حركت عملية اغتيال الدبلوماسي الأميركي لورانس فولي في العاصمة الأردنية سؤالا محرجا لكل حركات العمل السياسي والثوري والجماعات والأحزاب التي تحرك العنف في مقابل مطالبها في الحرية والديمقراطية أو الخلاص من الآخر.
وفي ذاكرة الأردن السياسية والاجتماعية يأتي السؤال الذي يجيب عنه التاريخ فقد اهتز الأردن ولبنان، ومعها بقية بلدان العالم، عندما أعلن في عمّان، صيف العام 1951 عن اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، الذي كان يقوم بزيارة عمل إلى الأردن، التقى خلالها بالملك المؤسس عبدالله الأول.
آنذاك أشارت أصابع الاتهام، في كل من سورية ولبنان إلى عناصر من الحزب القومي الاجتماعي السوري، واعتبر هذا الحادث، الأول من نوعه. وكان الصلح يزور الأردن لبحث تحقيق وحدة سورية الكبرى. ويذكر ان الملك عبدالله الأول اغتيل في صيف العام نفسه (30 - 7 - 1951) وهو يهم بدخول المسجد الأقصى.
لم يكن تاريخ الأردن يشهد دائما مثل هذه الحوادث أو الاغتيالات السياسية للقادة أو الدبلوماسيين العرب أو الأجانب. واستطاعت المملكة تجاوز عقود صعبة من الناحية السياسية والاقتصادية، خصوصا بعد نكبة العام 1948 ونكسة العام 1967 وحوادث سبتمبر/ أيلول العام 1970.
ومع ذلك فإن الاغتيالات السياسية للعاملين في السلك الدبلوماسي الأردني، أو العربي أو الدولي، أثرت على واقع الأردن، إذ سجل التاريخ بعض الحوادث المتفرقة التي تعود إلى شخصيات أردنية أو عربية أبرزها اغتيال رئيس الوزراء الأردني هزاع المجالي في العام 1960 في مكتبه في عمّان.
وفي الثمانينات من القرن الماضي، جرت في 29 ديسمبر/ كانون الأول العام 1984 عملية اغتيال عضو منظمة التحرير الفلسطينية فهد القواسمي على يد مسلح مجهول الهوية. وأبعد القواسمي كان وقتها رئيسا لبلدية الخليل إلى الأردن بقرار صادر عن وزير الدفاع الإسرائيلي عيزرا وايزمن. وجاء اغتيال القواسمي بالقرب من منزله في جبل الحسين في عمّان، حين أطلق شخصان النار من مسدسات مزودة بكاتم صوت وأصاباه في صدره، وأصيب في الحادث إعلامي أردني من «وكالة الأنباء الأردنية» وزوجته وكانا مارين في سيارتهما قرب مكان الحادث.
وفي 25 سبتمبر 1997، شهدت عمّان محاولة اغتيال قصد بها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الذي كان مبعدا في الأردن. وحاولت مجموعة من عملاء الموساد الإسرائيلي اغتيال مشعل بسلاح وصف وقتها بأنه (غريب) وبمادة كيماوية لم تعرف مكوناتها. وفشلت المحاولة حين تمكن مرافق مشعل من ملاحقة عملاء الموساد والقبض عليهم ونقل مشعل إلى مستشفى المدينة الطبية للعلاج بأوامر جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال.
وشهدت التسعينات، مجموعة من الحوادث التي حملت صبغة سياسية من بعض الجماعات والحركات والأفراد ضد الدبلوماسيين والسياح الأجانب وذلك نتيجة لتطورات الأوضاع السياسية في دول المنطقة خصوصا بعد توقيع اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل في وادي عربة 1994، منها محاولة اغتيال دبلوماسي إسرائيلي يعمل في السفارة الإسرائيلية في نهاية العام 2000، وكذلك محاولة اغتيال رئيس شعبة مكافحة الارهاب في المخابرات الأردنية. جاءت على اثر قيام المخابرات الاردنية من العام 2000 وحتى فبراير/ شباط العام 2002 باحباط الكثير من المحاولات الارهابية التي خطط لها تنظيم «القاعدة» من بينها هجمات ضد سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن في بيروت.
ويبرز في تاريخ الأردن أيضا حادث اغتيال لضابط انجليزي يدعى باترك لويد ذكر انه كان على علاقة بالسفارة البريطانية في عمّان ابان الاضطرابات الشعبية في العام 1965 على اثر إعلان حلف بغداد. وكان هذا الضابط يقوم مع بعض الوحدات العسكرية والمدنية بمراقبة الاضطرابات ويرسل التقارير إلى بلده.
وقارنت الأوساط الإعلامية والأمنية بين اغتيال الدبلوماسي الأميركي وطريقة تنفيذها مع حادث اغتيال تاجر الماس الإسرائيلي في أغسطس/ آب العام 2001.
وكان تاجر الماس اغتيل أمام منزله الواقع في إحدى ضواحي عمّان الغربية من قبل مجموعة بينهم تجار مجوهرات وماس كان على علاقة بهم.
تغلب الأردن وتخطى عبر سنوات طويلة من العمل السياسي والأمني كثيرا من حوادث ومحاولات الاغتيالات، على رغم ان الدبلوماسيين الأردنيين في الخارج تعرضوا مرات لحوادث كثيرة أبرزها اغتيال رئيس الوزراء الأردني وصفي التل في القاهرة 28 أكتوبر/ تشرين الأول 1971 وكذلك اغتيال الدبلوماسي الأردني في بيروت نائب عمران المعايطة في العام 1994 أمام بيته من قبل أفراد من جماعة أبونضال
العدد 55 - الأربعاء 30 أكتوبر 2002م الموافق 23 شعبان 1423هـ