العدد 57 - الجمعة 01 نوفمبر 2002م الموافق 25 شعبان 1423هـ

قلعة البحرين تستصرخنا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

قلعة البحرين بكرباباد عمرها 4500 سنة، وهي ربما تعيش أيامها الأخيرة بسبب سوء التخطيط وبيع الأراضي التابعة لها والمحيطة بها والاستعداد لردم السواحل شرق وغرب القلعة، وتخريب الأرض الزراعية المحيطة بها عبر إزالة الرمال ورمي المخلفات والحجارة وعدم الاعتناء بالطرق المؤدية إليها وإخفاء معالم الوصول إليها وتحويلها من أهم وأقدم مَعلم تراثي موجود في الخليج والجزيرة العربية إلى خربة تحيط بها المشروعات الاستثمارية القصيرة الأجل. هذا الإهمال، الذي يبدو أنه متعمد، دفع مجموعة من علماء الآثار الفرنسيين، الذين جاءوا إلى البحرين منذ السبعينات للتنقيب وحماية وصيانة الآثار، إلى البدء في حملة دولية تدعو إلى إزالة الممتلكات الخاصة التي استحوذت على أجزاء من القلعة و إيقاف عمليات الردم التي تجرى على الجهة الغربية وإبعاد الردم عن الجهة الشرقية بمسافة 200 متر على الأقل. علماء الآثار الفرنسيون يقولون إن هذه القلعة هي أقدم مكان أثري في الخليج والجزيرة العربية، وان سورها الأول الذي بني في عهد دلمون مازالت آثاره موجودة، وان عدم الاهتمام بالقلعة سيكون خسارة للحضارة الإنسانية. كما أن الموقع الأثري موضوع على قائمة الآثار لدى اليونسكو وهو ما يعني أن له حماية دولية لأنه يعتبر جزءا من التراث الإنساني ولا يخص البحرين فقط.

ويستغرب المرء من أن موضوعا مهما يتعلق بتاريخ البحرين لا يحصل على اهتمام البحرينيين، أهالي ومسئولين، وأن الاهتمام يأتي من علماء فرنسيين عاشوا سنوات طويلة في البحرين وغادروها في الثمانينات، ويأتونها الآن محاولين إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

قلعة البحرين بدأ تاريخها مع تاريخ الحضارة الإنسانية، في عصر دلمون، وبدأ بناؤها في سنة 2500 قبل الميلاد وكانت قلعة للحكم الذي يسيطر على البحرين، وتمت إعادة بنائها عدة مرات، فهناك آثار للعهد الذي سيطر فيه القرامطة على البحرين، وأعيد بناؤها في عهد الاحتلال البرتغالي وانتهى استخدامها في القرن الثامن عشر.

وعندما تتحدث إدارة السياحة عن ترويج السياحة العائلية فإنها بحاجة إلى المواقع الأثرية وإلى المتاحف، فكيف ستحقق ذلك إذا كانت تهمل أهم موقع أثري؟ وكيف ستقنع السياح الأجانب المهتمين بالآثار بأن هناك سياحة غير هابطة في البحرين؟ ولماذا تتم التضحية بتراث إنساني يمتد عمره إلى 4500 سنة من أجل فوائد آنية لا تعود إلى الصالح العام، لأن الأراضي تحولت إلى أملاك شخصية؟

ألا يمكن أن يتم استبدال أراضٍ بالأراضي التي تم تمليكها بصورة خاصة وإعادة أراضي قلعة البحرين إلى وضعها الطبيعي، وإعادة ترميم تلك المواقع المحيطة بها بدلا من تدميرها؟

ألا يمكن لنا، ونحن نعيش في عصر انفتاحي، أن نتحدث بصراحة عن مشكلة قائمة منذ سنوات وتستمر حتى وقتنا الحالي. وتتمثل هذه المشكلة في عدم اكتراث المسئولين بآثار البحرين، والأسوأ من ذلك السماح بتمليك أراضي الآثار لمواطنين يقومون بتحويلها إلى منازل للاستخدام الخاص أو لل أو أماكن للإيجار والاستثمار، فهل أصبح الاستثمار الشخصي أهم من المصلحة الوطنية وأهم من المحافظة على التراث الإنساني؟

ثم ما هي الرسالة التي نوجهها إلى العالم عندما ندفن السواحل من دون علم أحد، ولا نكتشف إلا والآثــار قد تم بيع أراضيها أيضا على رغم أن تلك الأراضي يمنع التصرف فيها على أساس القانون البحريني والقانون الدولي الداعيين إلى المحافظة على الآثار؟

لماذا لا يستطيع أحد الوصول إلى قلعة البحرين حاليا إلا إذا كان متمرسا ويعلم كيف يعبر الطرق الرملية وغير المكتملة؟ لماذا لا يتدخل عضو المجلس البلدي الذي انتخبه الأهالي لاستيضاح الأمور والدفاع عن المصالح البحرينية العامة من دون الحاجة إلى فرنسيين يَقدِمون إلى البحرين للدفاع عن تراث البحرين؟

إن لدينا خبراء ومتخصصين بحرينيين في علم الآثار وفي البيئة وفي التاريخ، وجميع هؤلاء مدعوون إلى ممارسة دورهم الوطني والإنساني من خلال مشاركة العلماء الفرنسيين في المحافظة على آثار البحرين، لأن ذلك سيثبت أننا أيضا نغار على بلادنا وتاريخنا وآثارنا وإنسانيتنا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 57 - الجمعة 01 نوفمبر 2002م الموافق 25 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً