الحقيقة المرعبة التي لا جدال فيها عن مقتل الدبلوماسي لورينس فولي (62 عاما) في عمّان أنها لم تدهش أحدا.
فالقتيل الذي يعمل في الوكالة الأميركية لمهمات التنمية الدولية والذي أردي في حديقة منزله بمسدس كاتم للصوت، لم يكن هدفا جليا، فهو مدني ناشط في الدبلوماسية الدولية لعالم شرير. وعندما أطلقت عليه ثماني طلقات من سلاح عيار 7 ملم، كان يمشي باتجاه سيارته في ضاحية للطبقة الوسطى في العاصمة الأردنية.
تقول جارته السيدة الاردنية بعد الحادثة: «لماذا يُقتل الناس العاديون ويحاسبون بسبب جرائم زعمائهم؟» وهكذا يخيّم الغموض على هذا الاغتيال.
وسيجد الأردنيون - أصدقاء الغرب - الأمر طبيعيا ويعزونه الى جرائم الرئيس بوش.
لقد استشاطت عمّان غضبا جراء تهديد الولايات المتحدة العراق، إذ ان أكثر من نصف سكان الأردن من الفلسطينيين، وقد ساءهم الدعم الاميركي غير المشروط لحكومة شارون. وينادي المتظاهرون في أحيان كثيرة بإنهاء اتفاق السلام بين الأردن واسرائيل الموقع في العام 1994.
وعندما وجدته الزوجة ملقى في الحديقة، إذ مات فورا إثر الطلقات التي اصابت رأسه وصدره وبطنه، استدعت الشرطة.
وذهب وزير الخارجية الأردني، مروان المعشر الى مجمع السفارة الاميركية الضخم - الذي بني على تل في احدى ضواحي عمّان، وقد وصفه مرة الملك الراحل حسين مازحا بأنه «قيادة الاستخبارات المركزية الاميركية في الشرق الأوسط» لتقديم تعازيه. وقال الوزير «ستتعامل الحكومة الأردنية بجد مع هذه الجريمة البشعة».
ولكن ذلك هو ما قاله الأردنيون أيضا - ارجاع السبب الى السياسة الأميركية - عندما قُتل تاجر الماس الاسرائيلي، يتزهاك سنير، خارج منزله في عمّان قبل أربعة عشر شهرا. وعندما قتل دبلوماسي عراقي في عمّان وعندما انفجرت قنبلة في سيارة بالقرب من منزل مسئول أمني أردني كبير. وقد أدانت محاكم اردنية 28 عربيا في التخطيط لهجوم بالغاز السام والمتفجرات على سواح أميركيين واسرائيليين في مطلع العام 2000.
إذن: لم تعد عمّان مكانا يمكن أن يشعر فيه الأميركيون بالأمان.
وقد جاء مقتل فولي في وقت استياء شعبي جراء صدور حكم بالاعدام في قطر، ضد الاردني لفراس مجالي المتهم بالتجسس وتسريب معلومات عن تحركات القوات الأميركية في الإمارة الخليجية حيث تقوم واشنطن بتجهيز قاعدة جوية ضخمة لاستخدامها في الحرب المحتملة ضد العراق.
وقد انطلقت مظاهرات الاحتجاج على الحكم في عمّان من جانب أسرة المجالي القبلية ولكن الأمر الملفت للنظر أكثر في القضية أن المحكمة القطرية أدانت موظف التلفزيون المحلي لإرسال معلومات استخبارية ليس الى تنظيم القاعدة ولكن لصالح الاستخبارات الخاصة بالأردن.
واذا كانت تلك الادانة صحيحة، فلماذا يرغب الاردن في الحصول على معلومات عن تجهيزات القوات الاميركية في قطر؟ بمعنى آخر: مع من يريد الاردن تبادل تلك المعلومات ؟ أو هل هذا مجرد جزء يسير من التهديد بعد أن استدعى الأردن سفيره لدى قطر عقب برنامج في قناة الجزيرة اعتبر مسيئا إلى الملكة الهاشمية الأردنية؟ والأمر الأكثر حساسية الآن هو موضوع الملكية وانتشار الاشاعات برغبة الأميركيين أن يصبح الملك هاشميا في العراق بعد الغزو الأميركي. فهل يكون «الملك» حسن، ولي العهد السابق في الأردن هو المرشح لمملكة العراق؟
العدد 55 - الأربعاء 30 أكتوبر 2002م الموافق 23 شعبان 1423هـ