اختلف فقهاء القانون الدستوري في شأن تحديد السلطة التي تملك الحق في تعديل الدستور وتعددت الآراء حول تحديد السلطة المختصة بتعديل الدستور فرأي يجعل سلطة التعديل حق لجميع أفراد الشعب في حين يرى اخرون أن سلطة التعديل هي من حق ممثلي الشعب ويقرر اتجاه ثالث إلى أن الدستور هو الذي يحدد السلطة المختصة بالتعديل.
الاتجاه السائد الآن في الفقه الدستوري الحديث يتجه إلى إسناد مهمة تعديل الدستور إلى الجهة التي حددها الدستور نفسه وتسمى في القانون الدستوري «السلطة التأسيسية» المنشأة ويناط بها مهمة تعديل الدستور.
وحيث أن دولة البحرين استطاعت بفضل توجيهات القيادة إلى إرساء الدولة الحديثة القائمة على التوجه الديمقراطي ودولة المؤسسات الدستورية وسيادة القانون فقامت بإدخال تحديث في دستور البلاد من خلال الميثاق الذي هو وثيقة سياسية تتضمن إقتراحات بتعديلات على نصوص الدستور. وتنحصر هذه التعديلات الأساسية في تغيير مسمى البحرين من دولة إلى مملكة وإدخال نظام المجلسين وما يتبع ذلك من إضافات وتغييرات لتحقيق النهج الديمقراطي الذي تؤكده المشاركة السياسية الدستورية بين الشعب والحكومة والفصل بين السلطات الثلاث وتعزيز آليات السلطة القضائية وإنشاء المحكمة الدستورية وديواني المراقبة المالية والإدارية مثلما أكدته وثيقة الميثاق.
ولعل انشاء المحكمة الدستورية هو من أكثر المواضيع التي يثار حولها الجدل بين أوساط القانونيين والمهتمين في الشئون القانونية لما في أمر انشاء المحكمة الدستورية تحقيق لأكبر قدر من الاستقلالية للسلطة القضائية واستكمالا للأطر السياسية والدستورية. ونصت المادة 106 من الدستور المعدل على أنه «تنشأ المحكمة الدستورية من رئيس وستة أعضاء يعينون بأمر ملكي لمدة يحددها القانون وتختص بمراقبة دستورية القوانين واللوائح ويبين القانون القواعد التي تكفل عدم قابلية أعضاء المحكمة للعزل ويحدد الإجراءات التي تتبع أمامها أو تكفل حق كل من الحكومة ومجلس الشورى ومجلس النواب وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم في الطعن لدى المحكمة في دستورية القوانين واللوائح. ويكون للحكم الصادر بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة أثر مباشر، ما لم تحدد المحكمة لذلك تاريخا لاحقا، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأن لم تكن، وللملك أن يحيل إلى المحكمة ما يراه من مشروعات القوانين قبل إصدارها لتقرير مدى مطابقتها للدستور، ويعتبر التقرير ملزما لجميع سلطات الدولة وللكافة».
ومن هذا النص نجد أن المادة فرقت بين حق كل من الحكومة ومجلس الشورى ومجلس النواب والأفراد من جهة وبين الملك في الطعن في دستورية القوانين فأعطت في فقرتها الأولى الحق للحكومة والمجلس الوطني وكل من تضرر من الأفراد حق الطعن لدى المحكمة الدستورية في دستورية القوانين واللوائح وذلك ما يعرف في القانون الدستوري بالرقابة القضائية. وتتعدد أساليب الرقابة القضائية إلى:
1- رقابة الإلغاء: أو الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية والتي تعد أكثر عدالة وفاعلية وتأكيدا على مبدأ الشرعية وسمو الدستور وتتمثل في قيام صاحب الشأن المتضرر من القانون بالطعن فيه مباشرة أمام المحكمة المختصة طالبا إلغاءه لمخالفته نصا تشريعيا، ويكون حكم المحكمة ذا حجية مطلقة ويسري على الجميع. وعموما فإنه لا يجوز اللجوء إلى أسلوب رقابة الإلغاء إلا بناء على نص صريح في الدستور يحدد المحكمة المختصة، وتختلف الدساتير في الجهة التي توكل إليها مهمة الرقابة على دستورية القوانين. فبعض الدساتير يوكل هذه المهمة إلى أعلى محكمة في النظام القضائي بينما توكل دساتير أخرى هذه المهمة إلى محكمة دستورية مختصة مثل الدستور البحريني المعدل الذي أوكل مهمة الرقابة إلى المحكمة الدستورية بموجب المادة 106.
2- رقابة الامتناع: وهو الاسلوب الثاني في الرقابة القضائية أو كما يعرف في القانون الدستوري بالرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية ويفترض أن تكون هناك دعوى منظورة أمام أحدى محاكم الموضوع فتمتنع تلك المحكمة عن تطبيق القانون المخالف للدستور بناء على دفع يقدمه صاحب المصلحة وعليه فإن تلك المحكمة التي تمتنع عن تطبيق القانون لمخالفته الدستور لا تلغي ذلك القانون لإنها لا تملك تلك السلطة ولا يقيد قرارها أي محكمة أخرى وليس لقرارها إلا حجية نسبية ويتطلب من تلك المحكمة أن تحيل الأمر إلى المحكمة الدستورية للفصل فيه. وعلى رغم أن النص في المادة 106 جاء عاما مطلقا اذ أنه لم يبين حق قاضي الموضوع الذي ينظر الدعوى الأصلية في إحالة موضوع وفحص الدستورية إلى المحكمة الدستورية من تلقاء نفسه أو بالأحرى هل يجوز لمحاكم الموضوع أمام عدم دستورية قانون (سواء من تلقاء نفسها أو موجب دفع مبدى من أحد الأفراد) أن تحيل ذلك القانون إلى المحكمة الدستورية لتفصل فيه؟
أما حق الملك الذي قررته الفقرة الثانية من المادة 106 في إحالة مشروعات القوانين قبل إصدارها لتقرير مدى مطابقتها للدستور فهذا ما يسمى بالرقابة الوقائية.
3- الرقابة الوقائية: هي أحد أنواع الرقابة السياسية التي تسبق صدور القانون للتأكد من مطابقة مشروعات القوانين للدستور قبل إصدارها، ولا توجه الرقابة السياسية أو الوقائية إلا على مشروعات القوانين وليس على دستورية القوانين وهذا الأسلوب في الرقابة يمنع صدور أي قانون مخالف للدستور.
من الواضح أن المشروع البحريني وفي محاولة موفقة منه أنه جمع بين الرقابة القضائية والرقابة السياسية وذلك ليتفادى العيوب أو الانتقالات الموجهة للرقابتين والحصول في الوقت نفسه على المزايا التي تتميز بها الرقابتين، فضلا عن ذلك فإن اناطة مسئولية الرقابة على دستورية القوانين للمحكمة الدستورية وحدها من دون محكمة الموضوع هو الأكثر انسجاما إلى الأخذ بمبدأ المركزية في الرقابة التي هي من أهداف الدستور.
وتبقى مسألة أخيرة ومهمة وهي تشكيل المحكمة الدستورية وهل ستكون عناصرها قضائية فقط أم سيشرك الملك بموجب الأمر الملكي عند تعيين أعضائها عناصر أخرى سياسية كأعضاء من المجلس الوطني كأحد الضوابط التي يؤخذ بها عند تشكيل المحكمة الدستورية، أو إشراك أعضاء ذات اختصاصات مهنية وكفاءات عالية في تشكيل المحكمة الدستورية... تلك الامور لابد أنه سوف يتم تحديدها عند صدور قانون المحكمة الدستورية
العدد 59 - الأحد 03 نوفمبر 2002م الموافق 27 شعبان 1423هـ