لا اعلم ما السر في بقاء عوائل كبيرة من العائدين إلى الوطن في العراء ولمدة طال امدها من دون ان ينظر إليهم او ان يكونوا ضمن اجندة الحكومة. وأعني بالحكومة هنا وزاراتها: الاسكان، العمل، المالية وغيرها. مر عامان على عودة المبعدين ومازالوا يعانون الامرين سواء بسبب ضعف المعيشة او غلق ابواب الوزارات او للتسويفات التي دائما ما تقدم إلى لجنة العائدين إلى الوطن. ولا اعلم ما السر في ان تبذل كل هذه المبادرات المالية والاسكانية من دون ان يكون لهؤلاء العائدين ولو جزء منها وخصوصا ان هؤلاء العائدين جاءوا وهم يحملون روح التطلع إلى خدمة هذا الوطن وهم متشبثون بالمقولة الملكية التي بقيت هي الرهان والأصل الذي يضيء في عتمة أي تعثر معيشي أو اجتماعي، واعني بها مقولة «ان افضل الايام يوم لم يأت بعد».
ان هؤلاء العائدين اصبحوا الاضعف ضمن الحلقات الاضعف في المجتمع، فهم اقل الناس استفادة من كل الخدمات وكل المكرمات. ولو قمنا بتعداد كل المكرمات الرسمية لوجدناهم خارجين عن هذه الدائرة. فعلى مستوى الغاء النسبة من قروض الاسكان فهم خرجوا منها لأنهم لا يمتلكون قروضا وليسوا ضمن دائرة اهتمام وزارة الاسكان اصلا. لأن وزارة الاسكان منشغلة في بيع وتوزيع القسائم الاسكانية.
واذا جئت إلى مكرمة خفض رسوم الجامعة فهي لا تشمل ابناءهم لأنهم لا يمتلكون المال الذي يعيشون به انفسهم فضلا عن ان يرسلوا ابناءهم إلى الجامعات.
اما على مستوى مكرمة بناء مساكن للمحرق أو المقشع او اي ارض، فهل وضع هؤلاء ضمن اللائحة؟ بالطبع لا، على رغم ان حالهم لا يقل عن حال اي مواطن يعاني ازمة اقتصادية، بل هؤلاء جاءوا بعد غياب من دون ان يمتلكوا اقل مستلزمات الحياة من سكن وأكل وراتب. سؤالي هنا: اذا كان هناك توجه عند السلطة لاستيعاب هذه الاعداد من العائدين والعمل على دمجهم في المجتمع ألا يستحق هؤلاء ولو مبلغا او مسكنا كي يشعروا بقيمة المواطنة وكي يشقوا طريقهم في الحياة؟ البعض من هؤلاء عاد بعد 27 عاما من الغربة التي خلقت له فلم يكلف الدولة طيلة هذه الاعوام مئة فلس لدواء او كيس قمامة بل بقي مثل هؤلاء اعواما طوالا وهم يتحملون جميع اعباء الحياة في الغربة. نحن لسنا في مقام طلب عوالة غربة وانما على الاقل يكون امثال هؤلاء ضمن اجندة الحكومة. فليس من الانصاف الوطني ان يبقى البعض من هؤلاء مجردا في العراء محروما من اقل القليل في هذا المجتمع.
في ظل مشروع الاصلاح لاحظنا انواعا مختلفة من المبادرات الكريمة التي عملت على استيعاب جزء من حالات الفقر المتكدسة بين جنبات المجتمع وهناك مبادرات حكومية كثيرة عملت على دفع المواطن نحو المعيشة الافضل ولو نسبيا، وكان هؤلاء العائدون الاقل حظوة ساعة توزيع «الغنائم الوطنية» او الاستحقاقات المعيشية او المكرمات الرسمية. فهم في ظل كل هذه الامتيازات لم يحصلوا إلا على مكسب واحد وهو حق الرجوع إلى الوطن. أما وضعهم المعيشي فهو في تدهور مستمر، لا عمل، لا راتب، لا تأمين اجتماعي، لا سكن، ومع كل هذا الحرمان هم محرومون من كل هذه المبادرات الرسمية التي ذكرتها، بل البعض من هؤلاء لا يمتلكون اقل الامور تداولا لدى العامل الآسيوي البسيط. بعضهم يقطع مسافات طويلة بين كل منطقة ومنطقة اخرى مشيا على الاقدام، لا يمتلك حتى اجرة النقل العام، علما ان بعض هؤلاء ممن يمتلكون المؤهل العلمي الرفيع. ولست مبالغا في ذلك وامتلك الاسماء ايضا حتى لا يعتقد البعض اني اطلقت الكلمات جزافا. وعندما يؤتى بأي اجنبي سواء في سلك التدريس او الهندسة او... فإنه يعطى اضافة إلى الراتب الاضافي علاوة غربة على رغم أنه يصبح في ظل هذا التوازن المعيشي في تعاطي الحقوق احسن حالا من هؤلاء العائدين.
هؤلاء لن يطمحوا إلى ان يتساووا مع بقية المواطنين لأن قدرهم ان يعيشوا غربة خارج الوطن وغربة داخله عندما يرون انفسهم دائما خارج دائرة الاستحقاق. ولا اتكلم هنا عن اصفار في المجتمع وعن متسولين وانما اتكلم عن اناس يختزنون داخل اعماقهم عمق العلم وجذوة حب الوطن.
ان احدهم دكتور من الوزن الثقيل مازال جالسا هو وابناؤه وزوجته في غرفة ضيقة غير صالحة حتى لعيش الدواب، يتقاضى كل يوم دينارا واحدا من ابيه الشيخ الكبير. في حين نرى كيف ان الاجانب يتكدسون ويفرخون في مفاصل الدولة وفي القطاع العام فضلا عن الخاص بينما العائدون يرون كيف انهم مهمشون حتى عن اقل القليل من كل هذه المبادرات. نحن لا نريد ان نثقل موازنة الدولة او ان نكون ضيوفا ثقالا، ولكن على الاقل يعطى هؤلاء قروضا مستعجلة مستردة ولن نقول مجانية حتى يشقوا طريقهم في الحياة، او يشعروا بطعم الوطن بعد كل هذه السنين الطويلة من الغربة. البعض منهم بلغ الخمسين وهو مازال يطرق ابواب الوزارات والمسئولين بحثا عن حل.
وقد تبين بعد الدراسة التي قامت بها لجنة العائدين إلى الوطن ان من بين 195 اسرة، 101 أسرة تعيش ضيفة وليس لديها سكن خاص بها. كما ان 46 اسرة تسكن في منزل او شقة مستأجرة و137 اسرة ليس لديها دخل ثابت وعائلها عاطل عن العمل. سؤالي هنا: كم ستكلف 195 اسرة من موازنة الدولة؟
ان مبادرات الدولة تشمل الآلاف من المواطنين وهذه خطوات ثمنت إلى الدولة وكانت خطوات في الاتجاه الصحيح ولكن ولطول عامين وهؤلاء العائدون في انتظار ان تضيء مبادرة رسمية في نفق معيشتهم المظلم، كي يشعروا بطعم الحياة. هؤلاء لا يبحثون عن امتياز على حساب المواطنين ولكنهم يعيشون ظروفا استثنائية قاهرة بل معظمهم اصبح تحت خط الفقر، وانت تراهم تحسبهم اغنياء من التعفف. وكل طلباتهم ان يعطوا كما يعطى المواطنون، قسائم سكنية من الاسكان، قروضا مستعجلة، عملا، خصوصا ان هؤلاء وطيلة 10 سنوات إلى 20 إلى 30 سنة لم يكلفوا الدولة اية خدمة مدنية او صحية او تعليمية لا هم ولا أبناؤهم بل مكثوا سنين طويلة خارج الوطن ولو انهم قدموا مستلزمات الحصول على بعض هذه الحقوق كقرض الاسكان او الحصول على بيت اسكاني، طيلة هذه الاعوام، لكانوا في عداد الحاصلين فيجب ان توضع في الاعتبار الفترة الزمنية التي قضوها في الخارج. هؤلاء في نهاية المطاف جزء من هذا الوطن فكما ان عليهم واجبات فإن لهم حقوقا، وإن اقل القليل ان يؤخذ بأيديهم إلى حيث المعيشة الكريمة.
وانا هنا احمل جزء عتابٍ إلى وزارة الاسكان وشيئا من التساؤل ايضا. فالوزارة التي استطاعت وفي سرعة ضوئية قياسية وسريعة توفير مساكن للعشرات بل للمئات من الكويتيين الاشقاء فترة الازمة الكويتية العراقية هل تعجز عن توفير وحدات سكنية إلى 195 اسرة بحرينية تعيش كل هذه الظروف المأسوية؟وقد تعمدت عدم ذكر اكثرها مراعاة لحرمة هؤلاء العائدين سواء لحرمتهم الوطنية او الاكاديمية او الدينية.
انا مؤمن ان عظمة الملك ورئيس الوزراء وسمو ولي العهد لن يألوا جهدا في اتخاذ زمام المبادرة لحل مثل هذه القضية الوطنية.
لقد التقت لجنة العائدين إلى الوطن أخيرا سمو رئيس الوزراء وكان لقاء مثمرا إذ وجدت في سموه تلمس الاب لحاجات واوجاع ابنائه وقد خرجت اللجنة من هذا الاجتماع ترافقها قلوب عشرات العوائل على امل الحصول على مبادرة كريمة من سموه وليس ذلك ببعيد ونحن نشهد كل هذه الاعراس الوطنية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 57 - الجمعة 01 نوفمبر 2002م الموافق 25 شعبان 1423هـ