بدعوة من وزارة الدفاع الهولندية، تحدث الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) نجيب صعب، في مؤتمر «قوة المستقبل» الذي تعقده الوزارة في لاهاي. يهدف المؤتمر، الذي يشارك فيه 1200 من القادة العسكريين والسياسيين والباحثين من خمسين بلداً، إلى دراسة مسببات النزاعات المسلحة في العالم وسبل معالجتها.
المحاضرة الرئيسية التي ألقاها صعب كانت تحت عنوان «الأمن بين تغيّر المناخ وشح الموارد وحقوق الانسان». بعدما عرض للاضطرابات في المنطقة العربية، «التي تعاني نصف بلدانها حروباً ونزاعات، وتواجه كلها تحديات اقتصادية واجتماعية وبيئية غير مسبوقة»، أشار إلى «ما رافق انطلاق الاحتجاجات في الشوارع عام 2010 من ارتفاع في الاسعار وشح في الإنتاج الغذائي بسبب موجات طويلة من الجفاف»، وتساءل: «هل كان الصراع على الموارد المحدودة، بسبب الآثار المبكرة لتغير المناخ، السبب الرئيسي لانطلاق الاحتجاجات، أم أنه وفر لها الوقود بعد انطلاقها؟»
شرح صعب أن المنطقة العربية هي الأكثر حساسية في العالم لآثار تغيّر المناخ، «الذي تتركز مخاطره في خمسة مجالات هي الموارد المائية وارتفاع مستويات البحار والصحة وإنتاج الغذاء واستخدامات الأراضي». وأوضح أنها تعاني عجزاً في الموارد بسبب البيئة الهشة، بغض النظر عن تغيّر المناخ. «فالموارد الطبيعية المتجددة للفرد تناقصت إلى أقل من النصف خلال خمسين سنة. وإذا أضيف هذا إلى الأثر المتعاظم لتغير المناخ والتدهور البيئي بسبب الإدارة غير الرشيدة للموارد الطبيعية، يمكن اعتبار المنطقة على حافة الإفلاس الإيكولوجي».
وتناول صعب باسهاب خلفيات الأزمة السورية «حيث دفعت موجات الجفاف المتواصلة منذ عام 2007 ملايين العمال الزراعيين إلى المدن وضواحيها بحثاً عن دخل ولقمة عيش. وحين بدأت الأحداث في الشوارع عام 2011، كان من المقدر وجود 60 ألف عائلة سورية مهاجرة إلى ضواحي المدن بسبب الجفاف في المناطق الزراعية الريفية. وفي حين شكلت سورية خلال العقدين الماضيين حالة نادرة في المنطقة من حيث نجاحها في تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح، انخفضت المحاصيل بمعدل الثلث عام 2008، واستمرت في التدهور. وترافق هذا مع زيادات كبيرة في أسعار الطاقة ومعدلات تضخم تجاوزت 150 في المئة. المهجّرون، الذين كانوا بمعظمهم من المحرومين والعاطلين عن العمل، شكّلوا وقوداً إضافياً للاحتجاجات. ولم تنجح محاولات الحكومة لمعالجة الوضع بتطبيق بعض التدابير الاقتصادية، لأن الناس في الشارع كانوا يطالبون بإصلاحات سياسية». واستنتج صعب أن «أزمة الغذاء وتدهور الموارد الطبيعية عززت الاحتجاجات ولكنها لم تتسبب بها. فما دفع بالناس إلى الشوارع في المكان الأول كان المطالبة بحقوق إنسانية أساسية، في طليعتها المشاركة في صنع القرار والمحاسبة والشفافية وعدم التمييز والتوزيع العادل للثروة الوطنية وتعميم منافع التنمية».
وحذر من أن «الوضع المأسوي الذي نعانيه اليوم، على فداحته، ليس أكثر من مقدمات تجريبية بسيطة لما سيحصل حين تضرب الآثار الكاملة لتغير المناخ الأبواب. فالأعداد الحالية للاجئين والمهجرين ستصبح نقطة في بحر بالمقارنة مع تدفق عشرات الملايين من لاجئي البيئة. والوصفة الوحيدة الناجعة لتجنب كارثة كهذه تبقى معالجة المسببات في مصدرها، بمساعدة الناس على مواجهة المتغيرات وإعطائهم مقومات الحياة الكريمة في أماكن سكنهم الأصلية».
وخلص صعب إلى أن «المعالجات لن تنجح في المدى البعيد، وسيبقى التحالف بين شح الموارد وقمع حقوق الانسان محرّكاً للنزاعات، إذا لم تستثمر الدول في تنمية يكون محورها الناس، تنمية تحترم حقوقهم وتعزز مبادئ المشاركة الشعبية والمحاسبة والمراقبة والتوزيع العادل لثروة تقوم على الإنتاج».