العدد 5258 - السبت 28 يناير 2017م الموافق 29 ربيع الثاني 1438هـ

أهمية «مرونة» القرار الاقتصادي

أحمد صباح السلوم

رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

القرار الاقتصادي قرار مؤثر ليس اقتصادياً فقط؛ ولكن اجتماعياً وسياسياً أيضاً، فالقرار الاقتصادي ولو يبدو بسيطاً للبعض (سواءً متخذي القرار أو متابعيه من خارج الدائرة الاقتصادية) إلا أنه قد يسرّح عمالة، ويؤدّي لبطالة، ويفشل علاقات أسرية، ويؤدي لمظاهرات وقلاقل سياسية أيضاً. لذا فمن المهم للغاية أن يعلم متخذه أو معده أو مبرّره أهمية «مرونة» القرار الاقتصادي، وأهمية الاستماع لأطراف الدائرة الاقتصادية المشاركة في شأنه أو المعنية به.

في الأسبوع الماضي عقد وزير الصناعة والتجارة والسياحة زايد الزياني لقاءات مع عدد من التجار، نشرت في الصحافة المحلية، الأول مع مصنعي ومستوردي أجهزة التكييف في البحرين، والثاني مع تجار الذهب. المجموعة الأولى كانت لديها مشكلة بخصوص المواصفات الجديدة التي أقرتها الوزارة بشأن السلع الكهربائية المستخدمة في السوق البحريني سواءً مصنوعة محلياً أو مستوردة، وبالطبع أجهزة التكييف تعد أبرز هذه السلع، نظراً لأهميتها الكبيرة في منطقة الخليج التي يعلمها الجميع بالضرورة، ويجب أن نلفت النظر هنا إلى أن أي بيت أو حتى شقة في البحرين قد يكون بها ثلاجة أو تلفاز أو غسالة واحدة مثلاً؛ لكن عدد أجهزة التكييف لا يقل عن ثلاث أو أربع أو خمس، وهناك أكثر من ذلك بالطبع، فالتكييفات سلعة حيوية ومستخدمة بكثرة في أسواق الخليج.

المشكلة أن القرار صدر بخصوص المواصفات الخاصة بالتكييفات، وتطبيقه بعد شهر واحد من نشره في الجريدة الرسمية، وقد نشر بالفعل! هناك آلاف التكييفات في السوق البحريني لا تنطبق عليها المواصفات الجديدة حرفياً (بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذه المواصفات)، إلى جانب أن هناك مصنع تكييفات بحريني، قال مالكه إنه يملك بالفعل عشرات الآلاف من «قطع تصنيع» هذه التكييفات «مستوردة من الخارج» ولا تنطبق عليها أيضاً المواصفات حرفياً، فأين يذهبون بهذه البضائع، وكيف يصرفونها في هذه الفترة الزمنية المحدودة، وهل من المعقول أن تلحق بهم هذه الخسائر الفادحة هكذا بكل بساطة؟

اجتمع التجار والمصنّعون مع الوزير، وتفهم الرجل المشكلة وتبعاتها في جلسة ودية جميلة، ومنحهم مهلة زمنية جيدة لتوفيق أوضاعهم مع القرار الجديد بدلاً من شهر واحد لتطبيقه، على أن يتم استيراد كافة الأجهزة وعقد الصفقات الجديدة وفقاً للإشتراطات والمعايير الجديدة الخاصة بأجهزة التكييف.

الواقعة الثانية هذا الأسبوع كانت مع تجار الذهب، وبالأخص أعضاء الجمعية الخليجية للذهب، الذين أثاروا مشكلة ارتفاع رسوم دمغ الذهب إلى نسب في الحقيقة «خيالية»، وكل من قرأ الموضوع الذي نشر في إحدى الصحف المحلية، أصيب بالذهول وخاصةً أن الجداول التي كان يتبادلها التجار فيما بينهم، تبيّن أن نصيب الارتفاع في بعض الأوزان الصغيرة قد وصل إلى 28 ضعفاً تقريباً، يعني زيادة بنحو 2800 في المئة!

قام صنّاع وتجار الذهب بتوقيع عريضة، وفوّضوا رئيس الجمعية التاجر النشيط السيد محمد ساجد بمناقشة القضية مع الجهات المعنية، وطلبوا لقاء الوزير، والأخير استجاب بصدر رحب، ونشر اللقاء في الصحافة، ومعلوماتي أنه كان لقاءً إيجابياً ومثمراً، حيث شرح كل طرف وجهة نظره. وأعتقد أنه سيكون هناك مراعاة لمطالب تجار الذهب؛ لأنه لا شك في أنها تحمل شيئاً من الوجاهة والعدالة والمنطقية أيضاً.

ما يهمني في الحالتين استجابة الوزير و»مرونته» في التعامل مع القرارات، على رغم أنها صدرت من قبله، وهذه نقطة تحسب له في الحقيقة، لما سبق أن أوضحته في بداية المقال عن أهمية مرونة القرار الاقتصادي وتأثيراته الخطيرة. قد يعتمد معالي الوزير على معلومات من موظفيه والدائرة القريبة منه، وقد يعتمد على خبرته وتجاربه باعتباره تاجراً وابن عائلة تجارية عريقة في البحرين، وقد يعتمد أيضاً على ملاحظاته ومعلومات يستقيها من السوق، لكن ما يهمنا في واقع الأمر أنه يعتمد أيضاً على المعلومات القادمة من التجار والصناع المعنيين بتأثيرات القرارات المختلفة، مثل تجار وصنّاع الذهب والتكييفات في هاتين الحالتين، وأتمنى على الوزير أن يكون اللقاء قبل القرار، وستكون الفائدة في هذه الحالة جداً عظيمة... وسيتم تلافي الكثير من السلبيات قبل إثارة أي بلبلة في السوق.

لكن بلا شك وزير التجارة من الشخصيات المتفهمة «المستمعة» التي لا تتعنت، وتعلم أن السوق ليس سطحاً رخامياً أملس؛ ولكنه مليء بالظواهر والتضاريس التجارية والاختلافات الكثيرة بين قطاع وآخر؛ بل وفي داخل كل قطاع ذاته تختلف من حالة لأخرى، ومن شركة لمثيلاتها، ولعل «تميز» وزير التجارة يكمن في مقارنته بوزراء آخرين تمس قراراتهم صلب عمل القطاع التجاري البحريني، ويؤثرون عليه تأثيراً مباشراً، ولكنهم يتخذون قراراتهم في غرفهم المغلقة دون استشارة أحد أو دراسة مستفيضة لهذه القرارات، ثم يختفون في أبراجهم العاجية، لا نراهم ولا يرون أحداً ممن تضرّر بهذه القرارات. وكثيراً ما قادتني الظروف وطبيعة العمل سواءً في غرفة التجارة أو جمعية المؤسسات الصغيرة التي أتشرّف برئاستها، إلى طلب لقاءات مع هؤلاء الوزراء ومن تحتهم من مسئولين، وللأسف الشديد كثيراً ما نفشل في هذا الأمر، وأحياناً يعطون مواعيد بعد 6 أو 7 أشهر لمناقشة قضية أو مشكلة، اليوم الواحد فيها يخسر الناس ملايين الدنانير!

شكراً للوزير والمسئول المتعاون المتفهم... ورحمةً بنا يا أهل المكاتب المغلقة والأبواب المغلقة والعقليات المغلقة!

إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"

العدد 5258 - السبت 28 يناير 2017م الموافق 29 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً