واصل تجار المنامة - وهي السوق القديمة الرئيسية في البحرين - شكاواهم من ركود سوقهم التي سخت عليهم بالرزق، كما سخت على من قبلهم من التجار فيما مضى طوال العقود الفائتة دون أن تطلب المقابل. وربما نسي الناس هنا في البحرين متعة التسوق كما يقول البعض، ولكن الأجانب مازالوا يعشقون التجول في دروبها، بين محلات الأقمشة التي تتدلى منها القطع المختلفة الألوان لإغراء المتسوقين، إلى محلات العطور التي تنفث أريجها في الأرجاء، إلى سوق الحلوى القديمة التي يباع فيها أجود ما يصنعه البحرينيون من الحلوى التي اشتهرت بها البحرين. ولكن... وبمناسبة انعقاد الاجتماعات الأولى للجنة التي شكلت لبحث تطوير السوق، تمنى تجار في المنامة على المسئولين الاستماع اليهم، فهم الأقدر على فهم مشكلات سوقهم، وبالتالي هم الأصلح فيمن يساهم في حل هذه المشكلات.
نقص الخدمات والمرافق
فإلى جانب صعوبة إيجاد المواقف التي وصفها التجار في موضوع سابق نشرته صحيفة «الوسط» بأنها العقبة الأولى التي تعاني منها سوق المنامة، تأتي بعد ذلك مشكلة غياب الخدمات والمرافق العامة عن السوق. فالمتسوق لا يعرف مواقع ما يحتاج من مرافق أثناء تجوله في شوارع المنامة. فلا توجد مثلا لافتات إرشادية تدلك على مواقع السوق المختلفة. والاستراحات المظللة غائبة عن كل الشوارع. بل لا يوجد ميدان واحد في المنامة يعطيها الطابع الذي تتمتع به معظم عواصم العالم، إلا إذا عُدّت البقعة المشجّرة في الشارع المحاذي لفندق صحارى، حيث تقف الحافلات العامة، ميدانا في الأساس.
يقول تاجر الألبسة يوسف الحمد في مقابلة مع «الوسط»: «أي متسوق يحتاج إلى أن يرى علامات إرشادية لتبين موقعه من السوق وبقية بقاع المنامة. لا يوجد مثل هذا الشيء في سوقنا، الأمر الذي لا يخدم السائح الأجنبي أو المتسوق الخليجي الذين هم أحد المصادر المهمة في السوق».
ويتساءل: «نرى المسئولين يتحدثون كثيرا عن السياحة، فماذا قدموا للسياح في السوق؟» مضيفا: «لا يوجد ميدان رئيسي للسوق نفسها لاستقطاب الزبائن كما يوجد في غالبية مدن العالم التي تهتم بالسياحة».
واشتكى التجار من اختفاء خدمات أساسية أخرى عن السوق مثل دورات المياه ومياه الشرب، ولكن عضو المجلس البلدي في العاصمة مجيد ميلاد قال إنه تم مسح محلات مختلفة من السوق وتمت التوصية بتخصيصها لهذا الغرض، وهو أقرّ أيضا بعدم وجود النظافة المناسبة في السوق.
وبينما اشتكى بعض التجار من ضيق اشتراطات البلدية التي تعيق أصحاب المحلات من تطوير محلاتهم، قال ميلاد: «يقع على عاتق التجار أيضا تطوير محلاتهم وطرق عرض بضائعهم مثلا وتحديثها».
وقال تاجر الأقمشة محمد النامليتي ان السوق يفتقر كذلك إلى الاستراحات والمقاهي الشعبية وتسهيل المرور إلى المرتادين بشكل عام. ومضى يقول: «السوق بحالة يرثى لها، ومن يراها ينظر إليها وكأنها سوق في زمن الخمسينات باستثناء بعض المجمعات».
وشدّد على أهمية دراسة إعطاء السجلات. ويفسر ذلك بقوله: «البعض يفتح سجلات يجلبون عمالا لهم ليعملوا في نشاط غير النشاط المصرح له ثم إذا خسر يترك المشكلات كلها على صاحب السجل وخصوصا إذا كان كبيرا في السن أو امرأة».
ونصح النامليتي بإخضاع عملية إعطاء السجلات لمن يطلبها من التجار إلى مزيد من البحث للوقوف على الأسباب الحقيقية التي يسعى وراءها صاحب السجل أو طالبه.
غياب التمويل وعمالة مقنعة
وتحدث التجار عن غياب التمويل لمشاريع تطوير السوق ودعمها من أصحاب رؤوس الأموال وخصوصا ممن استفاد من السوق في وقت انتعاشها من قبل.
يقول الحمد: «منذ الثمانينات بدأ وضع السوق في الانحدار. أصبحت مبيعاتنا حوالي 10 في المئة بالمقارنة مع ما كانت عليه. وهذا لا يخفى على المصارف في معرفة أيداعاتنا لديهم».
ومضى يقول: «إلى متى نناشد المسئولين ونراهم يعقدون اجتماعاتهم بينما نرى زملاءنا من التجار وأصحاب المحلات يتساقطون كأعجاز النخيل ونحن ننظر إليهم بحسرة؟».
وتساءل: «هل من الصعب أن تتبنى بعض المصارف والشركات مشروعات تطوير السوق؟ هذا هو الوقت المناسب لكي تؤدي هذه الجهات ولو جزءا بسيطا من واجبها تجاه السوق التي استفادوا منها في فترة ازدهارها». وحث مع زملائه المستثمرين للنظر في أمر السوق وإخضاعها لدراسة جدوى استثمارية لتعود على جميع الأطراف بالفائدة، مبدين استعدادهم لتحمل جزء من كلفة إعادة إعمار السوق وتخطيطها ولكن بصورة «حقيقية» ومدروسة تعيد إلى المنامة الانتعاش الذي كانت فيه خصوصا في ظل تزايد الأعباء المالية من فواتير وأجور لأصحاب المحلات أو العمال.
ويعقب النامليتي بقوله: «نريد أن نرى الأماكن التي أخليت في السوق وإمكان النظر إلى كيفية إصلاحها. توجد شوارع خالية من الدكاكين مشغولة بالمارة».
وأشار التجار أيضا إلى انتشار ظاهرة «العمالة المقنّعة» التي تعمل بسجلات «مموهة» ولكنها تبعث بالأموال إلى بلدانها وخصوصا من الدول الآسيوية.
ويقول بعضهم إنه لو قامت الجهات المعنية بحملات تفتيش في سوق المنامة على المخالفين لنظم الإقامة من الآسيويين لأقفلت كثير من المحلات.
ويبدو أن من الآسيويين من يبيع بأسعار تنافس التجار البحرينيين بشكل يضرهم بسبب أن الآسيوي لا يدفع أجرة المحل أو الخدمات الأخرى ولا الديون للتجار الآخرين.
يقول الحمد: «كم من حوادث سرقة الأموال والهروب حصلت بين الآسيويين؟ بينما إذا أفلس التاجر البحريني يباع حتى منزله ويترك للعيش على البلاط!».
وحذر من أن هذه الظاهرة ستزداد إذا استمر وضع السوق على ما هو عليه.
إشراك أصحاب المشكلة في وضع حلها
يتضح أن لدى التجار رؤية مشتركة حول الأسباب التي سببت الركود في سوق المنامة. ويتضح أيضا أن لديهم حلولا لهذه المشكلات فهم يعايشونها بشكل يومي أمامهم ويفكرون كثيرا في حلها. ولهذا فهم يطالبون دائما بأمرين. أولهما وضع جدول زمني لبحث المشكلة. وثانيهما إشراكهم في اللجنة التي شكلت للبحث في حال السوق لوضع تصوراتهم أولا بأول أمام المسئولين.
يقول النامليتي: «يجب أن تكون الجهة المسئولة صريحة في طرح مشكلات السوق. لا يجب أن يكون هناك تسويف للمشكلات».
وقال ميلاد: «عندي اتصال لاختيار اثنين من التجار ليكونا من ضمن أعضاء هذه اللجنة».
وأقر فريق العمل للجنة في اجتماع عقد أخيرا تطوير السوق على مرحلتين، الأولى يبدأ العمل بها فورا وتشمل المنطقة من باب البحرين إلى شارع الشيخ عبدالله. والمرحلة الثانية تنفيذ المخطط العام لتطوير السوق بالكامل
العدد 57 - الجمعة 01 نوفمبر 2002م الموافق 25 شعبان 1423هـ