هناك من يقول: ان كل شيء في البحرين أصبح يتجه نحو خدمة الطبقة المترفة بما في ذلك البرلمان البحريني اللهم إلا من رحم ربك. وهناك من راح يندب حظه وحظ المجتمع الذي أريد له دائما أن يكون الحلقة الأضعف وهو يلعن السياسة متذكرا كلام محمد عبده عندما كان يردد «أعوذ بالله من السياسة، ومن لفظة السياسة، ومن ساس ويسوس وسائس ومسوس».
وهناك من راح يردد كلمة غوستاف لوبون في كتابه (سيكولوجية الجماهير» عندما كان يقول «الفقراء دائما هم أقل حظوة ساعة توزيع الغنائم»... وهناك من بلغ به عدم القبول إلى توصيف البرلمان الجديد بـ «برلمان التجار».
بمعزل عن صحة ما يقال أو خطئه فإنه يعكس حالة نفسية قد تحيط بها حالة من الاحباط يعيشها قسم من الشارع لا يمكن الاستهانة به وليس بالضرورة ان يكون هؤلاء أصحاب لونٍ سياسي أو مناطقي واحد، ولكن هي حقيقة أن (البرلمان البحريني) يحتاج إلى منشطات رقابية كبيرة وتغيير شرايين بعض مواده حتى لا يصاب بسكتة قلبية لدى أول مرثون مشروعي جديد وأمام أول اختبار ان كان هناك ثمة اختبار.
البعض كان يقول: انه الوجه الآخر لشورى التسعينات وان كان يرى ان الثاني (مجلس الشورى في التسعينات) يمتاز بأعضاء أكثر كفاءة وتمرسا على رغم تواضع هذا التمرس.
ولعل جزءا من هذا الاحباط يأتي نتيجة شعور كثير من المحبطين بأن السنين التي مرت وخلال 25 عاما من الاغتراب السياسي والغبن الاجتماعي كانت القوانين والامتيازات دائما ما تأتي وتقنن لخدمة 10 من المجتمع البحريني وهم طبقة التجار ورجال الأعمال وأصحاب المصالح المشتركة مع السلطة في حين يذهب المواطن هائما على وجهه يبحث عن واقع أفضل حتى التجأ إلى البحث عن واقع أفضل بعد أن ملّ (سياسة المخاتير) أو سياسة «الباب المفتوح» هنا التجأ إلى (البرلمان) على أن يكون (هو الحل) فلربما يرفع من قدره أو يستطيع ايصال نواب يترافعون عنه وعن قضاياه. هذا البعض وكل هذا اللهث وراء البرلمان هو من أجل أن يؤمن له ولو جزءا من الكعكة الاقتصادية التي لم يبقِ له التجار منها سوى قطعة لا تسد حتى رمق الجوع أما وقد أصبح البرلمان في يد التجار فماذا عساه أن يفعل؟. هل أصبح كمن استجار من الرمضاء بالنار؟ وخصوصا انه شهد على رغم تفوق برلماناتنا العربية على برلماننا الحالي ولو نسبيا مستوى ترافع النواب ـ كما يحدث في الكويت ـ عن مناقصاتهم، عن تجارتهم... حتى تحول جزء من البرلمان إلى سوق للبورصة والتجارة وتبادل المناقصات.
طبعا هذا الشعور ليس لكل نائب تاجر فبعض التجار وان كانوا قلة يمتلكون تاريخا مكتنزا ولو بشيء من المواقف الوطنية. التجنيس أصبح يؤرق البحرينيين فكيف نشكوه برلمانيا وقد وصل بعض المتجنسين إلى مقاعد البرلمان؟ هذه مفارقة من مفارقات اوال (عين عذاري) ان تصبح للتجنيس حصانة برلمانية!!!
لعلنا قرأنا شعر شاعرنا (... والنعيم لغيرهم فكأنها والحال عين عذاري). رحت اقرأ قوانين الجنسية لدولنا العربية والغربية فلم أر قانونا واحدا يعطي حق الترشيح لمستوطن سنة أولى جنسية فقلت لعلها من مفارقات وامتيازات نظرية (عين عذاري) التي (تسقي البعيد) حقيقة ان الملفات العالقة كبيرة ولكن هل بإمكان برلماننا الجديد ان يهضمها كلها أم أنه سيعاني عسر الهضم ام سيكون مثالا لتلك الحادثة العربية المصرية عندما سأل أحد المواطنين مواطنا آخر:
- هل سمعت نكتة النائب الذي نجح تحت قبة مجلس الشعب في اسقاط بعض مشروعات. قوانين الحكومة؟
لا.
- ولا أنا لكنها نكتة حلوة.
هذه نكتة سياسية تمثل الحال المأسوية التي وصلت اليها الديمقراطية العربية... حقيقة نحن أخذنا كل شيء عن الغرب وزايدنا عليه من ذلك (اللباس) و(الأكل) و(الثقافة) سوى الديمقراطية. فعلى رغم تحفظنا على جزء من الديمقراطية من الزاوية السلبية فإننا حتى الايجابية التي تتناسب مع خصوصيتنا رحنا نشوهها ونأتي بها مفرغة من الداخل.
فلهذا لا تعجب من ان تكون الديمقراطية العربية ديمقراطية التجار والبزنس والعقارات وتبادل التحيات وتنوع المناقصات.
وهذا عيبنا كعرب نقنع أنفسنا بأي شيء لذلك نلتجئ إلى الشكل دون معالجة اسباب الأزمة فنزيد الاحباطات الاجتماعية احباطات جديدة، ونراهن دائما على تزييف المثقفين...
انا أؤمن بالتغيير الذي يفرض توازنا خاصا متناسبا يقي التجارب من المنزلقات الخطيرة ولكن يجب ألا يكون بطريقة مبالغ فيها تصل إلى درجة الهوس وعقدة الفوبيا والخوف من تملك الآخر الممثل لإرادة الناس اي صلاحية فنقع في المأزق ذاته هذه ثقافة بعض رجال أعمالنا، أحد التجار يعتقد أن شكسبير ماركة سيارات هكذا خانته ثقافته السياسية ان كانت هناك ثمة ثقافة والبعض كان يرى ان بيع الفلافل قد يوصله ويؤهله لكتابة التاريخ بل انه سيعلمنا التاريخ والبعض الآخر على رغم ولادته بين «الجات»» ذهب إلى حد لم يبلغه أحد في «الهيام والافتتان» بحب الارض والعجب الاكبر عندما ذهب احدهم إلى الرد في الصحافة وبهجوم ليس له حدود لانتقاد من ينتقد ظاهرة التجنيس. هجوم على كل من يريد ان ينال من (وطنه) بعض المتجنسين.
ليس ذلك غريبا وخصوصا إذا وجدنا في مجتمعنا من راح يستخدم الشرع غطاء مسيسا فليس ذلك غريبا، فتاريخنا الحديث حدثنا عن (داعية) كان يعلم الناس (القيم الاخلاقية) و(الحلال والحرام) وعن (حرمة أكل الخنزير) الا انهم في يوم من الايام رأوه على حين غرة متخفيا وهو يأكل لحم خنزير فلما اشكلوا عليه ذلك قال: «لا، أبدا هذا ليس خنزيرا انه خروف يضع على فمه كمامة!!» هكذا هي الفتوى يتغير جلدها بتغير الزمان والمكان ما كان حراما بالأمس سيتحول واجبا اليوم وإن عشت أراك الدهر عجبا.
لقد كان يوصي الكاتب الشهير أحمد بهجت النواب المصريين بوصايا بعضها كان لاذعا لكنهم كانوا متفقين على أن مبعث كلامه هو الحرص على الوطن والمواطن وكان هذا المبعث الشفيع له من أي زعل أو إزعاج يسببه نقد. لذلك كان يقول:
«ليس دور البرلمان ان يمارس هواية جمع امضاءات الوزراء على الطلبات مقابل عمولات ولا ان تستعمل الحصانة فيه من اجل ان يتخذ منها النائب رداء ليليا وفي يديه سلسلة مفاتيح».
ما نتمناه لديمقراطيتنا المحلية ألا تصبح كغيرها من الديمقراطيات العربية إذ عرفت الديمقراطيات العربية بديمقراطيات الاستثناءات وعرف نوابها (ليس الجميع وانما على صورة التغليب) بنواب المناقصات ونواب العمولات ونواب التجارة. وجزء من الديمقراطية الكويتية ـ على رغم بعض إيجابياتها ـ كانت تسمي البعض منهم بـ (نواب الخدمات).
نتمنى عدم حصول ذلك في ديمقراطيتنا المحلية على رغم ان الامنيات لا تغير الواقع السياسي وقديما كان يقال: ان طريق جهنم محفوفة بالنيات الحسنة.
إن أحد جيراننا آسيوي حصل على الجنسية المحلية هل تصدقون كان يفكر في ترشيح نفسه لولا ضعف اللغة وصعوبة إجادة (اللهجة البحرينية) وهناك من نصحه بخطورة الإقدام على ذلك لأن ذلك يعني إصابة ديمقراطيتنا الكريمة في مقتل. وما يدريك لعله يفوز كما فاز غيره. ولكن المشكلة الكبرى هي في تكرس نظـرية (عين عذاري). مساكين أهل (مروزان)!!!
ليس ما أقوله نوعا من جلد الذات (المازوشية) أو بكاء على اللبن المسكوب فاذا كان هناك ثمة كأس فليس هناك ثمة لبن وانما هو بكاء وطني معتدل كنت اخفيه على أمل ان تكون هناك قناعة بالديمقراطية. اما وقد وضعت في يد بعض المتجنسين ليترافعوا عنا وعن (وطنيتنا) و(وطننا) فذلك ما لا يمكن تبريره.
اسمحوا لي بكائي هذا في هذا (الفرح الوطني) الكبير ولهذا (الكرم العذاري) وتهانينا لكم وللأرض ولكرم الضيافة ولـ (إخواننا العرب) على (وطنيتهم). تهانينا.
واسمحوا لي حدتي فإن بعض الأسماء أو أكثرها تحرج حتى المعتدل
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 59 - الأحد 03 نوفمبر 2002م الموافق 27 شعبان 1423هـ