دخل تكتل الليكود العنصري - المتطرف الائتلاف الحكومي مع حزب العمل الاسرائيلي من باب الأمن، وخرج العمل من الائتلاف من باب الاقتصاد. فالأمن عنوان الاول والاقتصاد عنوان الثاني بينما السياسة، وهي جوهر المأزق الصهيوني، كانت خارج سياق البحث.
الخلاف بين حزب العمل وتكتل الليكود على الموازنة هو العنوان المشترك. فالفريق الاول يريد انفاق الموازنة لتعزيز مواقعه في فئات اجتماعية يعتبرها العمل من جمهوره الانتخابي. والفريق الثاني يريد انفاقها على المستوطنات لتغذية جمهوره الانتخابي. وعلى رغم ان الاول ليس ضد المستوطنات والثاني يراهن على كسب مختلف الفئات لتعزيز نظرية الأمن القومي إلا انهما اختلفا على نسبة التوزيع وحصص الفئات التي تتكون منها الدولة العبرية.
الاختلاف على الموازنة هو العنوان المشترك بينما واقع الامر يشير إلى وجود أزمة حقيقية تطاول بنية الدولة. حزب العمل لا يتحدث عن السياسة بل يغلب لغة الاقتصاد على مختلف الامور. وتكتل الليكود لا يشير إلى السياسة بل يغلب لغة الأمن على مختلف القطاعات الاخرى.
والحقيقة الغائبة بين اللغتين هي سياسة الدولة العبرية ووصول نظرية الأمن إلى حائط مسدود بعد ان شكلت المدخل السياسي لفوز شارون بالانتخابات الاسرائيلية بغالبية ضئيلة وفرت له فرصة تشكيل الحكومة التي ارادها ائتلافية حتى لا يتعرض للابتزاز من الفصائل الصهيونية والاكثر تطرفا منه.
والجانب الآخر من الكلام المغيّب هو ايضا وصول نظرية حزب العمل السياسية إلى حائط مسدود. فهو يريد التفاوض مع الجانب الفلسطيني تحت سقف الاحتلال ولا يريد الانسحاب من الاراضي المحتلة حتى لا يخسر في الكنيست الاسرائيلية لمصلحة تكتل الليكود.
ولان السياسة (مأزق الاحتلال) هي جوهر الخلاف تجنب العمل الكلام عنها ومال إلى الاكثار من الحديث عن الموازنة. فالعمل يواجه احد اهم ازماته منذ تأسيس الدولة فهو الحزب المؤسس وخاض قبل قيام الكيان الصهيوني وبعد قيامه سلسلة حروب انتصر فيها كلها إلا حرب اكتوبر/ تشرين الاول 1973. ومنذ تلك الحرب تراجعت مواقعه وتقلص دوره لمصلحة تكتل الليكود الذي نجح في الوصول إلى السلطة مستفيدا من تقصير العمل في معركة اكتوبر (حرب رمضان).
ومنذ نهاية السبعينات دخلت «اسرائيل» فترة ازدواجية السلطة. فالحزب القائد تراجع وبات بحاجة إلى شريك له في الدولة لادارة السلطة وتحديدا عندما تواجه سلسلة استحقاقات مصيرية.
ازدواجية السلطة فتحت باب التطرف الصهيوني على مختلف انماطه واشكاله. وتحولت المزايدة إلى استراتيجية حزبية وبات التطرف هو العنوان الذي يزيد من شعبية الاجنحة الحزبية. فالعمل تآكلت اجنحته إلى ان سيطر التطرف على قيادته. والليكود زاد تطرفه الاصلي إلى ان هيمن شارون على قيادته.
وفي الشارع الاسرائيلي حصل الامر نفسه. فلم تعد الحسابات العاقلة (التفاوض مع الدول العربية لتحقيق السلام العادل) هي التي تقود بل تحوّل الاعتزاز بالقوة (التفوق العسكري على مجموع الدول العربية) إلى استراتيجية كسب الاصوات الانتخابية.
انتهت المزايدات على ابتكار سياسات التطرف إلى تكوين جمهور انتخابي تسكنه هواجس الأمن وعقلية السيطرة. إلا ان تلك المزايدات المجنونة أسست مجموعة خطوط فكرية تسيطر عليها المخاوف. فالدولة خائفة من المستقبل. وحزب العمل خائف من الليكود. والليكود خائف من المستوطنين. والمستوطنون خائفون من السلام. والسلام لا يقوم من دون انسحاب اسرائيل من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وتفكيك المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان.
انها دائرة مقفلة. وحين تقفل الدائرة على التطرف تتقلص امام الدولة (الاحزاب والجمهور الانتخابي) ابواب حرية الاختيار. فالاختيارات تصبح موقوفة امام «الموات التاريخي» أو المغامرة العسكرية.
وهذا هو جوهر الخلاف السياسي (المسكوت عنه) بين العمل والليكود
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 56 - الخميس 31 أكتوبر 2002م الموافق 24 شعبان 1423هـ