المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم تورطاً في الفساد والمحسوبيات والرشاوى والعمولات وقضايا السرقة والتلاعب بالمال العام، حتى أصبح يُضرب بنا المثل.
الغرب ليس مبرأً من الفساد، والدول الديمقراطية ليست خالية من التجاوزات، ورؤساؤهم ليسوا قديسين، لكن لديهم مؤسسات وآليات محاسبة وجرد أموال قبل وبعد ترك المناصب الرسمية، كما أن لهم صحفاً تتابع، وبرلمانات تسائل وتحاسب.
والفساد ينشأ حين تتوافر له عوامل مشجّعة، من استئثار فئاتٍ خاصةٍ بالمال، وضعف الرقابة الشعبية وغياب أية آلياتٍ للمساءلة والمحاسبة، فضلاً عن وجود بيئة شعبية تتقبّل هذا المرض وتتكيف معه كأنه أمر عادي. وقد طرح زميلنا الباحث الاقتصادي جعفر الصائغ، سؤالاً جوهرياً في مقال بعنوان: «هل نحن مفسدون حقاً؟»، وهو سؤال أجاب عليه الكثير من الفلاسفة بالإيجاب، انطلاقاً من رؤيةٍ بأن «الإنسان شريرٌ (أو فاسدٌ) بطبعه»، ولأنه كائن أناني، يدور حول ذاته ومصلحته، يمكن أن يبيع كل شيء، ومن هنا تنشأ كل أشكال الفساد. وقد سأل الزميل الحاضرين في تلك الأمسية: مَنْ منكم مستعدٌ للتعهد بأنه لو أصبح مديراً أو صاحب قرار، ألا يلجأ للواسطة لتوظيف أقاربه أو أحد زملائه؟
كنت أنتظر الإجابة بتلهف، وخصوصاً بعد أن عمّ صمتٌ مريعٌ في القاعة كما قال، وكنت أتوقّع أن تجيب الأكثرية بـ»نعم، نتعهد»! إلا أن أول متحدثةٍ كانت طالبةً شابةً، تحدّثت بحماس عن الفساد الإداري والتمييز وتوظيف الأقارب والتعيينات بالواسطة لا الكفاءة، وغياب العدالة في سوق العمل... ولكن حين أعاد عليها السؤال أجابت: «ولماذا أحرم نفسي وأحرم أقاربي؟ سألجأ إلى الواسطة مثل غيري بكل تأكيد طالما الجميع يعمل ذلك بلا رادع ولا عقوبة»!
هذه هي الفلسفة التي يقوم عليها هرم الفساد الراسخ الذي تضرب جذوره عميقاً في التربة العربية، وبسبب هذه القناعات تستمر ممارسات الفساد، وهي التي تغلق الباب نهائياً أمام أي أملٍ بخروج بلداننا من هذا المستنقع، الذي سيحوّلنا إلى مجرد دول رثة ومدن ملح، حتى قبل أن ينضب آخر بئر نفط. وهو مصيرٌ لم يعد بعيداً عنّا، بعدما بدأت عجلة التحولات الاقتصادية المؤلمة، وسياسات التقشف وشد الحزام، بينما أضعنا أكثر من فرصة ذهبية في منتصف السبعينيات وأواخر التسعينيات، لتنويع مصادر الدخل والتحوّل إلى مجتمعٍ منتج، يوطّن العلم والمعرفة، ولا يعيش عالةً على ما تنتجه الشعوب الأخرى في أوروبا وأميركا وآسيا، مستهلكاً ما تنتجه من بضائع وسلع وإبداعات.
إن نقطة البدء في الخروج من مستنقع الأزمات، هي في محاربة هذه الفلسفة المنحرفة، وتصحيح النظرة للأوطان كمزارع خاصة، واعتبار المال العام مشاعاً لمن يريد الاغتراف منه، والشاطر من يختلس منه ما طالت يداه.
قبل بضع سنوات، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي حالة إحدى الكاتبات المتورطات بقضايا محسوبية وفساد وعمولات، ونشر أحد المحسوبين على المعارضة يومها، مقالاًً يبرّر لها الفساد والتنعم بالمال العام! وكان مما قاله بجدٍ إنها «شطارة»، و»إذا استطعتِ أن تنتزعي مالاً أكثر فافعلي كما يفعل غيرك، وهذا من حقّك»! وكان جاداً تماماً فيما يقول. فإذا كانت هذه العقلية سائدةً لدى الكثيرين، (اسرق كما يسرق غيرك)، فلا يحلمن أحدٌ بالإصلاح وخروج الأوطان من المستنقعات.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 5273 - الأحد 12 فبراير 2017م الموافق 15 جمادى الأولى 1438هـ
شكرا لك كثيرا أستاذ قاسم حسين وشكرا الدكتور جعفر الصائغ كل منكما أعطى الموضوع حقه ونظرة راقية للمعالجة الفساد الذي لاسف أصبح نوع من المفخرة لدى البعض باستغلال المنصب الوظيفي لجني المنافع والمكاسب من المال العام وكأن القوانين لا تجري على من يتعدها فتجده ينتفع وتتحقق معاملاته وان لم تنطبق عليها الأنظمة طالما من يشغل المناصب مفسدين فلا استغرب ابدا من تفشي الفساد لأن من يقف للفساد يعتبر في البيئة الإدارية معقدا ومعرقلا لأوامر الإدارية لأن قلبه على المحافظة على المال العام وصرفه على الاوجه المستحقة
يجب وضع الحكومه يدها مع الشعب لبناء الاوطان لكي ينعم المواطن بالمكتسبات الماديه والمعنويه وان الغني يقتح مشاريع ليفيد بلده ومواطنينه
شيء طبيعي ان تكون في الدول العربية فساد اكبر من باقي الدول لانها لا تتمتع بالديمقراطية الحرة والمحاسبة لو كانت الحكومة ينتخبها الشعب ويحاسبها لما كان لدينا فساد
في كوريا الجنوبية تم إجبار رئيسة الدولة على الإستقالة لأنها وظفت صديقتها....لن نصل إلى ماوصل إليه الآخرين....هم المسلمون بدون إسلام ونحن المسلمون إسميا بدون أخلاق المسلمين...
الفساد لا يمكن استئصاله بالمرّة ولكن الحدّ منه ممكن عن طريق انظمة ديمقراطية خاضعة للمحاسبة وهذا ما تحاربه الدول العربية والخليجية منها بالذات والتي لديها ثروات بالمليارات وتحتاج لمحاسبة خاصة بعد ان طفح كيل الشعوب من نشر فضائح الفساد العربي في وبالذات الخليجي في الدول الأوروبية من منظر سيارات فارهة اسعارها بالملايين وبعضها مطلي بالذهب او الفضّة بينما يوجد من شعوب هذه المنطقة بشر حالتهم المادّية مزرية جدا
نعم مقوله ليش غيري يسرق وانا انظر إليه هو أشطر مني ؟
الكل في ألهواء سوى
اصلا عيب اذا صرت شريف في بيئة فاسده
شكرا لك ا.قاسم
والشاطر من يختلس منه ماطالت يداه
آه عليك ياوطني.
للاسف الساس خربان .. يعني تأذن في خرابه .. عزيزي المواطن ردد بستمرار ياليل ما اطولك .. تحياتي للاستاذ قاسم
بس العرب او الخليج فى جميع انحاء العالم / هذا سنة الله فى خلقه.