العدد 57 - الجمعة 01 نوفمبر 2002م الموافق 25 شعبان 1423هـ

مواطن الضعف والقوة في الإدارة اليابانية

عندما نبحث بالتفصيل في الإدارة اليابانية وتأثيرها، يجب أن ندرس مواطن الضعف بالإضافة إلى مواطن القوة للإدارة اليابانية في الخارج. ويمكننا أن نحدد أربعة عناصر ضعف هي: اللغة، الفهم العنصري، الدين، وعدم استحسان الطبقات الاجتماعية.

لدى اليابانيين التقليديين صعوبة متعمقة الجذور في تحدث لغة أجنبية. ربما يرجع ذلك جزئيا إلى عدم الثقة في المعتقدات أو الأفكار المعبَّرة عند الزَنِّية (فرقة بوذية). إذ لا يعتقد اليابانيون بجدوى التعبير الشفهي. وربما يرجع هذا الأمر أيضا إلى الثقافة ذات الميول الخجولة حيث تعتبر نظرية المحافظة على الهوية مهمة. وتبدو نظرية التجربة والخطأ - الضرورية عند تعلم التحدث بلغة أجنبية - أكثر أو أقل غرابة لليابانيين. تاريخيا، تعتبر اليابان جزيرة ودولة متجانسة، وحتى عهد قريب، ظلت من دون أن تضطر إلى التحدث بلغة أخرى.

ويعتبر عدم وجود التجربة الكافية بالتوترات والمشكلات العرقية عائقا آخر. وعلى رغم أن لليابان بعض المشكلات المتمثلة في نوع من التحيز والتمييز العرقي، ولكن لا يمكن مقارنتها بتلك المشكلات في الدول الأخرى.

ويميل اليابانيون إلى الاعتقاد بسذاجة أن أولئك البشر الذي يشتركون في اللون، والبشرة والشعر نفسه، يعملون، ويفكرون ويحسون بطريقة واحدة. يسبب هذا الاعتقاد لهم في أحيان كثيرة توجها نحو جهل الادراك بأحاسيس الآخرين. ومع استثناءات قليلة، لا يعتبر اليابانيون شعبا متدينا. اذ انهم يعتبرون الدين شأنا أسريا قائما على التقاليد وبينما نجد لدى اليابانيين حسا مميزا للفضيلة والمبادئ الأخلاقية، فإنهم يفتقدون المعتقدات الدينية القوية كما هي مأخوذ بها وممارسة بشدة بواسطة غير اليابانيين. بل ولا يعلمون كثيرا عن الديانات الأخرى - وخصوصا عن الاسلام - ما يقودهم إلى عدم الاعتبار - أحيانا - بمشاعر الآخرين.

وتوجد الطبقات الاجتماعية فعليا في المجتمع الياباني، ولكنها غامضة مقارنة بتلك الموجودة في الغرب والدول النامية، كما أن الفوارق الاجتماعية طفيفة. اذ يمكن لابن المزارع أن يرتفع إلى القمة بقليل من التعليم. بينما يتطلب الأمر، في الولايات المتحدة درجة ماجستير في إدارة الأعمال من أجل الترقي إلى وظيفة ادارية عليا في المؤسسات الكبيرة. في اليابان، على سبيل المثال، توجد لدى خريجي المدارس العليا فرصة كبيرة في الترقيات العليا.

ويعتبر التأصيل بكل ما تحمل الكلمة من معنى نظرية المنافسة في أية فكرة تجارية معينة وفي العلاقات بين الأشخاص. وفي الوقت ذاته التواضع مطلوب.

عند زيارة كثير من المصانع اليابانية، يصعب تحديد من هو الرئيس، فكل موظف يرتدي البدلة النظامية نفسها، ويأكل عادة في الكافتيريا ذاتها التزاما باعتقاد واسع مشترك بنظريات المساواة.

ومن أجل الادراك الكامل والفهم الحقيقي للإدارة اليابانية، يجب أن يتعمق الانسان في القيم، والسلوكيات، الوظائف، والبنيات الأساسية للمؤسسات اليابانية.

ويمكننا تحديد بعض العناصر الايجابية للإدارة اليابانية، وتشمل الجماعية، التنوع الوظيفي، والانضباط التنظيمي، اذ يعتبر اليابانيون مجتمعا يتكيّف مع العمل الجماعي الديناميكي. ويمكن أن يكون هذا الاتجاه الجماعي أحد أصول الأعمال أحيانا. إذ يضحي الفرد أحيانا لصالح المجموعة ولكن ليس كلية. وفي أحوال كثيرة تتشكل مجموعات صغيرة داخل شركة لتحل مشكلات متعددة. ولذلك يجد الفرد فرصة مواتية بسهولة للاستماع إليه.

يستغرق اليابانيون وقتا طويلا في اتخاذ القرار ولكن قليلا من الوقت في التنفيذ: في الغرب عادة العكس هو الصحيح. ومع ذلك، عندما تقارن كلا النظامين، فإن الطريقة اليابانية هي الأسرع في أحيان كثيرة. وتشير الاحصاءات إلى أن اليابانيين يستغرقون أكثر أوقاتهم في التوثيق والإعداد للقرار ويستهلكون أكثر من 70 % في ذلك الأمر، بينما يستهلكون بقية الوقت في التنفيذ. ويعتبر قبول المرونة سائدا وسط اليابانيين وربما تكون له علاقة مرة أخرى بعدم الثقة بالتعبير اللفظي لدى فرقة «الزنِّية البوذية». ولعبت المرونة دورا مهما في رفع الانتاجية في فترة ما بعد الحرب وحتى نهاية الثمانينات. عندما واجهت اليابان تغييرات متسارعة في الأوضاع الاقتصادية، استطاع اليابانيون التأقلم والتكيف مع تلك التغييرات. ولذا يعول الكثير على تلك الميزات الجيدة للإدارة اليابانية للخروج من الأزمة الاقتصادية التي استمرت طوال التسعينات.

وفقا لدراسة عن الثقافة المقارنة، توجد في اليابان في الوقت الراهن، حوالي تسع عشرة طريقة للتعبير عن كلمة «لا» من دون استعمال كلمة «لا» نفسها.

ولذلك قال محاسب متسوبشي ايركرافت، ومقره في تكساس، «كان عليَّ أن أتعلم أن أقول «لا» بدلا عن هذا صعب جدا». لأن هذا النوع من التعبير «الغربي» يسبب أحيانا خلافا مع الرئيس في العمل أو الصحافة.

ولكي تفهم نظام الخدمة الياباني، تحتاج إلى أن تدرك ثلاثة أعراف تقليدية متداخلة مهمة وهي خدمة الحياة الطويلة، الأقدمية القائمة على بنية الأجور وأنشطة اتحاد المشروعات. إذ نشأت أنظمة الخدمة الطويلة من تفاهم ضمني بين العامل والإدارة انه بمجرد انضمام العامل إلى الشركة يبقى فيها حتى سن التقاعد. ولن تصرف الشركة، من جانبها، العامل عن الخدمة (الا في حال الظروف القاسية مثل الركود الذي حدث بعد الحرب) حتى يصل سن التقاعد. (تصل سن التقاعد تقليديا إلى55 سنة، وأصبح تمديد سنوات قليلة عرفا أخيرا والآن 34 % من جميع الشركات اليابانية تحدد سن التقاعد بحوالي 60 عاما أو أكثر) وهذا الأمر (الوظيفة الحياتية) هي احدى العوائق حاليا للخروج من أزمة التسعينات. يختلف إذا النظام تماما عن مثيله في الولايات المتحدة وأوروبا إذ ليس ضروريا الحكم بأن يبقى العامل في الشركة نفسها لمدة 30 أو 40 عاما.

ولذلك يُظهر النظام الياباني محاسن ومساوئ لا توجد في الغرب. من ناحية يوفر النظام استقرار خدمة دائمة، بينما من ناحية أخرى يؤدي في أحيان كثيرة إلى صرامة وزيادة عن الحاجة غير مرغوب فيها. ويعتبر الاستقرار عامة في صالح العمال أكثر بينما الصرامة من مساوئ النظام تجاه الادارة خصوصا في أوقات الركود. ربما نتساءل، إذا لماذا تظل الادارة راغبة مثل العامة في الاستمرار في نوع نظام الخدمة هذا؟

تعتبر الاجابة الأكثر وضوحا هي أن النظام يمثل ضمانا ضد قصور محتمل في الأيدي الماهرة في المستقبل. ومع ذلك تعتبر هذه الاجابة جزئية. ويبقى السبب الحقيقي المتعمق أكثر يتعلق بالاخلاق والعلاقة العاطفية بين المُستَخدِم والمُستخدَم. وتقيَّم هذه العلاقة من كلا الطرفين غالبا على أنها جزء لا يتجزأ من عالم الاقتصاد الياباني، وحتى جزء لا يتجزأ من المجتمع الياباني بالمعنى الواسع لتلك العلاقة.

يحس العامل، والفضل لهذا النظام، أنه يمكن أن يضع ثقته واعتماده في الشركة. وفي الوقت ذاته، يصبح لديه اساس سامٍ للمشاركة والوحدة مع الشركة.

ويسمح استقرار النظام، بالقدر نفسه، للإدارة أن تضع ثقتها في الخدمة الدائمة والتعاون من جانب العاملين، وتخلق بذلك عاطفة أقرب إلى الأبوية أو الشأن الأسري.

ويشجع النظام أيضا كل عضو أن يضع أولوية قصوى لإعداد خلفه. ومع ذلك، يقلل النظام مرونة سوق العمل بشدة، محدثا تمييزا واضحا بين قوى العمل المتنقلة وتلك الثابتة. وتكوِّن المجموعة الأخيرة (قوى العمل الثابتة) نواة لقوى عمل الصناعة بينما تعتبر قوى العمل المتنقلة ثانوية أو قوة من الدرجة الثالثة فقط، وحتى غير مرغوب فيها تحت ظروف معينة. ولكن، هزَّ أسوأ ركود بعد الحرب وأزمة النفط هذه الأعراف التقليدية والقيم برمتها.

وتعتبر الرعاية اليابانية والفوائد الهدابية العمود الفقري لدعم نظام الخدمة الفريد في البلاد. تتكون تلك الرعاية والفوائد من برامج الأمن القومي بالإضافة إلى المعايير المختلفة المعدة بواسطة الشركات والتي تمتد من منزل الشركة إلى مجموعات ترتيبات للنخبة.

وبالعودة إلى نقطة البداية في هذا التحليل للإدارة اليابانية، فإنها تواجه بتحديات كبيرة، يجب أن تتغلب عليها، على سبيل المثال، تحدي العولمة والاستثمار المباشر الياباني المتزايد بالخارج وبذلك عليها أن تتأقلم مع المشكلات الادارية الناتجة عن العمليات الخارجية بسبب الخلافات الثقافية.

وتتمثل الطريقة اليابانية لتحفيز المواطنين كما عبر عنها احد الكتاب في «توكيد فهم شخصي رفيع لحياة مشتركة وتشجيع العاملين للمشاركة في جميع مظاهر شئون الشركة». يجب أن يواجه العشيري الفطري أو المميز للياباني، الذي يؤثر الطريقة الأبوية واتخاذ القرار المرتكز على الاجماع، لأول مرة في التاريخ التنظيمي للأعمال، التحدي العظيم المتمثل في تكييف الادارة وأساليب المؤسسة مع المناخات الثقافية والمبادئ الاجتماعية المختلفة. وفوق ذلك، يجب أن تمسك المؤسسات اليابانية باخلاقيات عمل متغيرة تتمثل في قيم عمال شباب أكثر تعليما ويرغبون في تنقل مستمر، حياة عملية نوعية أفضل، ونشاط ذاتي أكبر في فترة زمنية قصيرة.

ولكن ربما تستطيع المرونة التي تشبه التأقلم وابداع النشاط المؤسساتي الياباني كما ظهر ذلك في الأوقات العصيبة في الماضي، التغلب على هذه المصاعب وأوقات الشدة الراهنة

العدد 57 - الجمعة 01 نوفمبر 2002م الموافق 25 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً