انعقد في الرباط بالمملكة المغربية منتدى الصحافة بين الأخبار والتشهير بتاريخ 25 يناير/ كانون الثاني العام 2017 بتنظيم من العصبة المغربية لحقوق الانسان في المغرب والجمعية المغربية لحقوق الانسان، ورأس المنتدى الحقوقي المغربي البارز المنجب المعطي، والذي يلاحق قضائيّاً هو وستة من زملائه الحقوقيين المغاربة نتيجة تصديهم لانتهاكات المخزية لحقوق الانسان، واحباط الحياة السياسية والمجتمعية السوية في المغرب.
وقد شارك في المنتدى حقوقيون من أميركا وفرنسا وموريتانيا والبحرين، إلى جانب زملائهم المغاربة يمثلون جمعيات تناهض التشهير، والصحافة الاستقصائية، والنزاهة في الصحافة. وعلى رغم أن موضوع المنتدى مكرس لظاهرة التشهير بالحقوقيين والسياسيين المعارضين في المغرب، إلا انه تطرق أيضا لهذه الظاهرة في العالم العربي وذلك من خلال أوراق عمل وشهادات الضحايا.
الجلسة التمهيدية كانت جلسة للتضامن مع المنجب المعطي ورفاقه الستة في يوم محاكمتهم أمام محكمة الرباط الجنائية بتهمة «تهديد أمن الدولة»، حيث تعرضوا الى إجراءات تعسفية، ومنها المنع من السفر وحملة ترهيب وتشهير من قبل الصحافة وفضائيات مرتبطة بالأجهزة النافذة في السلطة، ومنها صحف الأخبار والنهار وموقع 360، حيث اقام الضحايا دعوى ضد الموقع المنطلق من فرنسا، لكنهم عاجزون عن ملاحقة الصحف المغربية والفضائيات بسبب انحياز القضاء المغربي. كما أن السلطات المغربية عمدت إلى إبعاد ممثل «محامون بلاحدود» في المغرب بعد فضح هذا التواطؤ.
وفي هذه الجلسة تحدث محامو المجموعة مفندين ادعاءات الادعاء العام. ومنهم المحامي عبدالرحيم الجامعي عميد محامي القنيطرة سابقاً والمحامي عبدالعزيز النويص من الرباط أما البيئة التي يتم فيها التحريض والتشهير ضد الحقوقيين والمعارضين للنظام المخزني، فيتميز بتهافت الأحزاب المغربية على السلطة المنقوصة وتحقيق زعمائها للمغانم، ويتجلى ذلك في الابتزاز والمساومات المرتبطة بتشكيل الحكومة برئاسة بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، حيث لم يبقِ معارضاً حقيقيّاً سوى حزب الاستقلال والحزب العمالي اليساري. كما يتميز بتبعية معظم الصحف للمخزن حيث تسود صحافة الترويج والفضائح وتراجعت الصحافة الحزبية الملتزمة.
وفي هذه البيئة يكون طبيعيّاً استهداف الحقوقيين والمعارضين الحقيقيين غير المساومين على مصالح الشعب وفاضحي الفساد والاستغلال.
بعد ذلك بدأت أعمال المنتدى على مدى يوم طويل من جلسات المناقشة وجلسات استماع للضحايا، تخللتها وقفة تضامنية مع المنجب المعطي وحضور محاكمته، حيث يسجل هنا ترحيب المحكمة وقاضيها بحضورنا.
ومن خلال الأوراق المقدمة للمنتدى والنقاشات التي تلتها، وشهادات الضحايا يمكن استخلاص تشابه نفس الظاهرة في البلدان العربية التسلطية مع تفاوتها من بلد لآخر.
إن التشهير من قبل وسائط الإعلام كالصحف والفضائيات والفضاء الالكتروني، ضد الحقوقيين والمعارضين، ليست ممارسة لحرية التعبير أو سعياً وراء الصالح العام بل يتم بانتقائية ضد من يعتبرهم النظام أو القوى النافذة سياسيّاً واقتصاديّاً أعداء له، وهم بذلك يمارسون إعداماً معنويّاً بحق الضحايا. كما أن ذلك يتم في ظل أنظمة تسلطية، حيث لا يتمتع القضاء بالاستقلالية الحقيقية، وحيث لا تمثل الصحافة السلطة الرابعة، بل سلطة ملحقة بالنظام. وفي ظل هذا النظام فإن المشهرين يتمتعون بالحصانة، ويأمنون من الملاحقة القضائية. كما أن وسائط الاعلام هذه ترتبط بعلاقات وثيقة مع أجهزة نافذة بما فيها أجهزة المخابرات، التي توفر لها معلومات استخبارية يتم الحصول عليها باختراق خصوصية الضحايا بالمرصد الوجاهي، واختراق هواتفهم وكمبيوتراتهم. تستهدف صحافة التشهير الضحايا في ما يلحق أبلغ الضرر بهم. فمثلاً يستهدف الإسلاميون في علاقاتهم النسائية ولو كانت شكلية ويدفع أحياناً بالساقطات لإغوائهم أو التقرب منهم، ويجري تصويرهم في ما يعتبر مشاهد غير مقبولة منهم. أما اليساريون يستهدفون في ذمتهم المالية لأنهم يطرحون أنفسهم بالنزاهة والترفع عن المنافع المادية. وكثيراً ما تساق التهم للحقوقيين كونهم يحصلون على منافع مالية من مصادر خارجية غير مشروعة. كما أن الضحايا يستهدفون في الطعن في وطنيتهم، فمثلاً اتهمت مجموعة السبعة، بالعمالة للجزائر في قضية الصحراء التي هي قضية وطنية مغربية حساسة. وهنا لا تتورع صحافة التشهير باتهام الضحايا بالعمالة والارتزاق لجهات خارجية معادية. أما الاستهداف الآخر الموجه للنشطاء الشباب مثل شباب انتفاضة فبراير/ شباط 2011 فيكون باستخدام المخدرات وتسهيل الحصول عليها واستدراج هؤلاء الشباب للمخدرات وهو شي مساند في المغرب. وما ينطبق على استهداف النشطاء الحقوقيين ينطبق بالطبع على المنظمات السياسية والحقوقية المستقلة مثل الجمعية المغربية لحقوق الانسان، والعصبة المغربية لحقوق الانسان، وجماعة العدل والإحسان الإسلامية، غير المنضوية في النظام السياسي.
اما الشهادات التي قدمها عدد من الضحايا فتثير الألم لما عاناه هؤلاء هم وعائلاتهم واصدقائهم، وفي الوقت ذاته تثير الاعجاب لصمودهم واصرارهم وتضحياتهم وصور التضامن معهم في أحلك الظروف. قدمت السيدة خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الانسان شهادة في استهدافها، والتشهير بها في حملة منسقة، لأن الجمعية رفضت التهادن أو التواطؤ فيما يجرى من انتهاكات وضلوع الأجهزة النافذة. أما علي أزياد والذي ينتمى لحزب التقدم والاشتراكية، لكنه نقدي تجاه الحزب وسياساته، فقد وصف في الصحافة انه لقيط اليسار، وعميل البوليساريو او عاجز جنسيّاً أحياناً، وشيق جنسيّاً أحياناً أخرى، وقد استنكف الحزب من الدفاع عنه، لأن أمينه العام نبيل بن عبدالله منغمس في مفاوضات مع بن كيران للانضمام لحكومته.
رشيد غلام فنان مسرحي ينتمى لجماعة العدل والإحسان، في حين يعمد المخزن وحلفاؤه الى تصوير الجماعة بأنهم ظلاميون ولذا حاولوا معه أن يتبرأ من الجماعة وعندما رفض بدأت حملة التشهير ضده، ما اضطره للهجرة الى مصر ولبنان والعمل من خلال مسارحها وفضائياتها. وقد سرد رشيد حادثة اختطافه من الدار البيضاء الى الجديدة من قبل عناصر مخابرات لاقحامه في غرفة مع عاهرة، ثم وصمه بالخيانة الزوجية وهو شيء حساس لدى الإسلاميين، وتضليل زوجته، وعلى رغم ان المحكمة برأته، إلا أن الملاحقة والتشهير لم يتوقفا. كما قدم كل من أحمد بن صديقي من لجنة حماية حرية الصحافة والتعبير شهادة عن معايشته لفصول من الممارسات السيئة للصحافة، وكذلك محمد النسيري ورشيد طارق عن الجمعية المغربية للصحافة والتحقيق بتجربتهما مع فصول من التشهير.
في هذا المنتدى تحدث عدد من ممثلي الجمعيات المغربية والدولية مثل فؤاد عبدالمؤمني أمين عام جمعية شفافية المغرب وعبدو برادة عن العصبة المغربية لحقوق الانسان وريتشارد جريمان (أميركا/ فرنسا) سكرتير مركز براكس للأبحاث والتعليم والمنجب المعطي الرئيس السابق لمركز ابن رشد ومكافحة التشهير حاليّاً ومحمد المستكاوي مدير مكتب العفو الدولية بالمغرب وبيير جانز عن نزاهة الصحافة، وصفية لعلو عن الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، وقد سبق لها ان حضرت محاكمة الحقوقي نبيل رجب.كما قدم عدد من مسئولي المنظمات الحقوقية شهادات بتجربة التشهير بهم وعائلاتهم، فقد قدم محمد الزهاري، الرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوق الانسان شهادة بشأن تزايد حملة استهداف الحقوقيين بعد انتفاضة 20 فبراير 2011 وخصوصاً في ضوء مشاركة الجمعيات الحقوقية المستقلة في الانتفاضة في ظل استنكاف الحركة النقابية، وسرد كيفية اعتقاله واعتقال ابنه بتهمة تعاطي المخدرات، وهو ما أبطلته المحكمة ولكن بعد أن وقع الضرر. أما سيد باهي من موريتانيا وهو صحافي ناشط في مناهضة العبودية وفضحها فقد سرد التهم الملفقة ضده لردعه عن مهمته. أما محمد الناصري وهو عميد سابق بجامعة مونبلييه فقد سرد عن معاناة الحقوقيين المبدئيين حتى وهم في المهجر، وسرد أحمد بن صديق ممثل لجنة حماية حرية الصحافة كيف تعرض للتهديد بالاغتيال بتوقيع حركة الشباب الملكي، وحملة التشهير من قبل الصحافة وخسارته للدعاوى المقامة ضدها، كذلك عرض الحقوقي مصطفى الحسناوي الى حملة التشوية التي تعرض لها بسبب نشاطه الحقوقي،وبالنسبة لي فقد قدمت في الجلسة الأولى وقائع التشهير بالحقوقيين مع انعقاد جلسات مجلس حقوق الإنسان في جنيف وما يرافقها من نشاط للحقوقيين البحرينيين، وخصوصاً اثناء الدورة 25 في يونيو/ حزيران 2012 حيث المراجعة الدورية الشاملة، حيث شنت حملة محمومة ضد مجموعة الـ 17 من الحقوقيين المشاركين في جنيف والذين اتهموا بالخيانة والعمالة والتطرف والارتزاق، وفي الجلسة الختامية قرأت التوصيات ومنها ضرورة وجود شبكة عالمية من الصحافيين والمحامين والحقوقيين لرصد حملات مصادر ووسائط التشهير والتصدي لها، وكذلك دعم ذلك بملاحقة قضائية من قبل محامين متطوعين، وطرح ذلك من قبل الحقوقيين في المحافل الدولية، واستخدام آليات الأمم المتحدة لذلك.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 5267 - الإثنين 06 فبراير 2017م الموافق 09 جمادى الأولى 1438هـ