العدد 55 - الأربعاء 30 أكتوبر 2002م الموافق 23 شعبان 1423هـ

الديمقراطية البحرينية ومأزق الملفات العالقة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

إني أؤمن ان هناك منّا من لايزال يحمل أمية سياسية، وليس حاضرا لأن يستوعب دروس الديمقراطية القائمة على النقد ولغة المساءلة خصوصا من بقي سنين وهو ينام على المدح وأنغام التصفيق المطلق. فليس غريبا ان تتحول المؤسسة او الوزارة ملكا خاصا. قد لا يكون فردا او فردين وإنما حالا مرضية تظهر في أي مجتمع عندما يكون القانون في إجازة ، والمحسوبية أقصر طريق للوصول الى المكتسبات الشخصية، ومفهوم (المواطنة، والوطنية، وطني) مفهوم هلامي مطاطي يمكن ان يزايد عليك به حتى سنة أولى متجنس. فليس غريبا ذلك فلقد قرأت في تصريح أحد المتجنسين الجدد أنه من ضمن برنامجه المستقبلي تدريس المجتمع البحريني تاريخ البحرين فنحن أمام مستقبل حافل بتدريس التاريخ البحريني!!!

نحن انتقلنا من تاريخ الى تاريخ ومن مرحلة الى مرحلة كيف ستكون الأيام المقبلة... هل سنرى حلا لقضايانا على رغم تواضع الكثير ممن فازوا بالمقاعد البرلمانية؟ وكيف ستكون الديمقراطية البحرينية الوليدة؟ وهل ستكون قادرة على محاسبة المسئولين والمؤسسات التي نبت عظمها واشتد لحمها على الفساد؟ وأين سيكون موقع المواطن البحريني من أجندة البرلمان المقبل؟

هل ستكون الديمقراطية البحرينية في حال توازن بين المدح والنقد؟ وهل ستقل منشطات وجرعات الهوس المدائحي للوزارات والوزراء التي أصبحت جزءا من ثقافة المثقف البحريني؟. هل ستذهب صحافتنا الى طبيب الاسنان لتدارك ما يمكن تداركه من أسنان باقية ان كان هناك ثمة أسنان؟

مخطئ من كان يروج في الماضي ان الحرية لن تؤدي إلا الى الفوضى والبعض كان يعتقدان البحرين لا تنتصر إلا وهي مقيدة اليدين والساقين ومكممة الفم ولكن الواقع أخذ يثبت عكس ذلك فكلما اتسع صدر السلطة وازداد وعي وحنكة القوى السياسية كلما استطعنا ان نغير البحرين إلى الأفضل واصبحت القناعة لدى الجميع انه بإمكاننا ان نبني البحرين بلا معتقلات وبغير سجون للسياسيين. لقد فهمت السلطة ذلك وكذلك القوى السياسية ولكن المشكلة هي فيمن لا يزالون يعيشون العقلية العسكرية في التعاطي مع المؤسسات الوطنية من مسئولين ومديرين ووزراء... الخ.

لهذا نقول يقع الآن على الصحافة ان تغير نهجها وعلى البرلمان ان يعي دوره في تحقيق مكاسب للمجتمع والمواطنين فهناك الكثير من الملفات التي تحتاج الى معالجة وليس الى مجاملات وهناك ظواهر برزت على هيكل مؤسساتنا الوطنية وجامعاتنا كنباتات الفطر تحتاج الى إزالة أو تغيير، منها:

- ظاهرة اللوبي النفعي إذ أصبح في أكثر من وزارة ومؤسسة مجموعة نفعية استغلت غياب الرقابة طوال هذه السنين وراحت تعمل لحسابها الخاص في تقاطع المصالح المشتركة، مستغلة غياب القانون ودلال الصحافة ونوم الرقابة فراحت تعمل لأجل بناء امبراطوريتها المالية الخاصة بها وتحولت مع الأيام الى مافيات تجارية تنخر في موازنة المؤسسة على حساب أداء وإدارة المؤسسة.

وليس بمنأى عن ذلك بعض المؤسسات الوقفية وغير الوقفية. لهذا نلحظ تكتلا نفعيا (كل يحمل الآخر)، في وزارة، في جامعة، في مؤسسة وقف، ... الخ. ولن أدخل في المسميات حتى لا نقع في الإحراج، ونجعل ذلك لمن يمتلكون الحصانة البرلمانية.

ولكي نقترب من الجرح المعيشي من دون لف ودوران يجب ان نعترف بوجود التلاعب وعدم الشفافية في كثير من الأمور هذا إذا أردنا أن نحل مشكلاتنا بعيدا عن المجاملة ولغة الإجابات الجاهزة.

- ملف البطالة في البحرين يحتاج إلى قرار رسمي رفيع المستوى مع قانون صارم ضد المتسيّبين الذين يلعبون بالارقام ويعملون على جلب العمالة الأجنبية. يقول البعض ان عدد العاطلين لا يتجاوز الـ 11,000 عاطل. هذه نكتة سياسية وسأتطرق في مقال آخر عن الطرق التي تستخدم في انقاص العدد والنسبة نظريا مع بقائها عمليا.

- ظاهرة العقود المؤقتة. لأول مرة في تاريخ الدول يبقى مؤشر العقود الدائمة للاجانب أكثر ازديادا من المواطنين أي بمعنى أصبح مؤشره في ازدياد والمواطن في انخفاض. للأسف إذا اصبحت بعض وزاراتنا هي أكثر ابتلاء بهذا السرطان القاتل لطموح المواطن. ففي وزارة العمل والشئون الاجتماعية يوجد عشرات من المواطنين على قائمة الانتظار بعقود مؤقتة!!! إذ أصبح العقد المثبت استثناء والمؤقت هو القاعدة.

وكذلك يوجد 30 طبيبا من أطباء الاسنان بعقود مؤقتة وسأتناول مأساتهم في المقالات اللاحقة هي ومشكلة كبرى تخص وزارة التربية والتعليم.

وهنا يقع على كل من يستطيع ان يوصل صوت المواطنين الى السلطة واصحاب القرار يجب ان يبادر بذلك.

هذا كلام ليس خارجا على القانون ولكن هو افراز طبيعي للحرية والديمقراطية. صحيح أننا لا نمتلك شهادة تأمين على كلماتنا وإننا نسير على طريق مليء بالأشواك ولكن كل ذلك يجب ان لا يمنعنا عن تعرية أي خطأ وان نبدل صورة ذلك المثقف التي تشكلت في وعي الجمهور والسلطة الذي إذا حلل او تحدث فهو لأجل أجندة خاصة وعلى حد قول نزار «انعى لكم نهاية الفكر الذي قاد الى الهزيمة».

وقد نحتاج إلى وقت طويل حتى يفهم الوزير والمدير والوزارة والجامعة والصحافي و... ان النقد البناء هو صمام الأمان لأي مجتمع او دولة أو مؤسسة وأن الفكر القديم القائم على التبرير هو فكر خاطئ. لقد كان في السابق البعض يروج - ولو بطريقة مغلفة - ان الديمقراطية تكمن في إلغاء الاحزاب والحرية تتحقق في تقييد الصحافة وان قمة الشورى تكمن في تكريس الفردية... أي بمعنى كل شيء انقلب. هذا الواقع وهذا العزف الثقافي المغلوط ساعد على بقاء الحالات المرضية.

وكل ذلك عمل على بقاء الفساد وانتشاره. اصبح رجل الأعمال لا يأبه كثيرا بأي نقد ولا أي قيمة إنسانية أو بيئية أو تجارية وعلمية... فلا تتعجب إذا رأيت بساتين فلاحين فقراء وهي تقلع من جذورها أو رأيت ما يسمى بالتغيير العمراني الخاص يسد المنافذ ويضيق على الأهالي الفقراء كما يحدث في باربار... أصبحنا في كل منطقة نحاط بالحدائق الغناء والفلل الجميلة الموشاة بالنخيل والبساتين للأجانب في حين تذهب يائسا في البحث عن حديقة واحدة للمنطقة الشمالية تليق بنا كمواطنين فلا نجد.

عندما تدخل القرى تصاب بالذعر وتتساءل أين إذن تلك الملايين التي تضخّها الدولة للبلديات. ان بلدياتنا المحترمة تستطيع ان تغير ولو جزءا من بيئتنا عن طريق فقط الرسوم التي تأخذها من المواطنين لكننا نراها عاجزة عن تلبية حاجات بسيطة لهذه القرى. وأنت لتعجب لتلك المفارقات الغربية يبقى بعض الأهالي سنين يرسلون لوزاراتنا ان هذا الطريق غير آمن سواء من حيث الإضاءة او هندسة التخطيط او احتياجه إلى «التبليط» فلا تجد أذنا صاغية، وبين عشية وضحاها وفي خلال 24 ساعة وإلا تحول هذا المكان إلى قمة التنسيق ومبالغة الإضاءة و... فتسأل ما الذي حدث «أخيرا سمعوا نداءاتنا في الصحافة...» فيأتيك الجواب: لا وانما وفقنا لأن وزيرا سكن قريبا من المنطقة. هنا يرفع المواطنون أيديهم بالدعاء ليته سكن بيننا فربما ننعم بحديقة او مركز صحي او... على قاعدة (من أجل عين ألف عينٍ تكرم» وهنا نتساءل هل سنلحظ خلال هذه الأيام المقبلة تغيرا ولو جزئيا في وزاراتنا وطرق تعاملها؟ هل سيُعمل رجيم قسري للمحسوبيات والتكتلات المشبوهة في مؤسساتنا وجامعاتنا؟ هل سنلحظ تغيرا نحو الأفضل ومزيدا من الشفافية عبر أجهزتنا الإعلامية (المرئية والمقروءة والمسموعة) وهل ستكون هناك حوارات تنقض الوضوء لملفات أصبحت تؤرق المواطنين في إعلامنا؟ هل سنرى مزيدا من الحرية في أنشطة الطلاب لجامعاتنا أم سيبقى النظام الأبوي البطريركي قائما؟ وهل سيـحظى الأكاديمي البحريني بالحنان ذاته الذي يوفر للأجنبي؟ هل سيرى أبناؤنا الاحتضان الوظيفي خصوصا حملة الشهادات العليا كالدكتور عبدالأمير المطوع أم سيبقى في شقته (القفص) يعاني مع أبنائه الفاقة؟ أليس عيبا على نظامنا التعليمي أن يبقى مثل هؤلاء في بيوتهم من دون عمل ولسنين تفوق 14 عاما وهم يمتلكون شهادات نادرة في الاقتصاد ونحن دولة مصرفية من العيار الثقيل في حين يبخل على مثل هذا الرجل حتى توظيفه بأقل القليل كمدرس. فلماذا مازالت الابواب مقفلة في وجهه وفي وجه غيره؟ ولقد حصلت على قائمة تضم 20 طالبا من حملة شهادة الماجستير من دون عمل وأنا في طور التحقق من ذلك. ألسنا في أزمة مجتمعية كبرى؟ في حين نجد الأجنبي يجلب أجانب في مؤسساتنا التعليمية وفي قطاعنا الخاص وفي جامعاتنا وأبناء الوطن يجلسون في البيوت يتقاضى الواحد منهم دينارا كل يوم هو وعائلته من أبيه بعد طول هذه الأعوام التي قضوها في الدراسة؟ هل هؤلاء حصلوا على الشهادة كي يتلحفوا بها على بساط الفقر؟ نحن أمام كثير من الاستحقاقات المستقبلية التي تحتاج إلى علاج. اسئلة نطرحها لهذه المرحلة وللديمقراطية البحرينية كي تعالجها

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 55 - الأربعاء 30 أكتوبر 2002م الموافق 23 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً