أفاد مدير مركز الشرق للأبحاث والدراسات خالد الجابر، في ورقته «تأثير منصات الإعلام الجديد في مشهد الاتصال السياسي الخليجي: أنماط الاستهلاك وتشكيل الفضاء العام» التي قدمها في المنتدى السابع والثلاثين للتنمية الخليجية أمس الجمعة (3 فبراير/ شباط 2017)، بأن «الاعلام الرسمي الحكومي في دول الخليج خسر الكثير من قدراته وزخمة وانتشاره الذي تميز به خلال فترة السبعينيات والثمانينيات حتى منتصف التسعينيات، وتراجعت مخرجاته وتأثيره مع دخول قنوات الاعلام الجديد وخاصة القنوات الفضائية الخليجية والعربية العابرة للحدود».
وأضاف الجابر أن «العلاقة الجدلية بين حرية الاعلام والديمقراطية تستند على حقيقة ان قواعد الديمقراطية الحقيقية تتمثل في فاعلية الاتصال السياسي بين القاعدة الشعبية والسلطة والنخب، وإرساء حرية التعبير والفكر والاعتقاد، وقطعا لا يمكن ان تتوافر كل هذه العوامل الا في وجود منظومة متكاملة تحتفظ بمسافة متوازنة من الجميع ولديها القدرة على الرقابة والتدقيق والتحقيق والنقد وطرح الآراء والأفكار بحرية مكفولة من القانون، بالإضافة الى حرية الحصول على المعلومات وتداولها وعرض القضايا الحساسة والمصيرية والهامة وفتح حوار مجتمعي ومناقشات حولها، كما ويحتاج العاملون والمهتمون بالحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية الى تفعيل وسائل التواصل والوسائط المختلفة والمنابر المتعددة والمتنوعة للتعبير عن آرائهم وافكارهم ووجهات نظرهم، وبالتالي فإن أي تراجع في حرية الاتصال او تقييد وسائل الاعلام والتضييق على حريات التعبير سيؤدى بالضرورة الى تراجع الديمقراطية وآلياتها».
وأردف «وقد شدد توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة الاميركية، وأحد الآباء المؤسسين للجمهورية، والكتاب الرئيسي لإعلان الاستقلال في العام 1776، على أهمية وسائل الاتصال والصحافة الحرة والدور الذي تلعبه وسائل الاعلام في المجتمعات الديمقراطية، وجاء في الجملة الشهيرة التي نقلت عنه قوله: (بما ان الأساس الذي تقوم عليه حكومتنا هو رأي الشعب، فإن الهدف الأول يجب ان يكون صيانة هذا الحق، ولو انني خيرت بين ان تكون لدينا حكومة بدون صحف، او صحف بدون حكومة، لما ترددت لحظة في تفضيل الخيار الأخير)».
وأكمل «كما وتعتبر وسائل الاعلام التي تمثل سلطة افتراضية اطلق عليها مسمى «السلطة الرابعة»، مكمل أساسي للسلطات الرسمية الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتعد الصحافة المهنة الوحيدة المذكورة في الدستور الأميركي الذي ينص على ما يلي: «لا يجوز للكونغرس ان يضع أي قانون، يحد من حرية الكلام أو الصحافة»، ويؤكد الكاتب والمفكر السياسي الفرنسي اليلكسيس دي توكفيل (Alexis de Tocqueville) انه «لا يمكن وجود صحف حقيقية بدون ديمقراطية، ولا يمكن وجود ديمقراطية بدون صحف».
وتابع «على الرغم من التغيرات التي طرأت خلال السنوات الماضية، الا ان مشهد الاتصال في الخليج، اتسم بشكل عام بارتباطه بعلاقة جدلية بين السلطة الحاكمة ومؤسسات الدولة التابعة والجمهور المستهدف، وبمحاولة السيطرة المباشرة وغير المباشرة أو التحكم والتوجيه لأدواته ومخرجاته لعقود طويلة من قبل الدولة الراعية، في ظل غياب او عدم فاعلية أو ضعف توافر او تأثير أدوات الاتصال السياسي (السلطة الرابعة – البرلمان، المجالس النيابية – الأحزاب السياسية – مؤسسات المجتمع المدني)، فلم يكن هناك فصل واضح ومحدد بين السلطات لتأتي وسائل الاعلام وادواتها وتكمل المشهد وتعمل كسلطة رابعة فاعلة ومراقبة ومساندة للسلطات الثلاث الأخرى، الا انه مع انتشار وتزايد استخدام ووسائل الاعلام الجديد (النيوميديا) ومنصاتها، ساعد في إعادة تشكيل ساحة الاتصال السياسي والإعلامي في الخليج وتغيرت معها قواعد اللعبة وتبدلت أدوار اللاعبين التقليديين، ودخول لاعبين جدد، ووفرت أرضية قائمة على إتاحة أرضية واسعة من التعبير والحوار والنقاش المفتوح والمشاركة في الراي والرأي الآخر وتبادل المعلومات والاخبار، يمكن ان نطلق عليها اصطلاحيا «ديمقراطية الاتصال»، حيث تشمل مشاركة كبيرة من جانب السواد الأعظم من الناس وخصوصا الفئات المستبعدة أو المهشمة وفي صدارتها المرأة والقطاعات الشبابية التي تمثل الأغلبية والقوى الصاعدة في المجتمعات الخليجية، لكن أيضا رافقتها العديد من المعضلات التي شكلت عوائق في طريق التعامل والاستخدام الأمثل واستيعاب طبيعة التأثيرات والارتدادات لهذه الوسائل والمنصات الاتصالية الجديدة».
وذكر أن «تأثير وتداعيات أدوات الاعلام الجديد لخصت جل النظريات والاسهامات التي تناولت دراسة وسائل الاتصال خلال العقود الماضية عن القرية الكونية وانتشار العولمة، كما أدى التطور التكنولوجي في قطاع تقنية الاتصالات والمعلومات الى تعاظم أهمية وسائل الاتصال والاعلام، التي أصبحت تمارس من خلال الهواتف الذكية أو ساعات اليد الحديثة، وتعزز دورها في تزويدنا بالمعرفة والأفكار والمعلومات، وقدرتها وعلى نطاق واسع، في التأثير على طريقة تفكيرنا، وصياغة آرائنا، وتشكيل نظرتنا لمختلف الاحداث، التي تدور في مجتمعاتنا، وحياتنا الشخصية بشكل خاص، وكيفية نظرتنا لمختلف الأمور والقضايا في الداخل والخارج، والمتعلقة بالدول والحكومات والاقتصاد والمجتمع والناس، وتساهم في تشكيل الرأي العام وتوجهاته، كما انها تحولت الى الآلة الرئيسية للثقافة والتسلية، وتشارك اللحظات والساعات والدقائق التي نقضيها في مشاهدة البرامج أو مقاطع التلفزيون في اليوتيوب، ومطالعة الجرائد والمجالات المحلية والدولية من خلال تصفح الانترنت أو من خلال شاشة الكترونية صغيرة تحمل في الجيب، في تكوين آرائنا أو الصورة النمطية عن العالم حولنا، وموقفنا وتواصلنا معه».
وشدد على أن «التغير الذي أصاب المنطقة منذ انطلاق شرارة ثورات ما يسمى (الربيع العربي 2011)، لاتزال تردداته تشمل السياسة والمجتمع والثقافة والتعليم، لكن أهمها يكمن في مجال وسائل الاتصال الجديدة من خلال توظيف الأدوات الصغيرة مثل الهواتف الذكية والكمبيوتر المحمول لتوصيل الأفكار ونشر الاخبار وانتقال المعلومات، التي كان يصعب تداولها بحرية في العالم العربي من الدول العربية في المحيط الى عواصم الخليج العربي، دون ان تمر بين أيدي السلطة ومؤسساتها وشخوصها».
وأفاد «في هذا الاطار يبدو ان الاعلام الرسمي الحكومي في دول الخليج خسر الكثير من قدراته وزخمة وانتشاره الذي تميز به خلال فترة السبعينيات والثمانينيات حتى منتصف التسعينيات، وتراجعت مخرجاته وتأثيره مع دخول القنوات الفضائية الخليجية والعربية العابرة للحدود، وعلى راسها المحطات الإخبارية التي غير نهج سريان المعلومات واسترجاعها وتغطية الاخبار واولوياتها للابد، والذي ارتبطت في معظمها بالديباجة المتكررة في استقبال وتوديع القيادات والرسمية وإبراز فعاليات وانشطة المسئولين والمؤسسات في الدولة».
واستدرك «ولكن بالرغم من أهمية دور المحطات الإخبارية الفضائية في رفع سقف الحرية توسيع مساحة الحوار والجدل السياسي الخليجي والعربي إلا ان الأثر كان هامشيا ومحدودا على صعيد احداث تغييرات سياسية حقيقية جذرية على الأرض في دول الخليج على عكس مكان متوقع منذ انطلاقة أثير هذه المحطات وتأثيرها في منتصف التسعينيات، وتبين ان الاعلام وحدة لا يستطيع تحقيق التغيير المنشود».
وأردف الجابر «كما أحدثت منابر الاعلام الجديد نقطة التحول الأكبر في مشهد الاتصال السياسي الخليجي وخصوصا عند الأغلبية المهمشة من الفئة الشبابية الخليجية والعربية على حدا سواء والتي تمثل الغالبية، هذا الفئة لم تعد تطالب بتحسين أوضاعها الاقتصادية حصرياً، بل أصبحت لها مطالب واضحة تتمثل في المطالبات السياسية والاجتماعية والدينية غير المألوفة وربما المحرمة في مجتمع لايزال يحكم بنهج الدائرة الضيقة ويعتمد على التماهي مع ممارسة الأنظمة (الأحادية) المرتبطة بالبعد القبلي والعشائري والمذهبي».
العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ