العدد 56 - الخميس 31 أكتوبر 2002م الموافق 24 شعبان 1423هـ

المصالح المشتركة تخلق أمنا مشتركا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بدأت الحركة الديمقراطية في بريطانيا من مفهوم مباشر يقول «لا يمكن أخذ أموال من جيب أي شخص إلا برخصته»... وعلى هذا الأساس بدأ الاقطاع والتجار يطالبون الملك قبل سبعة قرون بالأخذ برأيهم في كل أمر يخص الضرائب أو المالية العامة التي يطالب الملك بزيادتها أو دعمها عند الحاجة لذلك. ولذلك فإن المشاركة في الحكم كانت بين الملك والاقطاعيين لفترة طويلة قبل أن يصبح هناك دور للإنسان الاعتيادي الذي لا يملك الكثير. وعلى هذا الأساس فإن نظام المحاسبة والمساءلة الذي ينتج عن الممارسة البريطانية يدور حول مالية الدولة وكيف سيتم صرفها. والبريطانيون لا يهتمون كثيرا بكمية الأموال لدى هذه العائلة أو تلك، أو لدى هذا الفرد أو ذاك، ويبدأون المحاسبة فقط عندما تطلب منهم الحكومة ضرائب ليسألوا أين سيتم صرف هذه الضرائب ولماذا تريدونها؟

أما الحركة الديمقراطية في فرنسا فبدأت قبل قرنين من مفهوم آخر يقول بأنه «لا سلطة لأحد على أحد إلا بتفويض واضح». وانطلقوا من مفهوم سواسية الإنسان مع أخيه الإنسان وأنه لا يوجد فضل لطبقة على طبقة. وعلى هذا الأساس فإن المحاسبة في فرنسا ترتبط بكل قرار حتى لو كان ذلك القرار ليس له علاقة بالمال وطريقة صرفه. وعلى هذا الأساس فإن الجانب الفكري لدى الفرنسيين أغزر مما هو لدى البريطانيين.

والمفارقة بين الممارستين البريطانية والفرنسية مستمرة حتى يومنا هذا. فبينما يركز الفرنسيون على دور الدولة وأهمية اصدار قوانين كثيرة لكل شيء، وأن هذه القوانين تصدرها الهيئات المنتخبة، نرى في بريطانيا أن التركيز ينصب على المساءلة المستمرة للحكومة من قبل البرلمانيين فيما يخص الأداء الحكومي بل ان رئيس الوزراء يجب عليه أن يجهز نفسه أسبوعيا للإجابة عن أسئلة البرلمانيين عن أدائه في ذلك الأسبوع.

والنظام البريطاني قام على أساس الاعتراف بوجود طبقات في المجتمع، وان لهذه الطبقات حقوقها الموروثة التي لا يُعترض عليها، بينما قام النظام الفرنسي على أساس إنكار وجود طبقات في المجتمع.

ولكن ومع مرور الزمن لا يمكن للمرء أن يفرق كثيرا بين المحصلة التي وصلت إليها كلا التجربتين، ففي كل من بريطانيا وفرنسا ارتبطت مصالح المواطنين ببعضهم بعضا، وارتبطت مصالح الفئات الاجتماعية ببعضها بعضا، وهذه المصالح تبادلت الدعم بينها وحاولت تقريب الفجوات بين مختلف الطبقات والفئات واتجهت نحو تعزيز حق المواطن في حياة حرة كريمة وآمنة من تسلّط الدولة أو تسلط أفراد المجتمع على بعضهم بعضا.

المصالح المشتركة إذن كانت الوسيلة التي تحقق من خلالها الأمن الأهلي، ووجدت هذه الأنظمة أن القلاقل سرعان ما تعود عندما تشعر فئة من المجتمع (سواء كانوا عمّالا، أو أقلية تعيش داخل أكثرية أو العكس أو أية فئة أخرى) أنها منعزلة عن المجتمع، أو أن السلطة المسيطرة تحاول ابعادهم عن دورهم الطبيعي في الدولة والمجتمع.

ولذلك، وعندما انفجرت حوادث شغب قام بها الشباب البريطانيون من أصل باكستاني في وسط بريطانيا قبل عامين، سارعت الحكومة البريطانية إلى اشراك رموز وممثلي الجالية الباكستانية في طرح الحلول والمباشرة في تنفيذها بمساندة الدولة. بمعنى آخر، فإن الحكومة رأت نفسها عاملا مساعدا لفاعلي الخير وليست المسيطرة والناهية والآمرة.

وعندما ننظر إلى تجارب الغير إنما ننطلق من توجيه رسولنا الأعظم (ص) «الحكمة ضالة المؤمن» وان الحكمة موجودة في كل مكان وزمان والمؤمن أحق بها لأنه يبحث دائما عن أقرب الطرق للوصول لرضا اللّه الحكيم العليم.

وما نمر به في البحرين تجربة لها ايجابيات ولها نواقص، والنواقص يمكن معالجتها عندما نربط مصالح المجتمع ببعضه بعضا ويكون مصيرنا مشتركا وتكون لدينا القدرة الفعلية على تحديد مصيرنا بأنفسنا. ولعل النواقص الموجودة حاليا نابعة من عدم اكتمال الثقة بين الأطراف السياسية الفاعلة في المجتمع وشعور طرف ما بأن القبول بترتيب دستوري معيّن سيضر به وبمصالحه، ربما نحن بحاجة إلى حلول أخرى للخروج من بعض العقد، لأن معرفة جذر المشكلة والسعي إلى حلها سيساعدنا جميعا على ربط مصالح فئات المجتمع بعضها بعضا، وبالتالي نسعى إلى حماية الكيان المشترك بيننا الذي نشعر اننا جميعا جزء منه وان حقوقنا فيه ليست مستنقصة وان كرامتنا محفوظة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 56 - الخميس 31 أكتوبر 2002م الموافق 24 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً