العدد 54 - الثلثاء 29 أكتوبر 2002م الموافق 22 شعبان 1423هـ

مملكة البحرين ... والحد الأدنىللمعايير الدولية للرعاية الاجتماعية

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

ليس هناك مجال للشك في أن المكرمات الملكية الخاصة بالرعاية الاجتماعية التي تضاعفت في الآونة الأخيرة، وكان آخرها تخصيص ربع أرباح مجمع السيف لذوي الدخل المحدود، كان لها أثر طيب في نفوس فقراء هذا البلد الطيب. ولكن تقديم الرعاية الاجتماعية إلى أي مواطن في البحرين يجب أن يتم وفقا لخطة وطنية شاملة على أساس برنامج عمل مؤتمر كوبنهاغن للتنمية الاجتماعية للعام 1995. حق الرعاية الاجتماعية من حقوق الإنسان المدنية التي أقرتها المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا يمكن لأي دولة ديمقراطية الوصول إلى مراتب دولة الرفاهية من دون أن تكون لها تشريعات وقوانين تنص صراحة على حق المواطن في الحصول على الرعاية الاجتماعية.

إذا تطبيق البحرين للحد الأدنى للمعايير الدولية للرعاية الاجتماعية أمر مطلوب لوضع خطة متكاملة للرعاية الاجتماعية في البحرين، ووضع إطار لمنظور التنمية الاجتماعية الشاملة في البحرين.

ظهور قوانين الرعاية الاجتماعية

قبل ظهور قوانين الرعاية الاجتماعية، تحملت الحكومات مسئولية التخفيف عن الفقر، وكان الإحسان يأتي من الأقارب والجيران. ولعبت الجماعات المتطوعة والدينية دورا رئيسيا في تقديم المأوى والرعاية الطبية والمال إلى الفقراء. لكن قوانين الدول للرعاية الاجتماعية تعاملت بقسوة مع الفقراء، ففي انجلترا على سبيل المثال كان النظام الأساسي للعمال الذي أجيز العام 1349م، يمنع الإحسان لأنه يشجع على البطالة. وقد جعل قانون الفقراء الذي أجازه البرلمان الإنجليزي في العام 1601 في عهد الملكة اليزابيث الأولى، الابرشيات المحلية مسئولة عن فقرائها. وكانت أموال المساعدات تجمع من كل دائرة، إلا أن قوانين الرعاية الاجتماعية القديمة ميّزت بين شكلين من المساعدات هما:

المساعدة الخارجية والمساعدة الداخلية، وكانت المساعدة الخارجية تعطى مستحقيها في منازلهم الخاصة. أما المساعدة الداخلية فقد كانت تسمى أيضا بالإصلاحيات الشبيهة بالسجن، والمشهود لها بالأوضاع البائسة، كما صورها الكاتب البريطاني شارلز ديكنز في روايته الشهيرة اوليفر توست.

وفي مطلع القرن العشرين، نهضت معظم الدول الأوروبية بأعباء المحتاجين فيها، وذلك عبر البرامج القومية التي تفيد كل المواطنين، وتقدم الحكومات الرعاية الطبية، وتدفع نفقات المستشفيات، وكلفت مؤسسات البرامج الصحية بدفع تكاليف المرضى والولادة لسكان ألمانيا في العام 1883، كذلك الحال في بريطانيا في 1911، وفي اليابان في 1922، وفي نيوزيلندا في 1938، وفي استراليا العام 1944. كما أجازت الهند العمل بهذه التشريعات في 1948م على رغم مشكلات الفقر الكثيرة.

بدأت برامج الرعاية الاجتماعية في أوروبا في العشرينات من القرن العشرين، بتقديم الإعانات للأسر المحتاجة التي لديها أطفال، فقد أجازت نيوزلندا أول قانون لها في 1926، ثم استراليا في 1941، وبدأت معظم البرامج بعد الحرب العالمية الثانية، فمثلا عمل ببرنامج المملكة المتحدة في 1945، والسويد وجنوب إفريقيا في 1947، وألمانيا في 1954، واليابان في 1971. وتعد الولايات المتحدة الدولة الوحيدة المتقدمة صناعيا التي لا تملك برنامج إعانات للأسر ضمن نظام الرعاية الاجتماعية فيها. الدول التي تطبق هذه البرامج كألمانيا وبريطانيا والنرويج والسويد وسويسرا، والدول الديمقراطية الأخرى التي تشمل مواطنيها بالرعاية الاجتماعية، أطلق عليها اسم دول الرفاهية الكبرى.

إجراءات المجتمع الدولي

المجتمع الدولي اتخذ عدة إجراءات مهمة، لضمان وصول الرعاية الاجتماعية إلى كل فرد في هذا العالم. وتجسدت تلك الإجراءات في شكل مقررات قمة كوبنهاغن للتنمية الاجتماعية للعام 1995، القمة وضعت خططا وطنية للرعاية الاجتماعية، لتشمل البرامج الوطنية للتنمية الاجتماعية. وطلبت من كل دولة وضع استراتيجيتها للرعاية الاجتماعية وفقا للتعهدات العشر التي أكدتها جميع الدول في قمة كوبنهاغن.

الأحكام التشريعية لمملكة البحرين جاءت أيضا وفقا لمقررات قمة كوبنهاغن للتنمية الاجتماعية، وطالبت بتطبيق خططها للرعاية الاجتماعية في البحرين، كما هو واضح في نصوص ميثاق العمل الوطني خصوصا (الفصل الأول) «المقومات الأساسية للمجتمع»، سادسا، الأسرة والمجتمع، الفقرة الثانية التي تنص على ما يأتي: «وفي هذا الإطار تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين، في حال الشيخوخة أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمن الدولة الرعاية الصحية وتعنى بالسياسات الصحية التي تعزز أهداف الصحة للجميع». كذلك كان واضحا في نصوص الدستور في الباب الثاني (المقومات الأساسية للمجتمع)، المادة (5)، (ب) تنص على ما يأتي: «تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين، في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمن لهم خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على وقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة».

في حال تطبيق سيناريو الأحكام التشريعية البحرينية التي جاءت في الدستور والميثاق، يجب ألا تؤخذ في الاعتبار المطالب الدولية لوضع قواعد استثنائية لمقياس مستوى الرعاية الاجتماعية، لأنها بحسب الواقع الدولي، لا يمكن تطبيقها على جميع الدول لاختلاف ثقافاتها، خصوصا استراتيجية زائد خمسة التي اعتمدها مؤتمر جنيف للتنمية الاجتماعية للعام 1999، لأنها لا تخدم اهتمامات قطاع كبير من المجتمع المدني، وبالذات المجتمعات الإسلامية التي لها خصوصياتها الدينية. المجتمعات الإسلامية لا يمكنها ببساطة نسخ مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي والسماح بحرية التعبير والنقد الديني. لكن حكومة البحرين ومؤسسات المجتمع المدني البحريني، يستطيعان وضع أسس واضحة لبرنامج البحرين الوطني الخاص بالرعاية الاجتماعية وفقا لخصوصيات المجتمع البحريني، وأسس إعلان كوبنهاغن للتنمية الاجتماعية الذي لا يتعرض إلى جوهر تعاليم الأديان والمعتقدات الإنسانية.

مشكلات الرعاية الاجتماعية

يعد بعض الناس تلقي المعونة من مؤسسات الرعاية الاجتماعية عيبا أخلاقيا، ويشعرون بالخجل إذا اضطرهم الفقر إلى طلبها، بل إن البعض يرفض قبولها حتى لو كانوا معدمين، وقد لا يقوم المسئولون الذين يتولون أمر مخصصات الرعاية أحيانا بالتشجيع اللازم الذي يحتاجه الناس، للاستفادة الكاملة من برامج الحكومة المعدة لمساعدتهم للاعتماد على أنفسهم.

وهناك مشكلات في إدارة الرعاية الاجتماعية، فمثلا قد تثبط همة البعض عن البحث عن عمل، إذا كان متلقي الإعانة لا يستطيع تحقيق كسب من الوظيفة يفوق ما يحصل عليه من المخصصات، ويقال عن أي شخص لا يستطيع أن يزيد من دخله بالعمل: إنه واقع في فخ الفقر. وإذا أعطيت مخصصات الرعاية الاجتماعية أسر الوالد الواحد أو الوالدة الواحدة أكثر من أسر الوالدين معا، فإن الزيجات التي تعاني من ضغوط قد تنفصل عن بعضها في آخر الأمر.

وعلى رغم المشكلات الكثيرة، يستطيع الأشخاص المستفيدون من مساعدات الرعاية الاجتماعية الحكومية والخاصة، أن يسيروا بحياتهم نحو الأفضل، وأن يعتمدوا على أنفسهم. ومن بين الخدمات التي يمكن أن تساعد الشخص على تحقيق أهداف شخصية واضحة، مثل تعليم الكبار القراءة والكتابة، والتدريب على العمل، والمدارس الجيدة، والتربية الصحية.

أنواع الرعاية الاجتماعية

البرامج التي تساعد الناس على تحقيق درجة من الضمان الاقتصادي. ويقدم الضمان الاجتماعي الذي يسمى أيضا التأمين الاجتماعي المالي لتعويض الدخل الذي توقف نتيجة للتقاعد أو البطالة أو العجز أو الموت. ويدفع الضمان الاجتماعي مخصصات إلى العمال وعائلاتهم، على أساس سجلهم العمالي، وتشمل هذه المخصصات: مخصصات البطالة وخدمات إعادة التوظيف للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، ونجد أن الكثير من الفقراء المعدمين لا يكونون مؤهلين لمخصصات الضمان الاجتماعي لأنهم لا يملكون سجلات عمل.

تقدم الحكومات برامج الرعاية الاجتماعية لمساعدة الفقراء، على أساس احتياجاتهم وليس على أساس سجل العمل. وتشمل الإعانات الأسر والأطفال والخدمات المجانية مثل الرعاية الصحية للذين لا يستطيعون دفع تكاليفها.

من هنا لابد من تحديد أولويات الرعاية الاجتماعية في البحرين، ولا يتم ذلك إلا بعد إجراء مسح سكاني شامل للحال الاجتماعية لكل أسرة، لدراسة أحوال الأسر المحتاجة، والأطفال المحتاجين، والنساء اللواتي لا عائل لهن من دون تمييز. أما المرحلة الثانية فتكون ـ بحسب رأيي ـ وضع برنامج بحريني وطني شامل للرعاية الاجتماعية. البرنامج ربما يتحقق عن طريق إنشاء لجنة وطنية للرعاية الاجتماعية، بمشاركة جمعيات النفع العام والجمعيات السياسية، وذات خطوط توجيهية تتناسب وأوضاع البحرين الاجتماعية والاقتصادية واحتياجات التنمية الاجتماعية. وهذا سيمهد الطريق لصدور تشريعات وقوانين على وجه السرعة، لاستكمال خدمات الرعاية الاجتماعية التي تطبق حاليا بعض عناصرها. ولا يفوتنا في هذا المجال التنويه ببعض خدمات الرعاية الاجتماعية التي نالت رضا الناس، وهي: نظام التقاعد ومجانية الخدمات الصحية والتعليم. ولكن الخدمات المذكورة غير مكملة لمقاصد مجتمع الرفاهية المنشود، ما لم تستكمل خدمات الرعاية الاجتماعية الأخرى، مثل: الضمان الاجتماعي، والتأمين الاجتماعي والصحي، والحماية من البطالة، وإيجاد المسكن المناسب والعمل والطعام والمأوى لكل شخص بحريني، والابتعاد عن حافة الفقر، بالإضافة إلى صدور قانون ينظم أعمال الجمعيات الخيرية

العدد 54 - الثلثاء 29 أكتوبر 2002م الموافق 22 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً