من المواقع التي عُثر فيها على آثار تعود إلى الفترة الإسلامية المبكِّرة، مواقع تقع في المنطقة المحيطة بمسجد الخميس، والمناطق المحيطة بمنطقة البلاد القديم، ولكن ليس ضمن منطقة البلاد القديم، بحسب الترسيم الحديث للمناطق. وهذه المواقع هي كالآتي: الأول يقع شرق مسجد الخميس، وربما يمتد شرقاً باتجاه مقبرة أبي عنبرة، ويقع الموقع الثاني ضمن مقبرة أبي عنبرة، أما الموقع الثالث فيقع شمال مسجد الخميس، وربما يمتد الموقع شمالاً في منطقة طشان، والموقع الرابع يعرف باسم تل مسجد الحسن، والموقع الخامس هو عين أبي زيدان (أنظر الخريطة المرفقة) (Insoll et. al. 2016)، (Insoll 2005). هذا وقد رجّح رئيس البعثة التي نقبت في هذه المواقع، Insoll، أن هذه المواقع تُعتبر جزءاً من منطقة البلاد القديم التاريخية والتي يرجّح أنها كانت عاصمة البحرين القديمة أو منطقة الاستيطان الأساسية في فترة تاريخية سابقة.
وبالتالي، فإن Insoll يرجّح أن جميع تلك المواقع الأثرية التي نقّب فيها والتي توجد في محيط البلاد القديم الحالية تعتبر آثاراً لمنطقة واحدة. يذكر، أن هناك حقيقة تاريخية مفادها أن مسجد الخميس كان مركزاً للقيادة الدينية في البحرين وذلك منذ مطلع القرن السابع عشر الميلادي (حسين 2010، ص 78). هذه الحقيقة ألقت بظلالها على تاريخ المناطق المحيطة بمسجد الخميس، وخصوصاً منطقة البلاد القديم والتي باتت تعرف، في الفكر الجمعي، باسم العاصمة القديمة.
الفكر الجمعي
والحقائق العلمية
إن مفهوم العاصمة القديمة، الذي أطلق على البلاد القديم، على رغم غموضه، إلا أنه متغلغل في الفكر الجمعي، والذي أصبح، في الغالب، من المسلمات التي يصعب تغييرها. وللأسف الشديد، فإن هذه الرواية المسلم بها لم تخضع لعمليات تحقيق علمية، على سبيل المثال، ما هي حدود البلاد القديم التاريخية؟ ومنذ متى تكونت كمنطقة واحدة؟ وفي أي فترة تاريخية تحولت لعاصمة البحرين القديمة؟ كل تلك التساؤلات لا نجد لها جواباً دقيقاً، وبذلك، فإن هذه الرواية التاريخية المتوارثة، لا يمكن الأخذ بها، إلا بعد تحقيقها ووضعها ضمن بنية معيَّنة، إما نظرية مبنيَّة على أساس علمي، أو حقيقة علمية مثبَّتة.
وأياً كانت نتيجة عملية تحقيق تلك الرواية، فإن المرجَّح أن ارتباط المفهوم العرفي، أي العاصمة القديمة، بمنطقة البلاد القديم، حدث في الفترة الإسلامية المتأخرة، أي بعد القرن السادس عشر الميلادي. وحتى مسجد الخميس ذاته، ربما بدأت تتعاظم أهميته في أواخر الفترة الإسلامية المتوسطة؛ أي قرابة القرن الرابع عشر الميلادي. وبذلك، فإنه لا يمكن أن نحلل الآثار الإسلامية التي تعود إلى الفترتين الإسلاميتين المبكرة والمتوسطة والتي تقع حول مسجد الخميس وفي محيط البلاد القديم على أنها جزء من العاصمة القديمة، أو حتى أنها مركز البلاد القديم التاريخية، لأننا لا نعلم على وجه الدقّة إذا كانت تلك المناطق، بالفعل كانت، تمثّل المركز الرئيسي في البحرين في تلك الفترات.
مع ذلك، يجب ألَّا نقلل من قدر الآثار الإسلامية المبكّرة التي كشف عنها في تلك المناطق، كما ينبغي أن نعيد وصف كل موقع بصورة منفردة، فليس بالضرورة أن تمثل تلك المواقع آثاراً لمنطقة واحدة.
المواقع الأثرية
في محيط البلاد القديم
تم التنقيب في خمسة مواقع أساسية تقع في محيط البلاد القديم كما هي موضحة في الخريطة المرفقة، منهما موقعين متجاورين هما موقع عين أبي زيدان وتل مسجد الحسن، ويعود تاريخ هاتين المنطقين إلى الفترة ما بين القرنين الثامن والرابع عشر الميلاديين. أما المواقع الثلاثة الأخرى فتوجد في كل من موقع مسجد الخميس ومقبرة أبي عنبرة، وهذه المواقع تعود إلى الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر الميلاديين، مع وجود فخار يعود إلى القرن الثامن/ التاسع الميلادي، وغياب اللقى الآثارية التي تعود إلى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين وخصوصاً الفخار السامرائي (carter 2005)، (Insoll et. al. 2016).
يذكر أنه في التقارير التي نشرت فيها نتائج التنقيبات، تم اعتبار تلك المواقع الخمسة أنها تمثل منطقة واحدة، وأنها كانت جزءاً من منطقة البلاد القديم التاريخية، كما تم تحديد الفترة التاريخية لهذه المواقع، بصورة مجملة، وهي الفترة ما بين القرنين الثامن والرابع عشر الميلاديين (Insoll et. al. 2016)، (Insoll 2005). ويجدر بنا أن نتساءل حول الأسس التي أدّت إلى ترجيح أن تلك المواقع الأثرية تكمل بعضها بعضاً وأنها تمثل آثاراً لمنطقة واحدة، علماً أن التطابق الأثري بين تلك المواقع الأثرية غير متجانس، وأن المسافة بين كل موقع أثري وآخر تتراوح ما بين 100 - 500 متر.
وتجدر الإشارة إلى أن الوضع ذاته مر بنا عند مناقشة الآثار الإسلامية التي تمتد في ثلاث قرى: جنوسان وباربار والدراز، وهي تغطي مساحة شاسعة، إذا ما افترضنا أنها تمثل جزءاً لمنطقة آثارية واحدة، أو كما وصف Bibby جزء من تلك الآثار، أنها آثار مدينة كبيرة (Bibby 1956). وإن افترضنا أن ما يوجد في ثلاث القرى السابقة هي آثار لمجموعة قرى صغيرة، فما المانع أن تكون المواقع الأثرية في محيط البلاد القديم تمثل مجموعة قرى متقاربة، أم أن ما هو مترسخ في الفكر الجمعي، حول أهمية البلاد القديم في الفترة الإسلامية المتأخرة، أثر في عملية الترجيح.
يذكر أن Insoll نفسه، جعل المجال مفتوحاً للاحتمالات الأخرى، فقد تكون الآثار في باربار وما حولها تمثل آثاراً لمركز مستقل عن البلاد القديم لكنه متفاعل معه، كما أن هناك تعقيدات أخرى كظهور المدينة الإسلامية في موقع قلعة البحرين قرابة القرن الثاني عشر الميلادي. هذا، ويقر Insoll أنه من الصعب بناء نموذج لتوضيح مدى أهمية كل منطقة من تلك المناطق باستخدام المعطيات القليلة المتوافرة (Insoll 2005, pp. 100 - 104).
الخلاصة، أنه على رغم أهمية مسجد الخميس، والبلاد القديم في الفترة الإسلامية المتأخرة، إلا أنه من غير المعروف مدى أهمية هذه المواقع في الفترات الإسلامية السابقة. ومع توافر العديد من نتائج التنقيبات والمسوحات الأثرية في الوقت الراهن، ظهرت مناطق جديدة ربما لعبت دوراً مهماً في السابق. ومع ذلك، فإن الآثار الإسلامية المبكّرة التي توجد في محيط البلاد القديم تعتبر بالغة الأهمية وهو ما سنأتي على تفصيله في الحلقات المقبلة. يتبع.