حسناً فعل مؤسس بيت القرآن والأمين العام الدكتور عبداللطيف جاسم كانو بتبني طباعة كتاب أبحاث ودراسات الدكتور الراحل جليل إبراهيم العريض (1933 - 2015) في حقل «التعليم الجامعي وتدريس العلوم»، الذي جمعه وحرّره الدكتور منصور محمد سرحان. فقبل أيام، وتحديداً في (23 يناير/ كانون الثاني 2017)، أقيمت احتفالية تدشين الكتاب برعاية كريمة من نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس المجلس الأعلى لتطوير التعليم والتدريب سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة بقاعة الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة للمحاضرات ببيت القرآن.
وقيمة الإنسان بقيمة عطائه الفكري ودوره الوطني وما قدّمه في الحياة، والراحل كانت تنطبق عليه كل هذه المزايا، فهو أحد العلماء والكفاءات الإدارية المتميّزة في مجالي العلوم والتربية، ومن أعلام التعليم العالي في منطقة الخليج العربي، وهو الابن الوحيد لشاعر البحرين الكبير الأستاذ إبراهيم العريض (1908– 2002). سافر مبكراً إلى الهند والتحق بالدراسة الثانوية التي أكملها في البحرين سنة 1949 بتفوق حيث كان ترتيبه الثاني.
وحياة العريض، هي نموذجٌ حيٌّ لطبيعة ما عاشته النخبة البحرينية المثقفة منتصف القرن الماضي، من تحديات وفرص واهتمامات وشواغل فكرية ومسارات ومصائر في الحياة، وكانت هذه النخبة تتشكل في بيئة محافظة وبنية اجتماعية مستقرة تجري فيها التحوّلات على نحو هادئ ولكن بخطى ثابتة. وقتها كان المزاج عروبياً بامتياز، وكان الشموخ الوطني يعزّز رغبة الجيل بالأخذ بأسباب القوة مدفوعين بحلم الاستقلال والبناء، شاقّين دروبهم برؤية فكرية رصينة ترفدها الخبرة، وتهذّبها عقول عظيمة ومجتمع يزخر بالاستثنائيين.
بعد تخرّجه العام 1954 عمل عبدالجليل العريض، كغيره من متعلمي الجيل، بتدريس العلوم في المدرسة الثانوية، حتى العام 1959 عندما تمّت ترقيته إلى وظيفة مفتش العلوم بمدارس البحرين. ثم تم إيفاده في بعثة إلى إنجلترا للدراسات العليا، ليعيّن بعدها عميداً لمعهد المعلمين حتى العام 1972، حيث تم إيفاده في بعثة ثالثة لدراسة الدكتوراه. وفي العام 1974 حصل على درجة دكتوراه الفلسفة في التربية العلمية وتطوير المناهج من جامعة بات Baht بإنجلترا.
وعاد في نفس العام للبحرين ليعيّن وكيلاً لوزارة التربية والتعليم، وبقي في منصبه حتى مايو/ آيار 1982، عندما تم تعيينه عميداً لكلية البحرين الجامعية للعلوم والآداب والتربية التي تأسّست العام 1978.
وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 1987 عُيّن الراحل نائباً لرئيس جامعة البحرين للشئون الأكاديمية، ورئيساً بالوكالة عند غياب رئيس الجامعة خارج البحرين حتى تقاعد في شهر سبتمبر/ أيلول 1991.
عائلة العريض قدّمت للبحرين شخصيات أدبية وعلمية مرموقة، لعل أبرزها، سوى الشاعر الكبير إبراهيم العريض: الأستاذ عبدالكريم العريض (مواليد 1934) من مؤسسي أسرة هواة الفن وجمعية البحرين للفن المعاصر، والأستاذ سالم العريض (1902 - 1983) من الأدباء والمربين ورجال القانون، وهو والد الأستاذ جواد العريض (مواليد 1940) نائب رئيس مجلس الوزراء، ومنهم أيضاً الوجيهان الكبيران: منصور العريض (1896– 1968) والحاج محمد العريض.
وفي القرن التاسع عشر الميلادي (الثالث عشر الهجري)، عُرف من هذه الأسرة من علماء البحرين الشيخ علي ابن الملا محمد العريض، وقد عاصر الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي (ت 1240هـ/ 1825م) المعروف بـ»الشيخ الأوحد»، وكانت بينهما مراسلات علمية ذكرها الأخير في كتابه «جوامع الكلم».
والراحل عبدالجليل يأتي عائلياً ضمن هذه السلسلة المضيئة من العلماء المبرزين، وعشاق المعرفة من الذين أدركوا مبكراً دور المعرفة في بناء الأوطان، وتحصين المجتمعات العربية من حالة الوهن والانقسام والتشرذم. هذا الأخذ والتوثب الذي يُجنبها البقاء في الصفوف الخلفية حضارياً، وتجتهد في العثور على موطئ قدمٍ لها في عالم اليوم، والمشاركة الطموحة والفاعلة في سباق التنافس العالمي في مضمار العلوم والاقتصاد وتحسين نوعية الحياة وسعادة البشر.
قبل وفاته بأسابيع قليلة، أخبرني أحد الأصدقاء بأن الدكتور عبدالجليل يتابع ما أنشره في الصحافة، وهو يرغب في عقد لقاء يجمعنا، أسعدني ذلك وشكرتُ للصديق رسالته وحمّلته تحيّة للدكتور، وكان في النية ترتيب لقاء لولا أن وعد الله قد سبق.
وكما عاش العريض صديقاً وفياً للعلم صديقاً للمجتمع، آثر أن يرحل وقد ترك خير ما يخلفه السلف للخلف، مكتبته الخاصة التي أُهديت إلى المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي ليتمكن طلاب العلم والمهتمون بالانتفاع بما تضمّه من كتب، اجتهد الراحل في جمعها طيلة حياته الغنية.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 5260 - الإثنين 30 يناير 2017م الموافق 02 جمادى الأولى 1438هـ
احسنت صنعا كما كنت دوما في تنوير مجتمعنا باعلام الفكر والمعرفة في بلادنا