لا أحد يختلف في أن الحب المبني على الأسس الأخلاقية السامية، يترك أثرا إيجابيا كبيرا في النفس الإنسانية، وقيل إن من يحب الله حقا يكون محبا لعباده الخيّرين، فالإنسان الذي يقول بلسانه إنه محب لله تعالى ويهتدي بهديه، وهو في ممارساته وأفعاله ومعاملاته مع أقرانه، يجسد الكراهية البغيضة، فإن مثل هذا الإنسان المخالف لقوله، يخدع نفسه قبل خداع أبناء مجتمعه، فالمحب الحقيقي لله جلت عظمته، ينعكس إيجابيا بكل وضوح على سلوكياته الخارجية، مع أسرته وجيرانه وأبناء بلده والناس جميعا دون استثناء، وحسبما جاء في الموروث الإسلامي أن المحب لله تعالى لا يدخل في قلبه بغض لأحد من الناس ولو بمقدار ذرة، بسبب أنه يختلف معه في الانتماء الطائفي أو المذهبي أو العرقي، أو يختلف معه في منهجه السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
فالحب الصادق لله الواحد القهار أكبر من كل الاختلافات والخلافات، فلهذا يقولون من يجد نفسه ينغمس في خلافات وجدالات عقيمة لا تؤدي إلى أي فائدة للبلاد والعباد، عليه أن يراجع مستوى حبه لله سبحانه وتعالى، فالله تعالى الذي هو قادر على كل شيء، وبيده أرزاق العباد وكل الكائنات والمخلوقات، لم يحرم من يعصيه في أوامره ونواهيه من رزقه وعطفه ورأفته، تراه يغدق عليه ويفتح إليه مختلف السبل، لتطوير نفسه في مختلف الأبعاد، الروحية والأخلاقية والنفسية والمعنوية والعلمية والاقتصادية، فالله تعالى وهو رب العباد وخالقهم، يفصل بين عصيان العبد له وحقه في الحياة الرغيدة، فالكثير من الناس يخلطون بين الأمرين، ويقولون كيف يعطي الله تعالى أولئك العصاة الخير الوفير ويمنعه عن الذين يطيعونه في كل أوامره ونواهيه؟ العقلاء الواعون يقولون إن المسألة لا تناقش بهذه الطريقة، وإنما تناقش بموضوعية بعيدا عن كل المؤثرات السلبية، بكل بساطة نقول إن المتمرد على أمر الله ونواهيه، والمطيع لها بكل تفاصيلها وحيثياتها الدقيقة، كلاهما يتعامل الله معهما في الرزق والعطاء على حد سواء.
فمن يجتهد، سواء أكان مطيعا أو عاصيا لله تعالى، في طلب العلم ويثابر ويبادر ويبحث ويبتكر ويكتشف ويسهر الليالي، من أجل تطوير وتنمية قدراته وإمكاناته ومهاراته في مختلف المجالات العلمية والاقتصادية والإنسانية، فإن الله تعالى يعطي لكل مجتهد نصيب، مهما كان هذا المجتهد، مخالفا لأمر الله أم مطيعا له، وهذا يعطي للإنسان درسا بليغا في حال الاختلاف والخلاف في أبعاد معينة، أن لا يذهب إلى الخلط بين الاختلاف مع أخيه الإنسان في جانب معين وحقه في الحياة بكل أبعادها، الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والتعليمية والحقوقية والسياسية، فالنهج الإلهي في هذا المجال جلي وواضح لكل الواعين، فمن يتخذ لنفسه نهجا مغايرا عن النهج الإلهي، فإنه يذهب بعيدا في اختلافاته وخلافاته مع الآخرين عن الصواب، فتراه يعطل كل المعايير الإنسانية الحقيقية، لكي يسمح لنفسه أن يحرم المستحق للعطاء ويعطي من لا يستحق، ويكرم هذا ويحقر ذاك، فالمؤسسات التي تتعامل مع منتسبيها بواقعية وموضوعية وبروح منفتحة ونفسية متسامحة تجدها أكثر إنتاجا وتطويرا ونموا من المؤسسات التي تتعامل دائما مع منتسبيها بنفسية منغلقة ومتحسسة من كل شيء، هذه حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يتجاهلها أو يتغافل عنها.
فالبلدان المتطورة علميا وتكنولوجيا لم تصل إلى ما وصلت إليه من التطور والنماء إلا بعد الفصل بين الاختلافات وحق الإنسان في الحياة، فلو تعاملت مع الاختلافات في وجهات النظر على أنها عداء وخصام لما استطاعت أن تحقق أي تقدم في مختلف الأبعاد، ولأصبحت تراوح مكانها في كل المجالات، العلمية والتعليمية والصحية وغيرها من المجالات المختلفة، فالرجوع إلى حقيقة الحب يعطي دفعات نوعية تفوق كل التوقعات في الأمن والاستقرار والاطمئنان والنماء والتطور وتوحيد الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فالحب لا يمكن لأي أحد من الناس أن يثبت وجوده أو ينفيه إلا بالممارسات الخارجية، لا يكفي أن يتغنى به الإنسان بالحب في جلساته العامة والخاصة وفي مختلف وسائل التواصل الاجتماعي من دون أن يجسده عمليا في الواقع الخارجي، فالحب هو سلوك وممارسة عملية، فالمتكبر لا يستطيع إقناع الناس أنه محب لهم، وكذلك المنتهك للحرمات والحقوق لا يمكنه بكل المقاييس الأخلاقية والإنسانية أن يدعي أنه محب لله جل جلاله ولرسوله المصطفى (ص) ولكل عباد الله، فالخلق الرفيع وحفظ الحقوق وتقدير الكفاءات واحترامها وخدمة الوطن والمواطن بكل إخلاص، جميعها دليل على الحب الحقيقي.
كل إنسان بمقدروه أن يكون محبا لأبناء مجتمعه ولكل الإنسانية، وكذلك بمقدوره أن يكون مبغضا لكل الناس، فالخيار الأصوب أو الأسوأ يرجع إليه، فهو المسئول الأول والأخير عن خياراته، فليس له الحق أن يلوم أحد غيره إذا ما اختار لنفسه طريقا يؤدي به إلى كراهية وبغض إخوانه في الدين والوطن أو نظرائه في الخلق، نأمل أن نكون جميعا نفكر جديا في أن نجعل الحب الخالص لله ولرسوله محمد بن عبدالله (ص) ولكل الأخيار والصالحين، المصدر القوي للارتقاء بنفسياتنا ومعنوياتنا وأخلاقياتنا وإنسانيتنا وقدراتنا وإمكاناتنا وإبداعاتنا ونتاجاتنا، لكي نتمكن أن نسهم مساهمة حقيقية في تنمية وتطوير وطننا الحبيب في كل المجالات، وتحقيق طموحاته القريبة والبعيدة بكل إتقان.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5268 - الثلثاء 07 فبراير 2017م الموافق 10 جمادى الأولى 1438هـ
ماعليه احنا مانبي قلبه يكرهنا بمقدار ذرة،، ان شاء الله يكون قلبه متروس أطنان كراهية..بس ع الأقل مايظهرها علنية!
الطائفية
من أشد الأمراض التي ابتلى بها وطننا الحبيب هي الاحساس بالطائفية بين أوساط المجتمع بالخصوص ف المناصب العليا والوظائف الحساسة التي توظف بها طائفة دون الأخرى والشعور بالفخر والتعالي بالانتماء الى تلك الطائفة.