بعد عام من موجات عاتية لإنهاء خدمات الموظفين والعمال نتيجةً لانهيار أسعار النفط، تتوجه منطقة الخليج نحو مرحلة من الاستقرار في خفض أعداد الوظائف وتحقيق نسبة معتدلة من فرص العمل الجديدة خلال عام 2017، وذلك وفقاً نتائج الاستطلاع الذي أجرته شركة جلف تالنت المتخصصة في التوظيف عبر شبكة الانترنت، وشمل أكثر من 800 من أصحاب الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد شارك في استطلاع جلف تالنت أعضاء في الإدارة العليا لشركات تتخذ من دول مجلس التعاون الخليجي مقرًا لها، وقد تم إعداده للتعرّف على توجهات التوظيف والتوقعات المرتبطة بها هذا العام.
وحسب نتائج الاستطلاع، من المتوقع أن يتراجع عدد الشركات التي تخفض أعداد موظفيها على نحو بارز، من 40% من المشاركين في استطلاع عام 2016 إلى 23٪ فقط ينوون إنهاء خدمات موظفين لديهم هذا العام. وفي الوقت نفسه، تعتزم شركات أكثر التوسع في استخدام العمالة لترتفع النسبة من 41% العام الماضي إلى 47% في عام 2017.
وتمثل المملكة العربية السعودية استثناءًا واضحًا لهذا التوجه الإيجابي عمومًا، ويُعزى ذلك إلى اعتمادها الكبير على عائدات النفط. وتشير بيانات الاستطلاع إلى أن المملكة لا تزال الأكثر تضررًا من الأوضاع الاقتصادية الراهنة، حيث أن 45٪ من الشركات المشاركة في الاستطلاع توقعت خفض أعداد الموظفين في عام 2017 مقارنةً بـ 15٪ فقط من الشركات التي تتوقع ذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة.
يتفق ذلك مع النتائج التي توصل إليها صندوق النقد الدولي، الذي عدّل مؤخرًا توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة وخفّضه من 2٪ إلى 0.4٪. وقد بدأت في تنفيذ برنامج أكثر شموليةً للإصلاحات الاقتصادية في المنطقة، وذلك بهدف تجاوز اعتمادها على عائدات النفط بشكل رئيسي، ومن المنتظر أن تظهر نتائج الاجراءات الجديدة خلال السنوات القادمة.
تفاوت أداء القطاعات الاقتصادية
أظهر استطلاع جلف تالنت تفاوتًا لافتًا في أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة في المنطقة.
وتبيّن أن قطاع التصنيع هو الأكثر ايجابية في توقعاته، حيث أفادت 58% من الشركات التي شملها الاستطلاع في قطاع التصنيع أنها تخطط لزيادة أعداد الموظفين في عام 2017. ونال القطاع تركيزًا رئيسيًا ضمن جهود التنويع الاقتصادي للحكومات على مدى العامين الماضيين. وذكرت بعض الشركات مسألة تبسيط اللوائح التنظيمية ضمن العوامل التي تسهم في تنفيذ خطط نموها، بينما تستفيد الشركات التي تقدم السلع الاستهلاكية أيضًا من معدل النمو المرتفع لأعداد المواطنين في المنطقة.
وجاءت مؤسسات الرعاية الصحية، والتي تشمل المستشفيات، في المرتبة الثانية في معدل نمو الوظائف، حيث أشارت 55٪ من الشركات العاملة في هذا القطاع أنها تخطط للتوسع في عمليات التوظيف. ويأتي ذلك كنتيجة للنمو المرتفع في عدد السكان والاستثمارات الحكومية والتغييرات التنظيمية التي تتطلب من أصحاب الأعمال توفير التأمين الصحي للموظفين.
أما المصارف فتتوقع سنة ايجابية نسبيًا، حيث بلغت نسبة المصارف التي تخطط لزيادة أعداد موظفيها 44%. وتخطط 8٪ فقط من المؤسسات المصرفية تقليص أعداد موظفيها هذا العام، مقارنة بنسبة 38٪ من الشركات التي أرادت انهاء خدمات عدد من موظفيها في عام 2016. وعلى الرغم من أن القطاع المصرفي لا يزال يواجه مخاطر عالية نتيجة التخلف عن سداد القروض بسبب ظروف السوق الصعبة، يشعر الكثير من المدراء التنفيذيين الذين شملهم الاستطلاع أن المخاطر تحت السيطرة ويتم التعامل معها بشكل كاف من خلال اجراءات سابقة تهدف إلى خفض التكاليف.
ويواصل قطاع النفط والغاز، الذي تعرض لصعوبات كبيرة لسنتين بسبب انخفاض أسعار النفط، تقليص حجم عملياته. ولكن وتيرة التقليص اتجهت نحو الاعتدال حيث أن ثلث الشركات فقط تنوي خفض عدد الوظائف في عام 2017، مقارنة مع نصف تلك الشركات تقريبًا في عام 2016. وقال مدراء تنفيذيون لشركات النفط الذين شاركوا في الاستطلاع أنهم أكثر تفاؤلًا بهذا العام، وتوقع 77% منهم ارتفاع العائدات في عام 2017، بفضل ارتفاع أسعار النفط بعد التوصل إلى اتفاق تخفيض الانتاج في اجتماع منظمة أوبك في شهر نوفمبر الماضي.
لايزال قطاع البناء والانشاءات من بين القطاعات ذات أسوأ أداء في المنطقة، وذلك حسب استطلاع جلف تالنت. وأشارت 45٪ من شركات البناء التي شاركت في الدراسة إلى أنها تنوي خفض أعداد موظفيها هذا العام، مايمثل نسبة أفضل بقليل من نسبة الشركات التي قالت أنها ستخفض أعداد موظفيها في عام 2016 والتي بلغت 55%. وقد تأثر القطاع بشكل كبير من تخفيض الميزانيات الحكومية وإلغاء أو تأجيل المشاريع، كما عانى القطاع من تأخر دفع مليارات الدولارات ما أدى في بعض الحالات إلى عدم دفع رواتب آلاف العمال لأشهر عديدة.
وحسب تقارير إعلامية، بدأت الحكومة السعودية مؤخرًا سداد دفعات متأخرة للمقاولين، بعد وقت قصير من نجاحها في جمع مبلغ 17 مليار دولار أمريكي في أسواق السندات العالمية.
الاحتياجات المتغيّرة للمهارات
وجدت الدراسة البحثية لجلف تالنت أن العديد من الشركات نفسها التي تخفض أعداد موظفيها تخطط لتوظيف موظفين جدد خلال عام 2017، حيث أن التخفيض الطبيعي في أعداد الموظفين وتغير متطلبات الأعمال يولدان شواغر يجب شغلها.
وقال ياسر حاتمي، المدير التنفيذي لشركة جلف تالنت: "اكتشفنا أن بعض الشركات، في سياق جهودها لخفض التكاليف، تلغي مجموعة كبيرة من الوظائف لتقليل حجم أقسامها وتوحيد بيانات الوصف الوظيفي المتعددة ضمن الوظيفة الواحدة. قد يكون هذا التوجه خبراً ساراً لمن يتمتع بمجموعة من المهارات المهنية، ولكنه ليس كذلك للأشخاص من أصحاب المهارات والتخصصات العالية في مجال واحد".
وأشار حاتمي إلى أن هذا التوجه أفرز طلبًا على خدمات التدريب للشركات والأفراد بهدف تعزيز القدرات وتعلم مهارات جديدة يمكن الاستفادة منها في سوق العمل التي تتسم بتنافسيتها الشديدة. وكنتيجة لذلك، لاحظت جلف تالنت ارتفاعًا في الطلب على منصة دوراتها، بما في ذلك الدورات عبر شبكة الانترنت التي يمكن حضورها عن طريق التعلم عن بُعد، بالإضافة إلى خدماتها الأساسية في مجال الوظائف والتوظيف والتي تواصل جذب آلاف المهنيين يوميًا.
أسلوب الدراسة
اعتمدت دراسة جلف تالنت على استطلاع شمل 854 من كبار المسؤولين، ومنهم رؤساء تنفيذيين ومدراء أقسام الموارد البشرية في شركات بدول مجلس التعاون الخليجي الست. أجري الاستطلاع في شهر ديسمبر 2016 ويناير 2017.
نبذة عن جلف تالنت
تعتبر جلف تالنت البوابة الالكترونية الرائدة للتوظيف عبر شبكة الإنترنت في الشرق الأوسط، وتغطي 9 دول في المنطقة. وتمثل جلف تالنت المزود الرئيسي للكوادر والمواهب المهنية من المواطنين والوافدين لأكثر من 8,000 جهة توظيفية ويستخدمها 7 مليون مهني ومدير بهدف إيجاد الفرص الوظيفية في مجالات أعمالهم المختلفة.