يدفع استعمال روسيا الغازات المميتة في الغارة على المجموعة الشيشانية ورهائنها في احد مسارح موسكو، الى اعادة النقاش عن هذه الاسلحة. والحال ان روسيا فعلت شيئا فريا على الارجح. وبخلاف استخدام صدام حسين غاز الخردل ضد الاكراد في «حلبجة»، خلال الحرب مع ايران، يصعب الحصول على أي تاريخ معروف لدولة استخدمت هذا النوع من الاسلحة ضد مواطنيها!
وفي اعقاب غارات 11 سبتمبر/ ايلول 2001، دأبت وسائل الاعلام الاميركية على التهويل في مخاطر الاسلحة الكيماوية والبيولوجية. وعندها ركز الاعلام على تدرب بعض من نفذوا الغارات على قيادة الطائرات، وجعلت الخطر الكيماوي اشد قربا الى الاذهان. فماذا لو ان هؤلاء استأجروا طائرات رش المبيدات الحشرية، وهي مروحيات يسهل التدرب عليها واستئجارها داخل الولايات المتحدة، واستخدموها في رش مواد كيماوية مميتة او جراثيم خطر فوق مدينة مكتظة بالسكان؟
وعندما عثر على ما وصف بأنه شرائط فيديو من صنع تنظيم «القاعدة» يشرح كيفية صنع اسلحة كيماوية، لم تتوان شاشات التلفزة الاميركية في بث الشريط تكرارا ومرارا، مع تشديد فائق على ما يمثله كل من تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» من مخاطر على أمن المواطن الاميركي.
وكررت شاشات التلفزة الاميركية هذا السيناريو، مع تضخيم اشد، في سياق حملة الرئيس بوش (الابن) على العراق، بهدف تصويره خطرا داهما.
والمفارقة ان فعلة بوتين في موسكو، ربما خدمت حملة التهويل التي يقودها بوش اميركيا، في الوقت الذي تعارض فيه روسيا الضربة الاميركية على العراق.
ويطلق تعبير «ارهاب البيولوجيا» للاشارة الى ضرب اهداف مدنية باستخدام نوعين اساسيين من الاسلحة هما المواد الكيماوية الحربية والاسلحة الجرثومية. وهنالك نوع خاص من الاسلحة البيولوجية يعمل ضد المحاصيل الزراعية، واستخدم في عدد من الحروب.
وترتكز الاسحلة الكيماوية الى مواد قادرة على التأثير في اعضاء الجسم وعمله، وتعتمد الضربة الجرثومية على نشر انواع من جراثيم الاوبئة الفتاكة والسريعة الانتشار. وفي مطلع العام الجاري، قادت المصادفة احد العلماء الى تركيب جرثومة قاتلة لا طاقة للبشر على مقاومتها! يومها، لم يكتم جمع من المراقبين السؤال عن امكان تحول هذه الجرثومة، او ما هو اشد فتكا، سلاحا يحمل شبح الفناء لجموع البشر
بيولوجيا السهولة المميتة
قبل الدخول في التفاصيل، يشار الى ان بعض خطورة هذه الاسلحة ينبع من كونها سهلة التركيب، ولا تحتاج الى معدات معقدة في اعدادها، ويمكن الحصول على مكوناتها الاولية في سهولة، خصوصا في بلد مثل اميركا. والحال ان هذه السهولة هي السبب في الذعر الذي يسببه شبحها في البلدان الصناعية الكبرى. وفي العام 1989، أدلى البروفسور ماثيو ميسيلسون، من جامعة هارفرد، بشهادة امام الكونغرس جاء فيها ان هذه الاسلحة «اشد خطرا من الاسحلة الذرية، فهي اكثر بساطة واقل كلفة... ومن السهولة نسخ برنامج الاسلحة البيولوجية الاميركية، ما يعني ان برنامجنا نفسه يمثل تهديدا خطيرا لأمننا القومي».
ظهرت الاسلحة الكيماوية قبيل الحرب العالمية الثانية على يد الطبيب الالماني غيرهارد شرودر الذي ركّب اول فوسفات عضوي قادر على شل الجهاز العصبي للانسان، وسمي «غاز الاعصاب». والمعلوم ان الاعصاب تفرز مادة «استيل كولين» التي تضبط آلية انقباض عضلات الاطراف والجهاز الحركي والعين والامعاء وانبساطها. ويفرز الجسم مواد تساعد على تفكيك «استيل كولين»، ليتأمن زوال الانقباض ودخول العضلة مرحلة الاسترخاء تمهيدا لانقباض جديد. وبهذه الطريقة تحصل الحركة المستمرة، سواء في الجهاز العضلي او في الشعيبات الرئوية او في الجهاز الهضمي... الخ.
ويتفاعل «غاز الاعصاب» مع مواد معينة في الجسم، ما يمنع تفكك مادة «استيل كولين»، فتبقى كل العضلات في حال انقباض مستمرة، ما يؤدي الى تشنجها وشللها. ويلاحظ ان المبيدات المنزلية تعمل وفق المبدأ نفسه، وان تركيبها قريب جدا من تركيب غازات الاسلحة.
وتشمل قائمة مواد الاعصاب غازات «سارين» و«في أكس» و«سومان» التي تنتشر في الجو وتخالط الهواء، وبعضها لا رائحة له، ما يفسر قدرتها على ابادة اعداد كبيرة من البشر.
وعلى سبيل المثال، ترتكز مبيدات الحشرات الى مواد الفوسفات العضوية التي يتألف منها غاز الاعصاب! وبعبارة اخرى، فإن أي دولة تقدر على صنع المبيدات، تكون على بعد اقل من خطوة من تركيب غاز الاعصاب وغيره من اسلحة الكيمياء المميتة.
الأسلحة الجرثومية وأمراضها
حاول البشر دوما الخلاص من الأوبئة التي تهدد حياتهم، في حين تؤيد عقلية القوة بقاء الجراثيم في اعتبارها سلاحا يعطي من يمتلكه تفوقا!
وهنا لائحة بأبرز ما يستخدم في التسلح البيولوجي:
أ- من البكتيريا:
1- الانثراكس (الجمرة الخبيثة) وهي حمى مميتة تخلف اعراضا تنفسية حادة وقوية، ومن حسن الحظ انها قابلة للعلاج بالمضادات الحيوية، لكن الجراثيم تبقى في التربة طويلا.
2- الطاعون. وتعرف جرثومته باسم «يرسينا بيستس»، وتخلف اعراضا مثل ارتفاع الحرارة ووجع العضلات والوهن وتضخم الغدد اللمفاوية، وربما افضت الى الوفاة بفعل الهبوط الحاد في ضغط الدم.
3- الحمى المالطية (حمى الماشية). وتسبب اعراضا تشبه الانفلونزا الحادة، مع تعرق شديد، واضطراب في الاداء العقلي.
4- حمى الارانب (تولاريميا)، ويكفي التعرض لكمية ضئيلة منها، للاصابة بصداع قوي ووهن وسعال. وهي صعبة العلاج وتميت ثلث حالات الاصابة.
ب- من الفيروس:
1- الجدري. وقضى الطب الحديث على هذا المرض، لكنه يقبع في مخازن جيوش الدول الكبرى، نظرا الى قدرته على قتل ثلث حالات الاصابة. ويسبب بثورا تصبح هي بدورها مصدرا للعدوى.
2- الحمى الصفراء. ويكفي التعرض لفيروس واحد لنقل الاصابة وتسبب حمى حادة ونزيفا وهبوطا في الضغط.
3- حمى «التهاب دماغ الاحصنة الفنزويلية»، التي تسبب صداعا حادا وتقيؤا وأوجاعا عضلية تستمر لمدة اسبوعين.
أسلحة ضد المحاصيل
في فيتنام، حاربت اميركا بلدا فيه سهول الرز الواسعة وغابات كثيفة. وبرعت قوات «الفيتكونغ» في الاستفادة منها لتنفيذ حرب عصابات قوية ضد المحتلين. وحاولت القوات الاميركية رفع غطاء الطبيعة عن مقاتلي «فيتكونغ» عبر رش مواد تؤدي الى سقوط اوراق الشجر.
ومذّاك، ذاع صيت «غاز البرتقال» المشتق من مادة «ديوكسين»، وهي من مواد الصناعة. وما زال اطفال فيتنام يولدون بتشوهات في اجسادهم من اثر «غاز البرتقال». ويصعب على الجسم التخلص من مادة «ديوكسين». وتعمل على تعطيل النـظام البيولوجي عبر تراكمها في الطبقة الدهنية والانسجة عند الانسان والحيوان. ويرى بعض العسكر ان اهمية اسلحة المحاصيل تكمن في قدرتها على حرمان العدو من مصادر طعامه ومحاصيله.
ومن اشهر المواد المستعملة في صنع هذا النوع من الاسلحة، فطرا «تيلليتيا» و«بوسينياغرامينيس» اللذان يهلكان محاصيل القمح، و«بيريكولاريا» الذي يبيد محاصيل الرز، اضافة الى استخدام حشرات زراعية مثل «خنفساء كولورادو» التي تقضي على الذُرَة.
نماذج البيولوجيا
في أسلحة الكمبيوتر
عندما صُنعت فيروسات الكمبيوتر، كان واضحا ان نموذجها هو الفيروسات الحقيقية التي تصيب الانسان وتسبب امراضا تراوح بين الزكام والايدز، وقيل كلام كثير في الشبه بين فيروسي الكمبيوتر والطبيعة. فالفيروس البيولوجي هو كائن دقيق قوامه حامض وراثي مركز، اي انه يحتوي على شيفرة صغيرة من برنامج وراثة، ما يعطيه القدرة على الحياة المستقلة. وتتألف فيروسات الكمبيوتر من برامج صغيرة تقدر على العمل في شكل مستقل. ويميل كلاهما الى العمل على نحو يمكنه من السيطرة على وظائف الوسط الذي يدخله
العدد 57 - الجمعة 01 نوفمبر 2002م الموافق 25 شعبان 1423هـ