يتفق المذهب السني مع المذهب الجعفري في جواز التلقيح الصناعي بشكل عام إذا تم ذلك وفق ضوابط شرعية حددتها الشريعة المقدسة، مع بعض الاختلافات في بعض صور التلقيح الصناعي الأخرى التي تتم بتدخل خارجي غير الزوجين كأخذ بويضة امرأة أجنبية وزراعتها بعد تلقيحها في رحم الزوجة.
«الوسط» حاورت رئيس الدائرة الشرعية بمحكمة التمييز وخطيب جامع أحمد الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان، والذي أشار إلى جواز عمليات التلقيح الصناعي إذا توافرت فيها شروط شرعية معينة، مؤكداً في الوقت ذاته، أن التلقيح الصناعي له صور متعددة، منها الجائز ومنها المحرم. وفيما يلي نص اللقاء مع القطان:
ما هو الحكم الشرعي بالنسبة إلى إجراء عمليات التلقيح الصناعي؟
- الحمل بواسطة التلقيح الصناعي أو ما يسمى بطفل الأنبوب له صور متعددة، منها الجائز ومنها المحرم، ومن ذلك: أن تؤخذ نطفة من زوج، وبويضة من مبيض زوجته فتوضعان في أنبوب اختبار طبي حتى تلقّح نطفة الزوج بويضة زوجته في وعاء الاختبار، ثم بعد أن تأخذ اللقيحة بالانقسام والتكاثر تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة، لتعلق في جداره، وتنمو وتتخلق ككل جنين.
فهذه الصورة أجازها كثير من أهل العلم وفق بعض الضوابط الشرعية، يأتي ذكرها، وصدر بذلك قرار من مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة 1404هـ، ومما جاء فيه: (إن الأسلوب الثالث ـ الذي تؤخذ فيه البذرتان الذكرية والأنثوية من رجل وامرأة زوجين أحدهما للآخر، ويتم تلقيحها خارجياً في أنبوب اختبار، ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة، هو أسلوب مقبول مبدئياً في ذاته بالنظر الشرعي، لكنه غير سليم تماماً من موجبات الشك فيما يستلزمه، ويحيط به من ملابسات. فينبغي ألا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى، وبعد أن تتوفر الشرائط العامة الآنفة الذكر).
(1) إن انكشاف المرأة المسلمة على غير من يحل شرعاً بينها وبينه الاتصال الجنسي لا يجوز بحال من الأحوال، إلا لغرض مشروع يعتبره الشرع مبيحاً لهذا الانكشاف.
(2) إن احتياج المرأة إلى العلاج من مرض يؤذيها أو من حالة غير طبيعية في جسمها تسبب لها انزعاجاً، يعتبر ذلك غرضاً مشروعاً يبيح لها الانكشاف على غير زوجها لهذا العلاج، وعندئذ يتقيد ذلك الانكشاف بقدر الضرورة.
(3) كلما كان انكشاف المرأة على غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي مباحاً لغرض مشروع، يجب أن يكون المعالج امرأة مسلمة إن أمكن ذلك، وإلا فامرأة غير مسلمة، وإلا فطبيب مسلم ثقة، وإلا فغير مسلم، بهذا الترتيب.
ولا تجوز الخلوة بين المعالج والمرأة التي يعالجها إلا بحضور زوجها، أو امرأة أخرى.
وقرر المجمع أيضاً (أن حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل، وحاجة زوجها إلى الولد تعتبر غرضاً مشروعاً يبيح معالجتها بالطريقة المباحة من طرق التلقيح الصناعي). كما صدر قرار مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1407هـ يتضمن جواز هذا الأسلوب من أساليب التلقيح الصناعي.
هل يجوز تلقيح بويضة المرأة بغير ماء زوجها، وذلك في حالات العقم التام للزوج؟
- يحرم تلقيح بويضة المرأة بغير مني زوجها وهذا محرم بإجماع المسلمين، وهو من جنس الزنا، كونها تأخذ منياً من غير زوجها، وتحقنه فيها لعلها تحمل بمني هذا الرجل الأجنبي فهذا منكر ولا يجوز فعله، ويجب على الدولة إذا ثبت ذلك أن تنزل العقوبة الشديدة لمن يرتكب هذا المنكر.
أما إذا أخذ ماء الزوج والزوجة جميعاً، وجعلا في أنبوب حتى يمتزجا ويختلطا على صفة خاصة عند الأطباء، ثم يحقن الماءان في رحم المرأة، فهذا قد أجازه كثير من أهل العلم. مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة في هذه العملية.
والولد ليس هو كل شيء في الحياة بلا شك، والمطلوب من الإنسان العقيم أن يصبر ويحتسب، وأن يجأر إلى الله بالدعاء، وبالذكر والاستغفار، والله عز وجل يقول على لسان نوح عليه السلام:
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) وجاء رجل إلى الحسن بن علي رضي الله عنه، فقال له: إني فقير، فادعو الله أن يرزقني، فقال: عليك بالاستغفار، وجاءه آخر وقال له: إني عقيم، فادعو الله أن يأتيني الولد، فقال: عليك بالاستغفار، فلما انصرف السائلان سأله التلاميذ: لماذا أجبت الاثنين بهذا؟ فتلا قول الله: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ... الآية).
وهل يجوز تلقيح البويضة التي تعود لامرأة أجنبية ثم زراعتها في رحم الزوجة؟
- لا شك في حرمة هذا التلقيح لأنه يكون في امرأة أجنبية ثم يزرع في رحم زوجة لا علاقة لها بالجنين الذي سيتخلق في رحمها ولم تشارك فيه لا هي ولا زوجها إلا في حمله وتغذيته وولادته، وقد قرر الفقهاء حرمة ذلك ووجوب تعزير من يقوم به ويشارك فيه.
هل يجوز القيام بعملية تجميد الأجنة؟
- اختلف العلماء في هذه المسألة وهي عملية تجميد الأجنة للزوجين بين محرم ومجيز نظراً لاختلافهم في مدى الاطمئنان لبقاء البويضة الملقحة في بنوك الأجنة، دون تعرضها لاختلاط أو عبث أو انتفاع الغير بها، مما يوقع الإنسان في الإثم، أو يعرض نسبه للاختلاط، فإن كان هناك من سبيل للتحفظ من هذه المحاذير، فلا حرج ـ إن شاء الله ـ في تجميد الأجنة.
بحيث لا يجوز التلقيح إلا أثناء حياة الزوجين، فحمل المرأة دون زوج هو من بيِّنات الزنا، وفيه الحد إن كان نتيجة المعاشرة الجنسية، وفيه العقوبة التعزيرية الشديدة إن كان الحمل بغير المعاشرة الجنسية، أي بإدخال البويضة الملقحة في الأنبوب إلى رحم الزوجة بعد وفاة زوجها، فيكون الحمل بعد وفاة الزوج.
وترى دار الإفتاء المصرية أن القيام بعملية تجميد الأجنة ليس فيه محظور شرعي، إلا أنها قيدت هذه الإجازة ببعض الضوابط، وهى أن تتم عملية التخصيب بين زوجين، وأن يتم نقل البويضة المخصبة «اللقيحة›› إلى رحم الزوجة أثناء قيام الزوجية بينها وبين صاحب الماء، بينما لا يجوز ذلك بعد انفصام عرى الزوجية، سواء بالوفاة أو الطلاق أو غيرهما.
وشددت على ضرورة حفظ هذه اللقائح المخصبة بشكل آمن تماماً تحت رقابة مشددة، بما يمنع ويحول دون اختلاطها عمداً أو سهواً بغيرها من اللقائح المحفوظة.
كما اشترطت ألا يتم وضع البويضة المخصبة في رحم امرأة أجنبية، غير رحم صاحبة البيضة الملقحة لا تبرعاً ولا بمعاوضة، وألا يكون لعملية تجميد الأجنة آثار جانبية سلبية على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التي قد تتعرض لها في حال الحفظ، كحدوث التشوهات الخلقية، أو التأخر العقلي فيما بعد.
وأرى أنه لامانع من تجميد الأجنة بالضوابط الشرعية المذكورة.
العدد 5272 - السبت 11 فبراير 2017م الموافق 14 جمادى الأولى 1438هـ