أكملت البحرين بجرأة ونجاح واضحين قرارها بالعودة إلى الحياة البرلمانية بعد أكثر من ربع قرن على تعليقها اذ انهت بهدوء تام وبأداء متقن، انتخاب أول مجلس نواب لها بعد ثلاثين عاما من أول وآخر انتخابات نيابية عرفتها البلاد بعد استقلالها في العام 1971. وسيشكل هذا المجلس نصف المؤسسة التشريعية البحرينية التي تضم أيضا مجلس شورى معين من 40 عضوا يسميهم الملك في وقت لاحق.
لكن الاخفاق في إيصال امرأة لهذا المجلس عن طريق الانتخاب في مجتمع يعد الأكثر تقدما وانفتاحا بين دول الخليج الست ساهم في سرقة بعض البريق في هذه التجربة المهمة التي صادرت التحجيمات الدستورية، وما تسببته من مقاطعات وانتقادات، بعض بريقها الواعد كما جسده قبل عامين صدور ميثاق العمل الوطني.
وتشير معطيات الى ان شخصيات بحرينية متنفذة تشعر بالانزعاج سلفا من ان هذه الانتخابات لن تنجب إلا برلمانا مؤجلا على صعيد الصلاحيات التشريعية وحتى الرقابة مما يترك المشكلات السياسية والاقتصادية كافة التي تعانيها البلاد معلقة هي أيضا، لكن العودة البحرينية الى الحياة الدستورية الديمقراطية تظل على رغم نواقصها، مكسبا مهما بالنسبة لطموحات الشعب البحريني، وحاجة كبرى إلى هذه البلاد ودول المنطقة لاسيما الخليجية، ومهما كانت نتيجة هذه الانتخابات فإنها أظهرت وعيا بحرينيا عاليا من كل الأطراف في الواقع، وفي مقدمتها القوى التي قاطعت الانتخابات، تجسد في الحرص المعلن والواقعي على انجاح تجربة في التطور السياسي تبدو نادرة في المنطقة.
كما ان مساواة المرأة بالرجل في الحقوق الانتخابية كافة يجعل الصيغة البحرينية في هذا المجال في موقع أرقى بكثير نوعيا ورمزيا من منافستها الوحيدة في المنطقة، أي الصيغة الكويتية التي تتفوق بدورها بالصلاحيات التي تمنحها إلى مجلس النواب وقلصتها تعديلات دستورية شهدتها حديثا البحرين. وهو تفوق مرحلي على الأرجح نظرا لأن الأطراف البحرينية كافة كما يبدو لا ترفض فكرة التطور التدريجي للتجربة الجديدة باتجاه الاكتمال ولكل أجندته ولكل أسبابه الحقيقية او المصطنعة في تبرير موقفه.
ولقد كان لافتا ان يبادر ولي العهد القائد العام لقوة الدفاع الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة قبل أيام الى شكر مقاطعي الانتخابات على مستوى معارضتهم، مؤكدا على أنه «إذا كان هناك خوف وشك من جانب المعارضين في نوايا الحكومة فإن هذا المجلس المقبل سيكون المحك وعلينا انتظار النتائج وماذا سيحصل بعد قيام المجلس النيابي من تفاعل بينه وبين قضايا المجتمع «مؤكدا أن السنوات المقبلة ستشهد تطور المؤسسة التشريعية في بلاده الى المستويات السائدة في الديمقراطيات الأوروبية.
يذكر أن دولة البحرين كانت حلت أول برلمان منتخب في العام 1975 بعد عامين من انتخابه واستبدلته بمجلس شورى شكلي تابع للحكومة، أجرت قبل عامين ونصف استفتاء عن ميثاق للعمل الوطني حدد خطط أمير البلاد الذي تولى مقاليد الحكم في البحرين عقب وفاة والده العام 1999 لاحداث إصلاحات دستورية، وصوت 98,4 في المئة من البحرينيين لصالح الميثاق، أعقبه بعد عام إعلان البحرين مملكة دستورية بمجالس بلدية منتخبة ومجلس نواب، كما ألغي قبل ذلك قانون أمن الدولة وأطلق سراح المعتقلين وأُصدر عفو عام عن المعارضين في الخارج.
واجمالا تحرص جماعات المعارضة على التحلي بروحية سياسية واقعية من دون التخلي عن إمكان النجاح في إقناع قيادة البلاد بالموافقة على منح مجلس النواب المنتخب صلاحيات تشريعية حقيقية عبر العودة تدريجيا او جزئيا الى صيغة معدلة من دستور 1973. ولنضج سياسي صقلته معاناة المنافي، يشدد قادة المعارضة من الإسلاميين واليساريين على حد سواء على أهمية السلم الأهلي والعمل السياسي القانوني رافضين أشكال العنف والتطرف كافة كما يؤكدون ضرورة الوحدة الوطنية والابتعاد عن الدعوات الطائفية معلنين تمسكهم بمشروع الإصلاح الذي طرحه ملك البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة.
أما الآن فالانظار تتجه الى تشكيلة الحكومة المقبلة وعدد المناصب التي ستذهب الى افراد معينين وما إذ كان وجودهم الدائم على رأس عدد من الوزارات الرئيسية مثار انتقادات واسعة، كما أن المعارضة تشدد على ضخامة ظاهرة الفساد الإداري والمالي في أجهزة هذه الدولة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 700 ألف نسمه منهم نحو 30 في المئة من العاملين المغتربين، والطامحة في أن تكون المركز المالي لمنطقة الخليج كلها والواقعة في مفترق تقاطع مصالح معقدة لا تحصى لقوى دولية وإقليمية ليس السعودية والعراق وإيران والولايات المتحدة إلا أبرزها
العدد 59 - الأحد 03 نوفمبر 2002م الموافق 27 شعبان 1423هـ