قال استشاري علاج العقم وأمراض النساء، أحمد بركات: إنَّ «الكثير من حالات تأخر الإنجاب في وقتنا الحاضر السبب فيها هم الرجال»، مرجعاً ذلك إلى أن «الرجل يحتاج في إنتاجه للحيوانات المنوية إلى بيئة نظيفة خالية من المواد الضارة والكيميائية والمواد الحافظة، بعكس المرأة التي تملك مخزونها من البويضات من حين ولادتها، ما يعني أن البيئة لا تتدخل الى حد كبير في مسألة إنتاج البويضات بالنسبة إليها». وفي ما يأتي نص اللقاء مع بركات:

ما هو تعريف العقم النسائي، وما هي أسبابه؟

- توجد أسباب متعددة لتأخر الحمل عند النساء، أشهرها الإفراط في إنتاج البويضات؛ لأن الإفراط في إنتاج البويضات يؤدي إلى تأخر في نموها ما ينعكس سلباً على موعد معرفة الإباضة، ويترتب على ذلك عدم معرفة الزوجين للأوقات المناسبة التي تكون فيها البويضات مهيأة لاستقبال الحيوانات المنوية لتلقيحها.

وهذا ما يطلق عليه متلازمة تكيس المبايض أو متلازمة الإفراط في إنتاج البويضات، ومما يشار إليه هنا هو أن فهمنا لهذا التكيس هو فهم خاطئ، مما يحمل بعض الأطباء على التعامل مع المصابة بالتكيسات وكأن الحل بالنسبة إليها هو التخلص من هذه التكيسات، لكن الصحيح هو أن هذه التكيسات هي عبارة عن بويضات يجب مساعدة المرأة على نموها و ليس التخلص منها؛ لأن التخلص منها يترتب عليه فقد أحد العناصر الأساسية للحمل وهي البويضة.

ودورنا كأطباء هو تكبير هذه البويضات والتفكير في كيفية تلقيحها، وبالتالي فإن التكيس ليس هو المشكلة في حدِّ ذاته.

هل يوجد سبب لحدوث متلازمة تكيّس المبايض؟

- إلى الآن لا يوجد لها تفسير علمي محدد ومتفق عليه، لكن نسبة الإصابة بمتلازمة تكيّس المبايض تختلف من مجتمع إلى آخر، وأكبر نسبة متلازمة تكيس مبايض في العالم موجودة في دول الخليج، إذ تتراوح بين 60 و70 في المئة من المرضى اللاتي ينتجن بويضات صغيرة كثيرة لكنها غير جاهزة للتلقيح.

وتتم معالجة متلازمة تكيس المبايض بتغيير نمط الحياة اليومية وأنماط الغذاء والرياضة وتخفيف الوزن، ثم المنشطات، ما يساعد هذه البويضات على أن تكبر وتكون جاهزة للتلقيح. ويمكن الإشارة إلى أن أسباب العقم النسائي في العالم تتعدد وتختلف من مكان إلى آخر، وأشهر سبب لتأخر الإنجاب لدى النساء في الخليج هو متلازمة تكيس المبايض.

هل يتقاسم الرجال مع النساء أسباب التأخر في أو عدم الإنجاب؟

- طبعاً، لأن مسألة الحمل في الأساس راجعة إلى الزوجين، ونسبة كبيرة من أسباب تأخر الحمل يكون سببها الرجال أكثر من النساء، ويعود ذلك إلى الازدياد الملحوظ في مشكلة ضعف الحيوانات المنوية عند الرجال وخصوصاً في الآونة الأخيرة، وهذا الأمر غير متعلق بالخليج بل يشمل معظم أنحاء العالم.

إننا في الوقت الحالي نبعد بمقدار مسافة كبيرة عن الطبيعة، ففي الفترات السابقة كان العقم بسبب الرجال أقل من الآن، ولا يمثل أكثر من 30 في المئة، لكن هذه النسبة ازدادت بشكل كبير في العصر الحديث بفعل ازدياد التلوث البيئي والمواد الحافظة للطعام والتعرض للمبيدات.

والسبب في ذلك يرجع إلى أن الرجل ينتج الحيوانات المنوية بشكل يومي، مما يعطي العوامل البيئية المحيطة بالرجل دوراً مؤثراً وفعالاً في جودة وكفاءات إنتاج الحيوانات المنوية.

كما أن العوامل البيئية الموجودة في العصر الحديث تختلف عن العوامل التي كانت موجودة سابقاً، في عصرنا الحالي نجد أن البيئة أصبحت ملوثة بالعوادم والمبيدات الحشرية والمواد الكيميائية بشكل كبيرٍ جدّاً، وحتى اللحوم المصنعة التي نأكلها بشكل متكرر مثل المارتديلا وغيرها؛ لأنها تحتوي على مواد مصنعة، وعلى الكثير من المواد الضارة التي تؤثر على المصنع الذي ينتج الحيوانات المنوية بشكل يومي، وهذا الأمر يستلزم أن تكون البيئة المحيطة به بيئة صحية للحصول على أفضل النتائج.

أما بالنسبة إلى النساء فوضعهن يختلف عن الرجال، فهن من حين ولادتهن يمتلكن البويضات، فبالتالي هي لا تصنع بويضات جديدة لكنها تأخذ البويضات من المخزون الذي تمتلكه، بعكس الرجل الذي يصنع الحيوانات المنوية بشكل يومي وتصنيعها في كل يوم يحتاج إلى بيئة صحية جيدة، ولهذا السبب نسبة خصوبة الرجال في تغير دائم.

ذكرتم عن بعض المأكولات وتأثيرها بشكل سلبي على إنتاج الحيوانات المنوية... فما هي المأكولات التي تؤثر بشكل إيجابي؟

- جميع المأكولات الصحية الطازجة التي لا تحتوي على مواد حافظة هي مأكولات جيدة، فهناك مأكولات كثيرة تساهم في زيادة حيوية الحيوانات المنوية كالمكسرات؛ لأنها تحتوي على بعض المواد التي تجعل من مضادات الأكسدة عالية ويجعل نوعية الحيوانات المنوية ذات جودة أفضل، وأكثر ما يضر الحيوانات المنوية هي المواد الحافظة ودرجة الحرارة العالية والمواد الكيميائية مثل المبيدات الحشرية.

متى يجب على الزوجين بدء المراجعة الطبية؟

- للإجابة عن هذا السؤال لابد من التفريق أولا بين حالتين، الحالة الأولى إذا كان الزوج والزوجة حديثي الزواج، والحالة الثانية إذا كان أحد الزوجين أو كلاهما سبق له الزواج من قبل وكان يشكو من مشكلة مّا.

ففي الحالة الأولى إذا كان الزوجان سليمين من الناحية الظاهرية وليس لديهما سابقة زواج من قبل نترك لهما الفرصة مدة 12 شهراً، طالما أنهما يعيشان مع بعضهم بعضاً حياة زوجية طبيعية والعلاقة الزوجية تتم بينهما بانتظام وتحدث بمعدل مرتين في الأسبوع، فإذا مرت عليهما مدة عام هنا يفترض من الزوجين بدء الزيارة للطبيب للبحث عن السبب للبدء في العلاج.

وأما إذا كان أحد الزوجين سبق له أن تزوج ولديه مشكلة في تأخر الحمل فيجب عليه عدم الانتظار لمدة عام والتوجُّه مباشرة إلى العيادة، فإذا كان يعلم ما هي المشكلة وكان لها علاج نبدأ معه دورات خاصة للعلاج، وإذا كان لا يوجد لها علاج نفكر في حل آخر كاللجوء إلى الوسائل المساعدة على الحمل.

وهنا نقطة مهمة متعلقة بالنساء اللاتي يتزوجن في سن متأخرة وخصوصا قرب سن الأربعين، فيجب عليهن عدم الانتظار مدة طويلة والمباشرة بمراجعة الطبيب؛ لأن المرأة في هذه الحالة، في كل شهر يمر عليها تخسر فيه عددا من البويضات وتقل فيه خصوبتها والانتظار الطويل يضيع عليها فرصة ثمينة للحمل، وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن عمر البويضة هو من عمر المرأة فإذا كان عمرها 40 سنة يكون عمر البويضة 40 سنة أيضاً، فبالتالي لا يليق بنا علميّاً كأطباء أن نقدم مسألة الانتظار على مسألة البدء بالعلاج بعد فترة تجربة قصيرة.

والمحصلة انه إذا كان الزوجان اللذان تأخرا في سن الزواج لا يعانيان من مشكلات، ومتهيئين لحصول الحمل، نعطيهما حينها فرصة من الوقت، لكن إذا كانت هناك مشكلة غير ظاهرة، نفتش عنها ونتخذ فيها قراراً حتى لا تضيع عليهم الفرصة.

ما الجديد في علاج العقم؟

- لا توجد أمور جديدة تستدعي منا التوقف عندها، إلا أنه يوجد تطوير للوسائل المستخدمة في المعمل، والحرص على استخدام المنتجات الحديثة ذات التقنيات العالية يساعد على تحسين النتائج، لكن المحور العام لا يختلف كثيراً.

ما هي العلاجات المتاحة في البحرين؟

- كل علاجات العقم متاحة بالبحرين وبنسب نجاح عالية، مما جعل البحرين قبلة للسياحة العلاجية من مختلف دول الخليج، ما عدا التبرع بالحيوانات المنوية والبويضات؛ لأنها محرمة ولا نتعامل معها.

بالنسبة إلى تجميد الأجنة، هل تختلف جودة ونسبة نجاح الأجنة المجمدة عن الأجنة الطازجة؟

- في الوقت الحاضر توجد تقنية حديثة للتجميد، وهي لا تؤدي إلى وجود كريستالات من الماء داخل الأجنة المجمدة، وهذا ما يجعلها لا تتضرر كثيراً عند فك التجميد عنها، تبقى أجنة جيدة ويحصل منها الحمل لحالات كثيرة. وهذه الطريقة في التجميد تحافظ على الأجنة والحيامن لسنوات طويلة وليس خمس سنوات فقط كما كان في الطريقة القديمة وقد اتجهنا إلى تجميد الأجنة عوضاً عن الترجيع الطازج؛ حتى نتجنب فرط التنشيط وإصابتها بمضاعفات، إلا إذا أصرت المريضة على استكمال العلاج فهذا أمر آخر، إلا أنا ننصحها بالتجميد لتفادي المشاكل.

وأشير هنا إلى أن البويضات الصالحة للتجميد هي التي تكون في ذات جودة عالية وليس بها تكسرات.

ما الفرق بين عملية التلقيح الصناعي وعملية أطفال الأنابيب من حيث الكيفية لكل منهما؟

- توجد 3 طرق لحدوث الحمل فقط، إما أن يتم الحمل عن طريق المعاشرة الزوجية الطبيعية، والطريقة الثانية هي أن نأخذ الحيوانات المنوية ونختار الجيد منها ونحقنها داخل الرحم لنقرب الحيوانات المنوية من البويضات، وهي بدورها تكمل طريقها للبويضة، وهذا ما يسمى بالتلقيح الصناعي، أما الطريقة الثالثة، وتسمى بأطفال الأنابيب، فيتم سحب البويضات بالخارج وتلقيحها بالمعمل حتى تصبح أجنة وبعدها يتم إرجاعها داخل الرحم.

علميّاً... هل يوجد ربط بين تكرار عمل عملية التلقيح الصناعي أو أطفال الأنابيب وزيادة نسبة نجاحها؟

- إذا تم اللجوء لعملية التلقيح الصناعي 3 مرات ولم يحصل منها الحمل فتعتبر وسيلة غير مجدية لهذين الزوجين، فنلجأ حينها لوسيلة أطفال الأنابيب، ولكن في بعض الحالات أطفال الأنابيب تعتبر هي الحل دون غيرها من الوسائل، وذلك في حالة ما إذا كانت الحيوانات المنوية ضعيفة، وخصوصاً كما وضحنا أن الحيوان المنوي يحتاج في عملية التلقيح الصناعي إلى الجهد لتلقيح البويضة داخل الرحم، ما يعني أن الإقدام عليها في مثل هذه الحالات هو تضييع للمال والجهد والوقت، نعم إذا كانت الحيوانات المنوية ذات حركة جيدة ويحصل جماع ولم يحدث حمل نلجأ حينها إلى التلقيح الصناعي.

وإذا تم تكرار عملية التلقيح الصناعي لثلاث مرات ولم تنجح فنعتبرها حينها غير مفيدة، أما بالنسبة إلى أطفال الأنابيب فحتى مع التكرار فإنها تحافظ على نسبة نجاحها بدون أن تتغير هذه النسبة.

يتخوف البعض من الإقدام على إحدى الوسائل المساعدة للإنجاب بسبب كلام يسمعه من هنا وهناك. هل هناك فرق بين مواليد الحمل الطبيعي ومواليد الحمل باستخدام الوسائل المساعدة من حيث التشوهات والنمو والصحة بشكل عام؟

- لا يختلف مواليد الحمل الطبيعي عن مواليد الحمل باستخدام إحدى الوسائل المساعدة، وتوجد نسبة عالمية للتشوهات أو الأمراض الوراثية سواء تلقيح البويضة عن طريق المعاشرة الزوجية أو عن طريق التلقيح الصناعي او عن طريق أطفال الأنابيب.

لكن أخذ البويضة خارج الجسم إلى أماكن، وإلى ضوء، وإلى حرارة مختلفة عن الجسم وخروجها من الجسم يؤدي إلى زيادة فرصة إسقاط أعلى في أطفال الأنابيب من الحمل الطبيعي، ففي الحمل الطبيعي من كل النساء نسبة الإسقاط 15 في المئة، لكنها في أطفال الأنابيب تتراوح بين 20 و25 في المئة، لكن يمكن تفادي هذا الأمر باستخدام المثبتات.

في نهاية لقائي أحب أن أوجه التحية والشكر إلى القيادة الرشيدة لمملكتنا الحبيبة البحرين، جلالة الملك المفدى، وسمو رئيس الوزراء، وسمو ولي العهد للجهد الكبير الذي بذلوه في دعم القطاع الطبي الخاص وخصوصاً في مجال علاج العقم وأطفال الأنابيب الذي شهد طفرة كبيرة ونجاحات فائقة، وهذا الجهد توج بوضع البحرين في مصافِّ الدول الجاذبة للسياحة العلاجية.