يقول المثل الانجليزي: «الكتاب الجيد صديق حميم». وهو ما لمسته من خلال مشواري مع القراءة التي بدأت منذ سن مبكرة جداً.
فإن كنت مهموماً أو محبطاً أو وحيداً أو أصابك السأم واعتراك الملل، من الممكن أن تجد ضالتك في الكتاب. الكتاب الذي كان خير رفيق للعقل والقلب والوجدان منذ بداية وجوده.
ذاك هو إيماني التام، فكلما شعرتُ بالحزن أو الضيق اتجهت لمكتبتي لأختار منها ما أشعر أن بإمكانه التخفيف من هذه الحالة؛ فهنالك كتب وجدت لتكون أنيساً، أخرى لتكون رفيق وحدة، بينما تكون بعضها بمثابة ترياق سعادة، أو غذاء للعقل حين نشعر بالخواء يكاد يغزوه.
بعض الكتب تقرأ ليلاً لأنها بمثابة منوّم، بعضها لا يصلح إلا حين يكون العقل صافياً لأن فيها الكثير من الفكر والفلسفة، وبعضها كأنه كُتِب للسفر رفيقاً ومؤنساً.
من المهم أن نختار الكتاب الجيد المناسب للحالة النفسية والذهنية التي نمر بها، وإلا فإننا لن نستطيع إكمال قراءته، وهو ما يفسر نفورنا من بعض الكتب وعودتنا إليها في أوقات أخرى، لنجدها جميلة متناسبة وذوقنا.
كثيراً ما أشعر بالأسى على الذين لا يقرأون، أشعر أن متعة حقيقية تفوتهم، وسعادة حقيقية تضيع من بين أيديهم كزئبق. وكم أتمنى لو أن المدارس، كل المدارس، تعمل جاهدةً اليوم لتكريس محبة القراءة في نفوس أطفالنا منذ مراحل دراستهم الأولى. أقول المدرسة لأن بإمكان المعلم أن يكون خير مرشد وموجه، ليمتلك أساليب تعلمها خلال دراستها لإقناع الطفل بأهمية شيء ما، أو بجدواه من عدم جدواه. وهو ما نجده اليوم في بعض المدارس بالفعل، إذ يسعى بعض المعلمين إلى فرض قراءة عددٍ من الكتب على تلامذته؛ اعتقاداً منهم بأن هذا الفرض قد يقود الطفل إلى عشق الكتب حين يعتاد القراءة، ويجد فيها متعةً وفائدة تعود عليه بشكل إيجابي، فيما يحاول آخرون حثّهم على القراءة بطرق مختلفة تهدف إلى جعل الكتاب رفيقاً لهم اختياراً وليس فرضاً منذ البداية.
يبقى أن نؤكد على أهمية القراءة للقراءة، للإستفادة مما في الكتاب من أفكار ومتعة وفلسفة وقصة وعبرة، لا أن يقرأ أحدنا للتباهي بما قرأ، وهو ما يذكّرني بعبارة قرأتها يوماً لبرتراند راسل: «هناك دافعان لقراءة كتاب ما: الأول هو الاستمتاع به، والثاني هو التباهي بقراءته».
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5259 - الأحد 29 يناير 2017م الموافق 01 جمادى الأولى 1438هـ