العدد 59 - الأحد 03 نوفمبر 2002م الموافق 27 شعبان 1423هـ

نماذج أخرى من الغربان!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تكلمت في حديث سابق عن الغربان السود، وهم الشعراء الذين كرسوا حياتهم للمديح والتملق والتغرير بمن يقع ضحية أحابيلهم فيصدقهم فيما يقولون، ويقدمون أسوأ تعبير عن تلك الموهبة الجميلة التي منّ الله بها عليهم. ولكن هناك فصائل أخرى من الغربان ، يشاركون الغربان السود في مساوئها ويجيدون نعيقها وإن كانت تنقصها تلك الموهبة.

في القديم كان الشاعر يلعب دورا عظيما في الذب عن عشيرته أو قبيلته، فلذلك كانت القبائل تحتفل بمولد شاعر من أبنائها وتقيم له ما يشبه الأعراس أو الاحتفالات الوطنية بلغة هذه الأيام! كان الشاعر يقوم بدور «وزارة الإعلام» بكل أجهزتها، من إذاعة وتلفزيون وصحافة رسمية، في زمن لم تكن غير الكلمة الرنانة هي التي تدافع عن شرف القبيلة وتصنع لها الأمجاد. فلا عجب أن نقرأ كيف حوّل الشاعر «الساحر» وصفا مقذعا معيبا لصق بقبيلته إلى ما يثير الإعجاب، وبعد أن كانت توصف بـ «أنف الناقة»، حيث تنفث المخاط ويتطاير الرذاذ، حوّلها بحركة بهلوانية «ذكية» إلى النقيض:

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا

فتحول الوصف المقذع بالأنف من مسبة إلى مفخرة لقبيلته! ألا يذكرك ذلك بما تقوم به بعض الأجهزة الإعلامية حين تتبرع بالقيام بدور الحاوي أو صالون التجميل؟

المجتمع الذي يبحث لنفسه عن موقع تحت الشمس لا تنفعه هذه الفصائل التي تقتات على «الفهلوة» والتطبيل، بل هي أضر عليه من أي تهديد داخلي أو عدو خارجي. المجتمع الخارج توا إلى فضاء أوسع، لا يحتاج إلى الأقلام المستهلكة التي عاشت على التملق والنفاق، لا تجدها تقف مع المصلحة العامة أبدا أبدا مهما ادعت ورفعت صوتها بالزعيق. وعند المفاصل المؤلمة ومفترقات الطرق الصعبة دائما تضرب على مواقع الجروح، تصب الزيت على النار، وتنثر الملح على الجروح، وتصبح مثل العظم في حلوق الشعوب، والضحية الكبرى لمسلكها هم الفقراء والمحرومون.

علم الأحياء يحدثنا عن بعض الكائنات الحية التي تعيش في الصحراء، تتلون مع البيئة، فإذا عاشت بين الأعشاب أصبحت خضراء، وإذا عاشت بين الصخور صارت صفراء، وإذا انتقلت إلى جوار المياه والغدران صارت «شفافة» جدا جدا. ولو أعيدت إلى بيئة رمادية مرة أخرى غدا صباحا سرعان ما تنقلب رمادية القلب والوجه واللسان. من هنا لا يمكن ان تحوز مثل هذه الكائنات المتلونة على ثقة أحدٍ أبدا... حتى الصخور والأعشاب والغدران تنكرها... والبيت ينكرها والحل والحرم

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 59 - الأحد 03 نوفمبر 2002م الموافق 27 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً