في أحد الصباحات الشتوية فاجأتنا إحدى الصديقات بطبق ساخن من الساقو (طبق حلاوة شعبي مصنوع من حبيبات النشا والسكر والهيل والزعفران ويزين عادة بالجوز). إحدى الحاضرات سبقت الجميع إلى اللقمة الأولى، وأغلقت عينيها وهي تمضغ هذه اللقمة بهدوء كمن يستمتع باللحظة، وعندما أطالت، سألتها صاحبة الطبق متوجسة، ما رأيك؟ فقالت: «لا أصدق أن الطبق متكامل الطعم والشكل»، واسترسلت ضاحكة: «لابد أن في الطبق خللاً ما ربما كمية الجوز قليلة وربما السكر، سأكتشفه بدون شك بعد اللقمة الثانية!».
بعدها لم أرَ هذه السيدة إلا واشتكت من شيء ما، الطقس، زحمة المرور، رخص نوعية الأدوات المكتبية، ضيق الوقت، ضيق اليد، صعوبة التربية، غلاء الأسعار. وغيرها.
لم تكن الأشياء التي تتذمر منها من الخيال، فهي أشياء تمر بها فعلاً يومياً، وربما مع آخرين أيضاً ممن يشاركنها مكان العمل، والسير في الطرقات نفسها، والتسوق من الأمكنة ذاتها، ولكن لا تبدو الأشياء بالسوء ذاته الذي تتحدث عنه. ومن فرط الحديث بتذمر وسلبية عن كل شيء؛ تبدو كأنها أتت من كوكب آخر، وأنها لم تشعر بالتوفيق قط في حياتها. تخسر هذه السيدة الكثير من المتعة في بحثها عما يؤكد سوء ظنها وحظها في الحياة.
ليست هذه السيدة هي الوحيدة التي تتذمر وتنتقد كل ما يمر بها وتصل إليه حواسها، فهي واحدة من كثيرين وكثيرات اعتادوا الشكوى والتذمّر، ولا يجلسون في مكان إلا وقدّموا الأخبار السيئة على سواها، يشككون في كل أمر إيجابي يصل إلى مسامعهم، لا يلفتهم الجميل الممكن حولهم، ويرونه في يد الآخرين فقط، ولا يؤمنون أن مجتمعهم قادرٌ على أن يخلق مبتكرين ومبدعين، ويشعرون أنهم هدف لمؤامرات على كل الأصعدة، وأن هناك من يتربصهم ويبحث عن نقاط ضعف يسخر منها وقد يساومهم عليها. حتى الحظ «تيقنوا» أنه نسيهم منذ زمن، فلم يروا التوفيق ابتداءً من الأمور الكبيرة وحتى سحوبات مسابقات الحظ.
قبل أيام وصلني مقطع فيديو قصير لـ «داعية» فلسفيّ نفسيّ تبدو ملامحه من الشرق الأقصى، وكان يؤكد أهمية المواظبة على الممارسة لإتقان الشيء، وعَكَس ذلك على الممارسة الشعورية تجاه الأشياء فقال: «ما تمارسه يومياً تكون جيداً فيه، بما فيه ممارسة الاستمتاع بالحياة والسلام والسعادة». ولفت إلى أن الممارسة فن، فلابد من التدريب على الشيء كي يرسخ في السلوك، وساق أمثالاً على ذلك منها ممارسة الغضب الذي ما أن يكرره الإنسان حتى يتقنه، فتغضبه تافهات الأمور التي يمر بها. وكذلك التذمر، ما أن يتقنه المرء حتى يتفنن في اكتشاف الخطأ في كل شيء، حتى وإن كان خطأ صغيراً ويصعب على الناس اكتشافه، فالتمرّن يجعله خبيراً في ذلك.
المتأمل لما يدور في العالم حولنا قد يلتمس العذر للمتشائمين على حال اليأس الذي يظهر في قولهم وسلوكهم ونظرتهم للحاضر والمستقبل. فحوادث الشأن العام لم تعد أخباراً نقرأها في الصحف أو نشاهدها على شاشة التلفزيون ومن ثم ننحيها جانباً ونعود لشئوننا العائلية. هذه الحوادث الكثيرة غير المفهومة أحياناً والمخيفة غالباً التي تمر بنا، أصبحت أسرع من قدرتنا على هضمها والعودة إلى أمورنا الحياتية الاعتيادية، الحوادث تتتالى وتتشابك، وأطرافها يعيدون تشكيل أنفسهم يومياً ما يسبب إرباكاً في الوعي للأمور وفهمها. ولو تحسب عدد الخطوات التي تَراجعها المجتمع بسبب ذلك، ولو يقاس حجم «التآكل» الذي أصاب قِيَمه، ولو تُثمّن خسائر الوئام الاجتماعي الذي كان يفخر به أفراده، ولو جمعت كلمات السباب والشتم والألفاظ القبيحة التي تقاذفها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، لو قدرنا كل ذلك في ميزان الربح والخسارة؛ لقضينا حسرة على هدم إرث آبائنا الذين لفتوا أنظار العالم يوماً به إلى هذه الجزيرة الصغيرة، ولربما عذرنا هؤلاء الذين تفاقم تشاؤمهم وتضخمت طاقتهم السلبية التي تشع فيما حولهم وممن حولهم.
لكن، كما نشد الأحزمة في أوقات الأزمات الاقتصادية ونبتكر طرقاً فعالة لتعظيم قيمة ما لدينا كي لا نخفض مستوى عيشنا؛ ربما علينا أن نبحث في خزائننا الذاتية ما يحيي الفخر فينا والثقة، ويعيننا على تجاوز هذه الأزمة التي تغلغلت في مفاصل المجتمع من دون أن نسمح لنفوسنا أن تنكسر، وفخرنا أن يتآكل. علينا أن نبتكر قائمتنا الإيجابية التي نود أن نتدرب على بنودها ونمارسها حتى نتقنها جيداً وتصبح ثوابت فينا، فنمارس احترام الآخر مراراً وتكراراً وفي كل مناسبة، حتى إذا ما وصلتنا رسالة تتعدى على الآخر؛ كان نصيبها التلقائي هو الإلغاء، ونمارس التعايش بسلام ومحبة، ونمارس تقديم الوطن على كل هوى آخر يغرينا.
أحد الأصدقاء حدثني أثناء كتابة هذا المقال وأخبرته بالفكرة، فنبّهني ألا ننس الأشياء الصغيرة التي تبني مجتمعاً سعيداً، وبعث لي بطاقة صغيرة عليها رسومات كرتونية معبّرة، كُتب عليها «إن أجمل الأشياء في الحياة هي مجانية ومتاحة حولنا، العائلة، والأصدقاء، والحب، والضحك، والاحتضان، والذكريات الحلوة، والقبلات، والنوم».
في هذا الوقت الصعب، يصبح من الأهم أن نمارس الحياة كما ينبغي، بالمضي في استكشاف الجميل واستثماره ليكون نافذتنا التي نرى بها ما حولنا من أجل إعادة بناء ما هُدم، وعلى أساسات متينة، لنترك لأبنائنا «على هذه الأرض ما يستحق الحياة» (مقولة للشاعر محمود درويش).
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5261 - الثلثاء 31 يناير 2017م الموافق 03 جمادى الأولى 1438هـ
طمنيها محد بيحسدها.. كفاية الناس من يدرون انها بحرينية بتكسر خاطرهم
الاول في الافلام المصريه دائما ادا يسلمون على بعض يقولون(سعيده ) بدل صباح الخير أو مساء الخير .
اصفق لج الصراحه
ابداع
الله. الله. الله. ولا اروع ياصديقتي. استمتعت. وابتسمت. شعرت انك تحتضنين مشاعري. شكرا لك. ام عطاء
ياكثر هم من حولنا وخصوصا زملاء العمل يحبطون من نفسية الواحد حتى لو كنت متفائل
صباح السعاده للجميع والحمدلله على كل حال
صحيح
الحياة حلوة
شكرا مقال جميل يحتاج البعض منا قراءته كل صباح ، استيقظت صباحا كنت في الطائرة الى بلد اوربي على صوت الجالس في الصف الموازي استيقظ للتو يقول لصديقة "الحياة حلوة " وقال له الصديق " الحياة حلوة "بدل كلمة صباح الخير نعم نحتاج كلناللنظر بايجابية وسعادة لكي نستمتع بطعم الساقو.
صباح النفسية الرائعة الجميلة .. صباح الدعوة المفتوحة للسعادة المجانية ذات الأذرع الطويلة المفتوحة والمتلهفه لإرتمائنا بأحضانها .. صباح الحب ..❤❤❤
هادي وحدة ويانا كله تتشكى من قلة الفلوس وهي عازبه
ومن تجي إجازة ربيع صيف خميس وجمعه سافرت
بسش تشكي
الله عاطيش خير تتحلطمين على وويه