استحقاقات كثيرة تواجه المنطقة في الشهر الجاري. وكلها تحمل معها المخاطر والأسئلة الكثيرة عن مصير فلسطين والعراق وما بينهما.
في المقلب الاميركي هناك الانتخابات النصفية للكونغرس وفيها يحاول الرئيس جورج بوش تعزيز مواقع الحزب الجمهوري على قاعدة برنامج متطرف لتغطية سياساته الاقتصادية الفاشلة. فالادارة الجمهورية منذ وصولها أطاحت بكل «الانجازات» التي حققتها ادارة بيل كلينتون الديمقراطية. فالانفاق العسكري الهائل الذي باشره مثلث الشر (تشيني، رامسفيلد، ورايس) استهلك الفائض المالي وادخلت واشنطن من جديد في دائرة العجز الاقتصادي (الموازنة والميزان التجاري).
إلى الانتخابات النصفية تواصل ادارة بوش ضغوطها لكسب معركة دبلوماسية في الأمم المتحدة. فالاتجاه العام يشير إلى احتمال اصدار قرار دولي بشأن العراق يتضمن فقرات قوية تفتح باب الحرب في المنطقة. فبوش يريد من مجلس الأمن صلاحية تعطيه الحق باللجوء إلى استخدام القوة تلقائيا. وكل المحاولات التي بذلتها الدول الكبرى (روسيا، الصين، فرنسا، وأحيانا بريطانيا) لثني واشنطن عن عزمها على اصدار قرار جديد يتعلق بمهمة بعثة المفتشين الدوليين فشلت. فالدول الكبرى ترى انه لا حاجة إلى قرار جديد بعد موافقة العراق على عودة المفتشين، وأن القرارات السابقة كافية وواضحة. أميركا ترى العكس فهي تريد من القرار ليس حماية المفتشين بل اخذه ذريعة للحرب عند حصول ملابسات او إشكال يتعلق بمهمة المفتشين. فالقرار الجديد هو غطاء دبلوماسي دولي للبلاغ الرقم واحد.
على المقلب الاسرائيلي هناك ايضا اكثر من استحقاق خطير. فانسحاب حزب العمل من حكومة الائتلاف مع تكتل الليكود لم يحصل بناء على اختلاف وجهات النظر في الاستراتيجية السياسية، بل تم بسبب عدم التفاهم على انفاق الموازنة. فالمشكلة لا تتعلق بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية واستنكاف «إسرائيل» عن مواصلة تطبيق الاتفاقات الموقعة بضمانات دولية - أميركية، بل هي أساسا لها صلة بتوزيع الحصص وتضارب المصالح الحزبية.
إذا ليس هناك توقعات غير منتظرة. فكل المؤشرات تتجه نحو المزيد من التطرف العنصري الذي تصاعد في العقود الثلاثة الأخيرة وبات هو العنوان المشترك للمزايدات الحزبية الإسرائيلية.
انسحب حزب العمل من الائتلاف الحكومي ليتفرغ إلى معركته الداخلية واختيار قيادة جديدة أو تجديد الثقة بالقيادة الحالية. وكل الزوايا تتجه نحو اكتمال حلقة التطرف في حزب العمل في وقت يتجه فيه تكتل الليكود إلى تركيب حكومة تعتبر من أشر الاتجاهات العنصرية في الحركة الصهيونية. فالعمل يزايد حزبيا في معركته الانتخابية لانتاج قيادة يغلب عليها طابع التطرف والحرب. وشارون يزايد سياسيا، بعد فشل مشروعه الأمني، لانتاج حكومة أشرار منسجمة مع تطلعات واستراتيجية مثلث الشر الحاكم في واشنطن. فشارون مستفيدا من أجواء التطرف الأميركي يريد تركيب حكومة منسجمة مع الهياج الدولي الذي تثيره الولايات المتحدة تحت شعار مكافحة الإرهاب وملاحقته.
إنها فرصة شارون. فالأخير لا يستطيع الاستمرار في تطرفه والاطاحة بكل القرارات الدولية والاتفاقات الثنائية مع الفلسطينيين من دون مباركة الأول (بوش). وشارون يعتبر ان المعركة التي تستعد لها الولايات المتحدة ضد العراق تصب في محصلتها الاقليمية في مصلحة مشروعه الإسرائيلي الخاص. فضرب العراق عسكريا سيضعف المنطقة سياسيا، وهذا الضعف يسهم في تغذية المشروع الصهيوني في فلسطين وهو كسر إرادة الشعب الفلسطيني وربما طرده من بلاده لمصلحة المستوطنات والمستوطنين. فمعركة بوش على العراق لها وجه آخر وهو معركة شارون على ما تبقى من فلسطين. وليس غريبا أن يضم شارون إلى حكومته رموز الشر أمثال نتانياهو وليبرمان.
المنطقة إذا تمر في شهر استحقاقات خطيرة وهي قد تبدأ بالعراق وفلسطين، لكن ليس بالضرورة أن تقتصر تداعياتها في البلدين المذكورين. فالمعركة طويلة، وما نراه هو رأس جبل الجليد
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 59 - الأحد 03 نوفمبر 2002م الموافق 27 شعبان 1423هـ