الصحافة الحرة أداة عصرية فاعلة لمحاربة مظاهر الفساد الاداري والمالي في جميع البلدان، ولولا الصحافة لما تمكنت الدول المتقدمة من التحرك إلى الأمام. ولذلك فإنه ليس مستغربا أن تكون العلاقة بين حرية الصحافة والتطور في البلاد علاقة مضطردة ومتوازنة. فقد دلت التجارب الانسانية المعاصرة على أن الإصلاح السياسي لا يقوم به الساسة فقط، وانما تلعب قوى المجتمع المدني والصحافة ادوار رئيسية في توجيه وصيانة الاجواء النظيفة التي لا تقبل الفساد. والمراقبون يشيرون إلى ان المجتمع المدني والصحافة هما الدعامتان الاساسيتان لأي حركة إصلاح ناجحة.
الصحافة لها دور مباشر في إجراء التحقيقات ونشر التقارير إلى الدرجة التي بدأت المؤشرات الدولية تربط بين ازدياد الفساد وضعف الصحافة، والعكس صحيح.
فنشر التقارير والتحقيقات يعطي الفرصة للجهات المختصة لاجراء تحقيقاتها الخاصة بها، والصحافة يمكنها أن تدعم تلك الاجراءات من خلال نشر تطور ما تقوم به من الجهات الرسمية من أعمال لمحاربة الفساد... ففي 1981، مثلا، في مدينة دترويت بالولايات المتحدة الاميركية كشفت محطة اذاعية في تقرير لها فسادا في الأسلوب الذي تتبعه المحاكم التي تشهر إفلاس المواطنين في القضايا المالية، وأدى ذلك التقرير لوحده إلى اقالة عدد من القضاة والمحامين والشركات التي تتعامل في إشهار الإفلاسات، كما أدى إلى تغيير طريقة التعامل مع قضايا الإفلاسات وطريقة تعيين القضاة في مثل هذه القضايا. وذلك التقرير لم يتوقف أثره عند هذا الحد بل باشرت التحقيقات الفيدرالية تحقيقها الخاص على مستوى الولايات الأخرى لكي تأخذ الدروس وتأخذ الحذر من الوقوع في مشكلات فساد مشابهة.
ونأتي بهذا المثال الصغير الذي يتكرر في البلدان المتقدمة لندلل على ان العمل الصحافي الحر هو الأساس في استمرار الاصلاح واستمرار التطوير وبالتالي الحد من الفساد والحد من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والصحافة الحرة هي التي حفظت أنظمة من التدهور في بلدن كثيرة... ففي ايطاليا كان للصحافة - ومازال - دورها في منع تدهور الوضع السياسي، فالنظام البرلماني الإيطالي يعتبر من اضعف الأنظمة وكانت عصابات المافيا متنفذة في القضاء وفي أماكن عليا في الدولة، وكانت تسيطر على مناطق بأكملها، أما الان ومنذ عشر سنوات، فان ايطاليا استطاعت التخلص من كثير من تلك المظاهر التي كانت تشوه سمعتها وأصبحت المؤسسات النظيفة هي الأقوى ولم يعد أحد يخاف من المافيا.
على أن الصحافة الحرة، لابد ان تكون مسئولة أيضا. فليس كل ما يعرف يقال، وانما يقال الشيء الذي يستطيع المرء من خلاله التأثير بصورة إيجابية على حركة الاصلاح... ولذلك فإن القضايا التي تستطيع الصحافة تغطيتها كثيرة، ولكن العقلانية، والاعتدال، والأولوية المطلوبة وطنيا هي التي تحدد استراتيجية التغطية.
وهذا ما نبتغيه من خلال عملنا الصحافي، فـ«الوسط» تعتبر نفسها أداة إصلاحية - تطويرية، تسلط الأضواء بصورة عقلانية بما يساعد على حلها. و«الوسط» تقيس نجاحها بمدى ما تحققه من إصلاح للبحرين. وخلال الشهرين المنصرمين، سعت «الوسط» إلى تحقيق هدفها الذي أسست من أجله وتعتبر ان أهم رأس مال لديها هو مصداقيتها في عين القارئ البحريني، ولهذا فهي كانت ومازالت وستبقى تحافظ على أهم رأس مال لديها. ولذا إستغرب بعض أصحاب النفوذ الخاص كيف أن وسائلهم التي كانت تنجح سابقا لا تجد لها نجاحا مع «الوسط»، ذلك لأن الله يقف دائما مع من ينتصر للمظلومين والمطالبين بحقوقهم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 55 - الأربعاء 30 أكتوبر 2002م الموافق 23 شعبان 1423هـ