هل من علاقة بين ازدياد بعض الأمور سوءا قبيل انعقاد جلسات المجلس النيابي؟ وهل ذلك يتعلق بالمبدأ الذي سُن حديثا وهو بدء المحاسبة مع بداية عمل المجلس النيابي ونسيان الماضي؟
أسئلة أخرى تطرح نفسها ونحن على مشارف حياة برلمانية جديدة اختلفت الفعاليات السياسية في تقييمها ودعمها او مقاطعتها. ولكن يبدو أن هناك فعلا من يخاف من وجود أي برلمان مهما كان حجمه ومهما كانت صلاحياته.
بعض المخاوف مشروعة وبعضها غير مشروع. فالمخاوف المشروعة هي التي تدور حول برامج أعضاء البرلمان واولوياتهم، وهل ستكون اولوياتهم قضايا معينة يكون مجرد الحديث عنها بأسلوب حماسي وجماهيري كافيا لتشريد رؤوس الأموال والمستثمرين؟ أم هل سيحدث استقطاب طائفي؟ أم هل سيتم تمرير قوانين شبيهة بقانون أمن الدولة؟ إلى آخر الأسئلة التي يطرحها البعض بإخلاص ويوّد لو ان البرلمان الجديد - مهما كانت صلاحياته - يكون عونا للبلاد والعباد وليس العكس.
إلا ان هناك مخاوف أخرى غير مشروعة، لأنها منطلقة بصورة أنانية، وهي مخاوف تُغلِّب المصلحة الخاصة على العامة، وهي مخاوف تسعى للاستمرار في أساليب الماضي التي لم تنفع البحرين أو البحرينيين بشيء. على رغم وجود الأموال الطائلة لأعداد كبيرة من المتمكنين البحرينيين فإن الأموال تبقى خارج البحرين. وقد قدرت «الأيكونومسيت» حجم الأموال الخاصة البحرينية بأكثر من 17 مليار دولار، ولو أن ربع هذا المال البحريني الموجود خارج البحرين عاد الى موطنه لتحركت عجلة الاقتصاد ولاستطعنا اللحاق بغيرنا والانتصار عليهم، نظرا لما تملكه البحرين من امكانات بشرية لا تتوافر للغير.
اساليب الماضي شردت الأموال ولم تعطنا استقرارا سياسيا ولم توفر لنا سمعة دولية حسنة لدى منظمات حقوق الانسان. اساليب الماضي نتج عنها تدمير المناطق الزراعية وانشاء الفلل والمنشآت مكانها. اساليب الماضي استبدلت الشجرة والنخلة الكبيرة بحائط مرتفع لا ترى أي شيء خلفه، ولا يستطيع المواطن الحلم برؤية داخل ذلك الحائط لأن كل شيء تحول واصبح مخصصا لفئة صغيرة من المجتمع فقط. اساليب الماضي خلقت فجوة كبيرة بين الذين يملكون والذين لا يملكون شيئا.
وهناك الآن طبقة من الناس يصرفون على وجبة عشاء واحدة اكثر مما يحصل عليه مواطن يكدح 200 ساعة في الشهر. اساليب الماضي فرقت بين البحريني والبحريني على اسس اثنية وطائفية.
اساليب الماضي خلقت آلاما كثيرة لنا جميعا، ولذلك فإن الارادة المشتركة لأهل البحرين هي التي حولت السمعة الدولية الى افضل سمعة هذه الأيام والارادة المشتركة لأهل البحرين هي التي ساعدت على جذب اموال الاستثمارات الأجنبية والمحلية التي رأت في طيبة شعب البحرين وفي قدرات المواطنين وفي التسهيلات الأخيرة فرصا سانحة للاستثمار التنافسي. والارادة المشتركة لأهل البحرين هي التي خلقت اكثر الاجواء حيوية من الناحية السياسية في المنطقة، والارادة المشتركة لأهل البحرين هي التي ستساعدنا جميعا على الاستمرار في الاعتدال والعقلانية لتخطي الصعوبات ونشر مبادئ التسامح والتعايش السلمي والتطوير السياسي والاعتماد على النفس لمواجهة التحديات المستقبلية.
هذه الارادة المشتركة لأهل البحرين هي الضمان الرئيسي للديمقراطية والاعتدال والتعايش السلمي... وهذه الارادة المشتركة بدأت خلال الفترة القصيرة المنصرمة تتعزز وانتهت لغة التهديد والوعيد واستبدلها الجميع بالحوار والتفاهم والالتقاء...
نعم ستواجهنا مشكلات كثيرة حتى تستكمل (أو تسترجع) صلاحيات المؤسسة التشريعية والرقابية، ونعم نحتاج إلى وقت أطول لمد الجسور والتواصل لنشر المزيد من اجواء الثقة المتبادلة، ذلك لأن الماضي مازال يرمي بثقله علينا. ولكننا بخير ما دمنا نحتمي ببعضنا بعضا ونتناصر من أجل الخير ونعزز الارادة المشتركة ونقاوم أية محاولة من أي جهة تملك نفوذا خاصا للعودة بنا الى الوراء. فهناك المتضررون من أية ممارسة ديمقراطية حتى لو كانت «منقوصة»، وهؤلاء سيعملون ما بوسعهم لإثبات فشل التجربة، ولكنهم لا شك فاشلون مع تعزيز الارادة البحرينية المشتركة الساعية إلى التعايش على اساس احترام الرأي والرأي الآخر. ومن هنا فإننا لسنا خائفين من اي انفتاح سياسي مهما حمل ذلك الانفتاح من اجواء قد تبدو للبعض مزعجة، ولكن ازعاج الانفتاح السياسي افضل ألف مرة من الهدوء القاتل الذي كان يبشر به قانون أمن الدولة والأجواء المصاحبة له
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 58 - السبت 02 نوفمبر 2002م الموافق 26 شعبان 1423هـ