لنفكر في شيء آخر، كأن تختبئي في الدولاب. وأنا أغمض عيني وأسمِّع للعشرة.
- لا فؤاد. العشرة كثيرة!!
- حسناً سأسمِّع للخمسة، ثم افتح عيني وأبحث عنك.
- لا تتأخر...
***
أدرت ظهري، وهي واضعة يديها عليه. أتقدم، ووجهي مقابل للحائط. أسمع ضحكاتها الجميلة، وكفّاها بالكاد يدفعاني الى الحائط. كانتا تضغطان بخفة، وما إن رفعتْ كفاها حتى استدرت الى الخلف وقبّلتها. ضحكت، وركضت لتختبئ ويجيء صوتها: «هيا فؤاد، استدر وأغمض عينيك».
بدأت بالعَد:
واحد
اثنان
ثلاثة
أربعة
خمسة...
استدرت أمشط الغرفة...
لم تكن «دارين» ظاهرة، لكن لعطرها اللطيف يد خفية، ولها بريق لؤلئي ينثر سماوياً.
انطلقت لفتح الخزانة التي أمامي: أول خزانة كانت خالية، سوف أغلقها ببطء شديد. أقول لنفسي: كي لا تتكهّن بفتحي لباب الخزانة التالي، ثم افتح الباب التالي، وكان المكان خالياً أيضاً من حبيبتي... لا يليق بها ان تكون سجينة في خزانه. العتمة تخيفها... أخذت نفساً عميقاً بينما أغلق باب الخزانة.
اتجهت نحو السرير تحته أطالع... لم تكن مختبئة هنالك أيضاً. أصبح الشوق إليها يتحرش بي، يشاغبني، وأنا الذي أود مشاغبته. نزعت الملابس التي على علّاقة الملابس الموضوعة خلف الباب. لم تكن خلفها، لا مكان لتختبئ فيه في الغرفة، فالغرفة مقفلة والمفتاح في جيبي!
تراءت لي الشرفة مفتوحة، انطلقت نحوها... الستائر الحريرية أخذت تتعلق بي، أصبحت كريشة بينها. إحداها لثمت وجهي، فإذ بعطر حبيبتي يغمر أنفاسي... عطراً دمشقياً، كما تحب أن تغرق شعرها الأحمر به. أطلقت زفيراً بطمأنينة، إذ كنت واثقاً بأنها في الشرفة. أميط اللثام عن وجهي، فلا أجد حبيبتي «دارين» حيث توقعت.
هل يعقل أنها حلّقت بجناحين خفيين الى المساء؟!
كيف سألحق بها وأنا بلا جناحين؟!
ناديت عليها لتنزل حيث أنا فلم ترد. بدأت تتسارع دقات قلبي!!!
بدأ القلق يعصر خاصرتي، وجسمي ترتفع حرارته!!
علا صوتي مردّداً اسمها: «دارين... دارين»!!!
أخبرتها أن اللعبة قد انتهت.
أخبرتها عن شوقي لها.
أخبرتها أنّي أحبها ولا أطيق فراقها.
أخبرتها أنّي لا أصدّق موتها!!!