العدد 55 - الأربعاء 30 أكتوبر 2002م الموافق 23 شعبان 1423هـ

نحو مستقبل أفضل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اليوم يختار الناخب 21 نائبا للبرلمان البحريني. بعد ذلك تبدأ الاجراءات الدستورية لاستكمال المجلس المعين. وبهذا تكون الدولة قطعت الشوط الأهم في مشروعها الاصلاحي. ومهما كانت الملاحظات فما لا شك فيه أن مستقبل البحرين يرجح أن يكون نحو الأفضل.

الأفضل لا يعني الكمال. فالكمال المطلوب غير موجود لا في الدول المتقدمة ولا في الدول النامية. فهناك فارق دائم بين الموجود والمعروض، وبين الواقع والطموحات. فالمسائل في النهاية نسبية. وما تحقق إذا ما أخذ الزمن قياسا فإن المؤشرات تظهر حيوية سياسية للدولة لابد ان الهيئات المدنية والأهلية أدركت فعاليتها وتأثيرها.

فالدولة عادة، وخصوصا في المجتمعات النامية، هي اللاعب التاريخي الذي يتخذ المبادرات ويقود التحولات. تقليديا، وفي اوروبا قبل نهضتها، لعبت الدولة دورها الخاص في إحداث عمليات التحول التاريخي. كذلك في التاريخ الاسلامي أسهمت الدولة في قيادة التحول وكانت دائما هي الفاعل الأول في اتخاذ القرارات وسن القوانين والتشريعات لاستيعاب الجديد وإدراجه في سياق القديم الموروث.

الاعتراض، والمعارضة، كانا موجودين دائما. وليس بالضرورة ان تكون المعارضة أفضل. فأحيانا كان الاعتراض على القرارات والخطوات يأتي من مواقع متخلفة وليست متقدمة. فالجديد دائما يلاقي الاعتراض وحين يتحول الجديد بعد فترة زمنية إلى واقع تقبل به المعارضة لتعيد تجديد اعتراضها على جديد آخر. وهكذا تمر الأيام بين قديم وجديد وإعادة تجديد.

ومن دون هذا الجدل (التاريخي) لا يحصل التقدم. فمن شروط التقدم الجدل بين القابل والرافض وبين الموافق والمعترض وبينهما هناك التسوية، التي هي حاصل جمع المتناقضات، وهي في أسوأ الحالات خطوة متقدمة على زمن مضى.

الدولة إذا هي دائما تقود التحولات التاريخية وتتخذ المبادرات. وهي في هذا المعنى ليست السلطة . السلطة هي من ادوات التنفيذ، وأحيانا القهر، بينما الدولة في المعنى اللغوي والإصطلاحي تعني التداول أي مرة مني ومرة منك. والتداول اجتماعيا يعني الاستقطاب. والاستقطاب هو وسيلة من وسائل الاختلاف الذي يعطي للمواقف ألوانها فمرة تكون داكنة ومرة زاهية. فالاستقطاب هو الأصل الثاني للدولة (التداول) ومن دونه لا يحصل التمييز بين الصواب والخطأ. واذا نظر إلى الديمقراطية في أشكالها القديمة والمعاصرة تظهر شروط الديمقراطية انطلاقا من فكرتي: التداول والاستقطاب. الا أن التداول والاستقطاب، يختلفان بين بيئة وأخرى ويتعرضان للتشويش والتشويه بحسب الظروف الاجتماعية والثقافية التي تمر بها الأمة. وهنا يبدأ الفارق بين التقدم والتأخر. في الدول المتقدمة يقوم الاستقطاب على أساس سياسي ويتم التداول على هذا الأساس. وفي الدول النامية يزحف الاستقطاب نحو العلاقات الأهلية ويعيد إنتاجها سياسيا الأمر الذي يعطل التداول أو يعرقله، فتحصل المشادات والمناوشات... واحيانا تدفع حدة التناقضات إلى النكوص عن المبدأ والتراجع إلى الوراء.

المسائل الدستورية في النهاية ليست نظرية (حقوقية) بل هي في التطبيق بشرية. وهي تعني عمليا تنظيم المصالح وتقاسم الحصص قانونيا. وغير ذلك لاصلة له بالتاريخ ولا الاجتماع ولا الاقتصاد والسياسية. فالقوانين الدستورية، هي غير الشريعة، وهي مجرد مواد صنعها أو وضعها البشر لإعادة ترتيب المصالح ضمن خصوصيات زمنية وبيئات محددة.

اليوم تدخل البحرين مرحلة جديدة وهي لا شك يتوقع ان تكون أفضل من السابق. فالشروط الدستورية للتداول والاستقطاب اكتملت موادها وعناصرها تقريبا. فالكثير ذهب وبقي القليل. وهنا تبدأ حيوية السلطة التشريعية ووظيفتها المستقبلية وهي: كيف ستتعامل مع هذا القليل لمصلحة كل أهل البلاد؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 55 - الأربعاء 30 أكتوبر 2002م الموافق 23 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً