرح استمرار هذه الظاهرة الكثير من التساؤلات التي تبعث على الحيرة: فهل الكتابة بلغة المستعمر (سابقاً) جزء من مخلفات مرحلة الاستعمار؟ أم أنّها طريقٌ إلى العالميّة؟ وإلى أيّ مدى تعتبر الكتابة بلغة أخرى متناقضة ومعنى الهوية الوطنيّة؟
لا شكّ أنّ هذه القضية ليست جديدة؛ فالمغاربة اضطروا منذ الفترة الاستعمارية، وبسبب إصرار فرنسا على نشر ثقافتها عبر اللغة، إلى تعلّم لغة المستعمر إلى حدّ إتقانها تحدّثاً وكتابة؛ إذْ اضطر الكثير من الكتاب المغاربة إلى ذلك للدفاع عن قضيتهم وحقهم في التحرر سواء بالحوار مع المستعمر أو بالكتابة في الصحف باللغة الفرنسية لإيصال أصوات شعوبهم وإرادتهم في التحرر من ربقة الاستعمار آنذاك.
لكنّ المريب هو استمرار الكتابة والإبداع الأدبي والإنتاج الفكري والفلسفي الغزير باللغة الفرنسية، لا بعد الاستقلال مباشرةً فحسب، بل وإلى يومنا هذا. وعلى رغم الجهود التي تبذلها الدول الوطنية في المغرب العربي منذ الاستقلال لترسيخ الهوية العربية بنشر لغتنا وتعميم تدريسها وفرض التعامل بها في معظم المؤسسات الحكومية..إلخ، فإنّ جيلاً وراء جيل، وإلى اليوم، لا يفتأ يكتب ويبدع باللغة الفرنسية، بل وتزداد رقعة الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية اتساعاً.
وهنا لا يسعنا إلا أن نستحضر ثلّةً من الأدباء المغاربة ممّن أثرَوْا الساحة الأدبية بأجمل الروايات والكتب، ولعلّ أوّلهم المغربي إدريس الشرايبي (1926 - 2007)، أحد الكُتّاب الأكثر نجاحاً ورواجاً بالمغرب والعالم الفرنكفوني إبان حقبة الوصاية الفرنسية، وصاحب الكثير من المؤلفات الرائعة، وعلى رأسها «الماضي البسيط» (1945). ومن الأسماء اللامعة بعد الاستقلال الكاتب المغربي المشاكس محمد شكري (1935-2003) المشهور بلغته القاسية، وغضبه البريء، ومن أشهر مؤلفاته في العالم العربي والمغاربي «الخبز الحافي» و»مجنون الورد» و»زمن الأخطاء». وكذلك الطاهر بن جلون، وهو معلم فلسفة وطبيب نفساني وأحد الكتاب الأكثر شهرةً وإنتاجاً باللغتين الفرنسية والعربية، وقد ذاع صيته في العالمين العربي والفرنكفوني، وحصل على جائزة غونكور العام 1987 عن روايته «الليلة المقدسة» .
ويعتبر الطاهر بنجلون نجم الكتاب «الفرانكفونيين»، والذي ينسب نفسه إلى جيل عبد اللطيف اللعبي ومحمد خير الدين ومصطفى النيسابوري. وكانت هناك حملة منذ السبعينات أثيرت في المغرب ضد من يكتب باللغة الفرنسية، حيث طالبت الصحافة الوطنية بالمغرب هؤلاء أن يكتبوا باللغة العربية أو أن يتوقّفوا عن الكتابة. بل إنّ بعض الأوساط الثقافية العربية وحتى المغربية نظرت إلى هؤلاء بعين الريبة، واعتبرت الكتابة باللغة الفرنسية في ذلك الحين نوعاً من التواطؤ والخيبة الثقافية.
وترتبط القضية أشد الارتباط بموضوع الهوية الثقافية العربية المغربية، حتى ذهب بعض المعارضين إلى أنّ هذا الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية مجرد ظاهرة شاذة ما تلبث أن تنطفئ، وأنّه مجرد ظاهرة ظرفية، وما القول بنجاحات هؤلاء الكتاب والأدباء في الفترة الاستعمارية في كلٍّ من الجزائر وتونس والمغرب إلاّ مجرد «ادعاء» مردود تروّج له الصحافة الفرنسية لخدمة لغتها.
ومن الرافضين إدراج هذا الأدب ضمن الأدب المغاربي الكاتب المغربي عبد الكريم غلاب حيث قال: «أعتقد أن العرب الذين يكتبون بالفرنسية قد يرضون الفن وقد ينقلون صوراً من مجتمعهم إلى قراء غير عرب، ولكن مشاركتهم في النضال عن طريق الفن محدودة، لأن قراءهم العرب محدودون جداً. وأذهب بعيداً فأقول إن هؤلاء يتمثلون -وهم يكتبون بالفرنسية- الفكر الفرنسي والمجتمع الفرنسي أكثر مما يتمثلون مجتمعهم العربي، لأن اللغة لها أثر في الفن، كما أن لها أثراً في الفكر». ويضيف: «وانطلاقاً من الرأي القائل بأن الشكل قد يخفي المضمون، فإن الكتابة بالفرنسية قد تحد من مضامين الكتاب والأدباء العرب الذين يكتبون بها ولا يكون لهم التأثير الكافي في إثارة المجتمع».
وقد عارض بنجلون هذه الفكرة معتبراً أنّ التجاءه إلى الكتابة بالفرنسية كان نتيجة وضعية سياسية كان هو، وهؤلاء بعض ضحاياها. ويردّ على من يدعوه إلى الكتابة باللغة العربية قائلاً: «في الحقيقة إن أولئك الذين يطالبونني بالكتابة باللغة العربية الكلاسيكية إنما يطالبونني في العمق بأن أتوقّف عن الكتابة، لأنهم يعرفون أنني لو كتبت بلغةٍ لا أسيطر عليها تماماً فإنني سأنتج نصوصاً متواضعة، نصوصاً غير جديرة بجمالية اللغة العربية وعظمتها».
والظاهر أنّ بعض الكتاب باللغة الفرنسية والمصرين على مواصلة اعتماد هذه اللغة يعتبرون إمكانات الفرنسية تفوق مثيلتها العربية المحكومة بمرجعية المقدّس، بل والمصنفة اليوم على أنها لغة «الإرهاب». وما يعزّز ذلك أنّ الكثير من المغاربة يوجّهون أبناءهم إلى تعلم اللغة الفرنسية وفي المدارس الفرنسية المنتصبة ببلادهم خاصةً مع فتح التعليم أمام الخوصصة من أجل الحصول على حظوة لا تمنح للمتحدث بالعربية سواءً في الأوساط الاجتماعية الراقية أو حتى في سوق العمل الوطني والعالمي.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5274 - الإثنين 13 فبراير 2017م الموافق 16 جمادى الأولى 1438هـ
كانت فرصة ليبدع بعض الكتاب المغاربة (أصيلي المغرب العربي) بإنتاج مؤلفات ذاع صيتها، فترمت إلى اللفة العربية ولاقت نجاحا وقبولا لاحقا
أخذت بعض النصوص منها بالكتابة الأصلية:الفرنسية، و أيضا بما اعتمدي منها معرّبا.
طبعا نظرا للظروف المعيشة،كتبوا بالفرنسية ولولاها، لكتبوا بالعربية الفصحى، ئ
ولأبدعوا
الكتابة بلغة أخرى غير متناقضة ومعنى الهوية الوطنيّة في رأيي المتواضع وإنما هي مجال للانفتاح على العالمية وليست ميسرة لكل شخص
المغرب بلد أعطاه الله سبحانه و ميزه بالجمال واختلاف المناطق وتنوعها وطيبة أهله والأصالة العريقة. من المؤسف أن اللغة الفرنسية والأطباع والعادات الفرنسية هي الغالبة والمتفشية في معظم مناطق هذا البلد العريق، ورغم ذلك يبقى الإسلام ولله الحمد هو المتأصل بداخل كل مغربي.