بانضمام المتهم بتنظيم مجزرة جنين 2002 إلى حكومة المتهم بتدبير مجزرة صبرا وشاتيلا 1982 تكون «إسرائيل» بلغت المرحلة الخامسة من فترة ارييل شارون. وهي الأخيرة كما هو متوقع والأكثر تطرفا وعنصرية في تاريخ الدولة العبرية.
بدأت المرحلة الأولى حين دخل شارون حرم المسجد الأقصى في 28 سبتمبر/ أيلول 2000 رافضا تنازلات رئيس الحكومة «العمالي» إيهود باراك. واندلعت ردا على ذلك انتفاضة الأقصى. تسلحت الانتفاضة المدنية بالانتصار اللبناني على الاحتلال الإسرائيلي حاملة معها الآمال السياسية التي يمكن تحصيلها من الرئيس الأميركي بيل كلينتون الذي كان يدفع باتجاه تحقيق اختراق سلمي في الأسابيع الأخيرة من عهده.
وبدأت المرحلة الثانية بسقوط المرشح الديمقراطي للرئاسة آل غور وفوز منافسه الجمهوري بصعوبة وعلى قاعدة برنامج أميركي شديد التطرف. وترافق الأمر مع انهيار حزب العمل الإسرائيلي وتفكك حكومة باراك، ونجاح حزب الليكود في إيصال مرشحه المتطرف شارون إلى السلطة. ومالت الإدارة الأميركية الجمهورية إلى ترطيب أجواء العلاقة مع شارون.
المرحلة الثالثة من محاصرة الانتفاضة بدأت حين أعلنت الإدارة «الجمهورية» سلسلة خطوات دولية متطرفة اتسمت بالتفرد والعنجهية وأزعجت روسيا والاتحاد الأوروبي. آنذاك وقبل ضربة 11 سبتمبر لجأ فريق عمل جورج بوش إلى سياسة قلب المعادلات الدولية والإقليمية وتمثلت الخطوات المعلنة في إلغاء معاهدات الحد من التسلح النووي مع روسيا، البدء بمشروع الدرع الصاروخية، محاولة عزل الصين في إطار التنافس على مياه محيط الباسيفيك، رفض توقيع اتفاق كويتو للحد من التلوث البيئي، الانسحاب من مؤتمر دوربان لمكافحة العنصرية تأييدا لمواقف إسرائيل، رفض استقبال ياسر عرفات وفتح أبواب البيت الأبيض لشارون، وأخيرا محاولة مقايضة الدول العربية بأخذ موافقتها على ضرب العراق مقابل وعود بالضغط على شارون.
هذه الإشارات الخطيرة كلها أقدمت عليها إدارة بوش قبل ضربة 11 سبتمبر 2001. بعد الضربة انتقل شارون إلى المرحلة الرابعة مستفيدا من تداعيات الموقف الأميركي واختصار السياسات الدولية في فكرة واحدة: محاربة الإرهاب.
ترافق الهجوم الشاروني مع انقلاب الموقف الأميركي من التفرد بالقرار الدولي إلى قبول المشاركة في حملتها الدولية ضد الإرهاب. استغلت «إسرائيل» الحاجة الأميركية إلى إعلان استعدادها للقتال إلى جانبها مشيرة إلى دور عربي ـ فلسطيني في مسألة الإرهاب، محاولة نقل المعركة أو توسيعها من أفغانستان إلى فلسطين. وفي فضاء الغضب الأميركي اندفع شارون إلى عمق الأراضي الفلسطينية ودخلت قواته مدن السلطة ردا على ما وصفه بالرد على العمليات والاغتيالات التي نفذها فلسطينيون. وبعد الهجوم الشاروني المغطى بالهياج الأميركي تأرجح موقف الانتفاضة بين تفاؤل بوجود حل ما مضطرة إليه واشنطن لإرضاء الدول العربية وكسب تأييدها للحرب على الإرهاب وبين تشاؤم عبرت عنه تصريحات أميركية رفضت الربط بين فلسطين ودولتها وأفغانستان وإرهابها.
إلا أن مسايرة واشنطن لشارون واستقباله سبع مرات في البيت الأبيض شجعاه على مواصلة حربه الخاصة ضد السلطة الفلسطينية وزادا من نفوذه في تكتل الليكود وساعداه على كسب مواقع سياسية ضد خصومه داخل التكتل (نتانياهو) وخارجه ضد حزب العمل.
شارون استخدم غطاء البيت الأبيض في أكثر من معركة. فهو أعلن استعداده للحرب إلى جانب أميركا ضد العراق، وأعلن رفضه القبول بما تم الاتفاق عليه في أوسلو وواشنطن والقاهرة بشأن الدولة الفلسطينية، وكسب معركة النفوذ وتقوية مراكزه في الليكود ضد نتانياهو، وأخيرا دفع برنامجه المتطرف وسياساته الاقتصادية الموالية للاستيطان حزب العمل إلى الانسحاب من حكومته.
الآن بدأت المرحلة الخامسة وفيها سيحاول شارون جمع كل عناصر التطرف الصهيوني في حكومته من جزار جنين إلى ليبرمان رافع شعار طرد الفلسطينيين من فلسطين.
والسؤال: ماذا ستفعل واشنطن؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 58 - السبت 02 نوفمبر 2002م الموافق 26 شعبان 1423هـ