قبل 27 عاماً حدث أمرٌ غيَّر طعم الحياة لملايين البشر. ففي مثل هذا اليوم (11 فبراير) من العام 1990 أفرِجَ عن الزعيم الإفريقي والمناضل الكبير نيسلون مانديلا بعد 27 عاماً قضاها في السجن. عندما اعتقِل مانديلا كان عمره 46 عاماً. أي أنه عندما خَرَجَ من السجن كان يبلغ الـ 73 من العمر. وللوهلة الأولى يبدو أنه رقم مرعب، إذ إن مَنْ يبلغ ذلك «قد» لا يمكنه فعل شيء في خريف العمر.
لكن ذلك ليس صحيحاً. فقد عاش مانديلا بعد ذلك 22 عاماً، صار فيها رئيساً لبلاده جنوب إفريقيا، وأيقونة لطلاب الحرية فيها وفي العالم أجمع. وعلى المستوى الشخصي، فهو لم يرحل عن الحياة إلاّ وقد أنجَبَ وَلَدَيْن هما: ماديبا وماغاتو، و4 بنات هن: ماكازيوي الأولى والثانية وزيناني وزيندزي، وعشرات الأحفاد، وأحفاد الأحفاد، ورفقيات دربٍ طويل هن: ايفلين ماس ونومزامو وينيفرد ماديكيزيلا ومابوتو غراسا ماشيل. بل إن بعضهم مات في حياة مادنيلا كـ ماديبا وماكازيوي الأولى.
عندما بدأ مانديلا النضال، لم يكن هناك شيء محدّد يدفعه لأن يناضل، فقد كان كل شيء يدلّ على أن الظلم واقع على فئة محددة من الناس وهم السُّود، الذين كانوا مُهدَّدين بالإيقاف والاعتقال في أي لحظة. كانت العنصرية والتمييز والقوانين المكبلة لحياتهم أمرٌ لا يستره شيء، لذلك، كان مانديلا يقول بأن الإفريقي حين يُولَد في جنوب إفريقيا فإنه يُولَد مُسيّسا سواء أقرّ بذلك أم لم يقر.
كان يقول: «آلاف الاستخفافات وآلاف الإهانات وآلاف اللحظات المنسيّة تجمَّعت لتثير في نفسي الغضب وروح التمرّد والرغبة في مناهضة النظام الذي عَزَلَ قومي واستعبدهم». لذلك «لم تظهر أمامي علامة في السماء ولم أتلق وحياً ولم أُلهَم الحقيقة في لحظة معينة»، كي يبدأ مانديلا نضاله السياسي وعبر المؤتمر الوطني الافريقي، الذي شُكِّل كي يمسح دموع الأفارقة ويربت على أكتافهم.
كان مانديلا يؤمن بأن نضاله يجب أن يكون «سياسياً». وكان يصف وولتر سيسولو أحد زعماء النضال السياسي والذي كان قدوة لمانديلا بأوصاف يجب أن يتوقف عندها المرء. كان يقول عنه بأنه «لم يكن يفقد السيطرة على نفسه عند الأزمات. وكان يلوذ بالصمت عندما يصرخ الآخرون». كان ذلك الوصف كفيلاً بأن يعرف مانديلا كيف يتحدث ويتعاطي الشأن السياسي وهو مُعارض.
كان أهم ما يُواجه النضال في جنوب إفريقيا أمران. الأول هو الشعور النفسي الذي كان يطغى على غالبية الأفارقة الزنوج، الذين كانوا يشعرون بالنقص أمام الرجل الأبيض، والثاني كان الموقف الدولي مما كان يجري في ذلك البلد. في الأمر الأول، كان المناضلون الأفارقة ينادون بأن إفريقيا هي «قارة الرجل الأسوَد»، وأن على الأفارقة أن يُحسّنوا «صورتهم في أذهانهم» قبل النضال. وكان المحامي الأسوَد أنتون ليمبيدي يقول: «إن لون بشرتي جميل كجمال التربة السوداء في افريقيا الأم».
أما في الأمر الثاني فقد كان النظام الدولي إلى ما قبل الأربعينيات نظاماً لا يكترث أكثر من تسوية الحصص والغنائم في أوروبا. لقد كانت الفاشية قد وصلت إلى الحكم في أهم 3 دول أوروبية وهي ألمانيا وإيطاليا واسبانيا. في الأولى كان هتلر وفي الثانية كان موسوليني وفي الثالثة كان فرانكو الذي طغى خطابه على شبه الجزيرة الإيبيرية. لذلك كان العالم معتماً بما يكفي لكي لا يلتفت أحد للظلم الواقع على شعوب كثيرة في آسيا وجنوب أميركا وكذلك السّود في جنوب إفريقيا.
لكن كل ذلك لم يُثن مانديلا لأن يبدأ مشواراً طويلاً من أجل شعبه. وبعد فجر الـ 05 من ديسمبر سنة 1956 جاءت الشرطة إلى بيته لاعتقاله، وكانت تحمل معها أمر القبض إذ كُتِبَ عليه باللغة الافريقية: HOOGVERRAAD أي الخيانة العظمى. وفي السيارة قال له الضابط الذي جاء لاعتقاله: إنك تلعب بالنار يا مانديلا، فردَّ الأخير: إنها لعبتي المفضلة.
شاهَدَ مانديلا في السجن ما أكَّد عليه شعوره الأول بضرورة النضال: رجال كنيسة وأساتذة جامعات وأطباء ومحامون ورجال أعمال، يقفون. لذلك قال جملته الشهيرة: «ينبغي الحكم على أمة ما من خلال معاملتها أدنى مواطنيها وليس أرقاهم». ومنذ أن عَرَفَ مانديلا الاعتقال لم ينته خلاصه بعد يوم أو مئة يوم أو ألف يوم حتى، بل امتدت المعاناة به إلى 9 آلاف و855 يوماً (27 عاماً) قاسى فيها الأمرَّين، لكنه عَرَفَ معنى الحرية دون أن ينسى مهارته السياسية حين بدأ التفاوض مع عدوه في السجن.
لذلك، عندما أفرِجَ عنه في الحادي عشر من فبراير عام 1990 كان يعرف أين سيذهب وماذا سيفعل، والأهم ماذا يريد أن يقول للطغمة العنصرية التي كانت تحكم جنوب إفريقيا منذ 300 عام. لقد كان هدف الرجل ليس العيش على آلام الماضي والرغبة في الانتقام بل تكريس الشعار وجعله شعوراً يتلمظه السُّود. لذلك، وبعد 4 سنوات تلت الافراج عنه ساهم في الإعداد لانتخابات شعارها «إنسان واحد، صوتٌ». لم يُرِد الانتقام من البِيض ولا من قبائل الزولو وحركة اينكاثا وزعيمها منغوسوتو باثيليزي (وهم من السُّود) والذين وقفوا إلى جانب الحكم العنصري، بل كان يريد أن تكون جنوب إفريقيا أرضاً تَسَعَ السَّجان والمسجون، وهي لياقة إنسانية ما بعدها لياقة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5271 - الجمعة 10 فبراير 2017م الموافق 13 جمادى الأولى 1438هـ
لست عنصريا و لكن تكلم مع السود اليوم و سيقولون لك أن النظام العنصري و فر لهم حياة أفضل لأن الشعارات تختلف عن العمل و المؤتمر الوطني يخرج رؤساء مثل زومبا و الاختلاس و الفساد أكثر و الفقراء يزيدون من غير النخبة الحاكمة و السود لا يملكون إلا فساد نخبتهم التي نادت بالحقوق المسلوبةو فقرا جعلهم يطردون الأفارقة السود من بلادهم لأنهم كما زعموا ينافسونهم في لقمة العيش. ليس كل متحدث بارع قائد ماهر وهناك دول كجنوب أفريقيا لا تتغير إلا بتوافق دول و هذا ما أراده الغرب و كان مانديلا هو من اوراقه.
الله يفرج عن الرجل النبيل.
مقال راقٍ من فكرٍ أرقى
سلمت يمناك و دام فكرك المعطاء
كان منطق الاقلية البيضاء في جنوب افريقيا بأن مانديلا يثير النزعات العرقية بين البيض والسود ويشق الصف في البلد وانه لا يمثل كل السود لذلك عنصر تأزيم!!
مقال رااااائع
شكرا لكاتبنا المبدع
وأنا ايضاً سأغترف غرفة من كلماتك الرائعة ومن دون استئذانك استاذي العزيز
ودائما بريطانيا تقف مع الباطل..
رائع، رائع، رائع!!! تجربة تمثل سنة تاريخية قابلة للتكرر في أي مساحة جغرافيا العالم.
مانديلا كان رمز سياسي جامع و ليس رمز طائفي يفرق المجتمع و يدمره
ورموزنا ماتفرق ولا تنتقم ..هدفها لكل الوطن ..لكن أسفنا على الذي لم يعي رسالتهم للكرامة
هذا انت قلتها رموزكم مانديلا كان رمز جامع و ليس رمز طائفي فالرمز الطائفي يفرق الشعب اما الرمز السياسي الغير طائفي فيجمع الشعب حوله
مقال فيه معاني إنسانية راقية
شكرا أخ محمد علي الإضاءة الجميلة المميزه واسمح لي أن أقتبس بعضها في الانستغرام
كان درس جنوب افريقيا درسا حديثا وموعظة لمن القى السمع وهو شهيد لكن للأسف ونقطة
ولنا أمثاله في بلدنا هم داخل السجون حاليا
دائما كتاباتك راقية
مقال في الصميم
اعجبني
مقال قوي وما يستوعبه إلا ألوا ألألباب